عزة الحاج حسن
لم تكن استقالة المدير العام لـ”مستشفى رفيق الحريري الحكومي” فيصل شاتيلا، الأولى من نوعها، وربما لن تكون الأخيرة، لكن تلك الإستقالة وسرعة قبولها من قبل وزير الصحة العامة وائل ابو فاعور شكّلتا سابقة، وفتّحتا العيون على مؤسسة تحوي من الفساد ما يفوق الوصف.
بالأمس القريب رفع شاتيلا استقالته الى وزير الصحة اعتراضاً على عدم إيفاء الحكومة بإلتزاماتها ووعودها تجاه المستشفى وموظفيه، وعدم السير بالخطة الإنقاذية للمستشفى والتي تم الإتفاق عليها سابقاً، وكان العاملون في المستشفى اعتصموا اليوم للأسباب عينها، ومن ضمنها عدم قبضهم لرواتبهم، ولكن المفاجأة جاءت على لسان أبو فاعور الذي قبل إستقالة شاتيلا، معتبراً أن مسيرة الإنقاذ بدأت بـ”هذه الإستقالة”.
وإن دلّ موقف أبو فاعور من استقالة شاتيلا على شيء فهو يدل على اعتباره استقالة شاتيلا جزءاً من الإصلاح، بما يعني أن استمرار وجود شاتيلا على رأس الإدارة هو “جزء من الفساد”.
إلا أن مصادر “المدن” تؤكد صورة مغايرة لتلك التي شهدناها اليوم، فاستكمالاً لما نشرناه بالأمس عن تعرّض شاتيلا لضغوط من قبل وزير المال علي حسن خليل لتوظيف نحو 20 طبيباً في المستشفى، تشير هذه المصادر إلى ما يشبه التواطؤ بين وزارتي الصحة والمال في ملف المستشفى، لاسيما أن خليل تمنّع مؤخراً عن تمرير معاملة للمستشفى بقيمة مليار ليرة لأسباب مجهولة، كما عمد الى اقتطاع قيمة فواتير المستشفى من السلف المطلوبة لتسديد الرواتب، الأمر الذي حرم المستشفى على مدى شهور من بعض عائداته المالية.
هذا الواقع دفع بوزير الصحة – بحسب المصدر – الى المباشرة بخطة إصلاحية في المستشفى تبدأ باستقالة شاتيلا، “تفادياً لأي مواجهة مع وزير المال”.. ولكن أي إصلاح هذا؟
فقد كان حرياً بوزير الصحة المباشرة بالإصلاح من قاعدة الهرم الإداري حتى رأسه، مروراً بمجلس الإدارة الذي يضم عدداً من “الطائفيين”، هم أنفسهم الذين اعترضوا على تعيين رئيسٍ لمصلحة المواد والمشتريات من الطائفة السنية، على الرغم من تولّيه مركزه عبر مجلس الخدمة المدنية، معتبرين أن المركز محصور بأبناء الطوائف المسيحية.
هذا غيض من فيض في أحد أكبر الصروح الجامعية الإستشفائية الحكومية، فهل يسعى أبو فاعور الى الإصلاح فعلاً في مستشفى رفيق الحريري؟ وهل مَن يريد الإصلاح يقبل استقالة مدير عام من دون البحث بأسباب هذه الإستقالة؟ وفي حال كان لأبو فاعور مآخذ على أداء شاتيلا (كما أشار مقرّبون منه) فلماذا لم يفصح عنها سابقاً ويُقدِم بنفسه على إقالته؟
وسط التجاذب بين وزارتي الصحة والمال، لا يغيب تحرّك موظفي المستشفى اليوم، إذ اعتصموا وأعلنوا الإستمرار باعتصامهم “حتى ولو تم تسديد الرواتب المتأخرة في وقت قريب، الى حين تأكيد المعنيين وضع الملف الإنقاذي للمستشفى على طاولة مجلس الوزراء للنهوض بالمستشفى من خلال خطة واضحة المعالم وقابلة للتنفيذ توكلها الحكومة لمجلس الإنماء والإعمار بإشراف الوزارات المعنية لإعادة تأهيل البنى التحتية وتأمين المعدات اللازمة للمستشفى”.
كما طالب المعتصمون، وهم نحو 1100 موظف، بـ”دراسة لائحة المطالب الأولية التي تم رفعها لوزير الصحة العامة عبر إدارة المستشفى والتي تشدد في أحد أهم بنودها على ضم الموظفين والعاملين في المستشفى من دون استثناء (أي من داخل وخارج الملاك) الى ملاك وزارة الصحة العامة وتحييد موضوع تأمين الرواتب عن مشاكل التحصيل، وعن التجاذبات بين الوزارات، والتأخير الناتج عن الدورات المستندية الرسمية”.
وتجدر الإشارة الى أنه وخلال الإعتصام، دخل أحد المواطنين، ويدعى عدنان أرناؤوط، رافعاً الصوت بالسؤال عن مكان تلقيه العلاج لقدمه فيما لو أقفل المستشفى أبوابه. وردة فعل أرناؤوط جاءت ظناً منه أن المستشفى ستقفل أبوابها!