اكدت معلومات المعنيين بحوار رئيس “تكتل التغيير والإصلاح” النائب ميشال عون ورئيس حزب “القوات” الدكتور سمير جعجع لصحيفة “الاخبار” أن “تبني الثاني ترشيح الأول وارد جداً، في ظل التقارب الأميركي ـ الإيراني والتغيرات السعودية وخشية جعجع من سير المستقبل آجلاً أو عاجلاً برئيس توافقي دون أخذ رأيه. سلّة جعجع، في حال موافقته على انتخاب خصمه رئيساً، تبدو للوهلة الأولى فارغة، إلا أن التمعّن قليلا يظهر أن “غلّة” رئيس القوات ستكون وافرة، في حال ذهابه حيث لا يجرؤ الآخرون”.
وأشارت الصحيفة إلى أن المعنيين يتحدثون عن معطيات إيجابية، مؤكدين أن الحوار ــــ خلافاً لكل ما يشاع ــــ ينطلق من الاستحقاق الرئاسي، لا العكس. وهو يجيب على كل هواجس القوات المشروعة، ويقدم كل التطمينات المطلوبة في حال انتخاب عون رئيساً، في ظل مصارحة «استثنائية» بين الطرفين اللذين لا يمكن بناء الثقة المفقودة بينهما بنص مكتوب وواضح لا تحتمل بنوده أي تأويل، في بضعة ايام فقط. مع العلم أن جعجع هو من بادر في اتجاه الرابية، لا العكس.
وتؤكد المصادر أنه تم، قبيل سفر جعجع لأسباب شخصية طارئة، الانتهاء من كتابة نص واضح في إشارته إلى وجوب انتخاب رئيس قوي حصراً، اياً كانت الظروف. إلا أن اجتماع عون وجعجع لإذاعة اتفاقهما سيبقى رهن أمرين رئيسيين: أولاً، حسم القوات بشكل نهائي أمرها لجهة انتخاب عون رئيساً. وثانياً، اللحظة الاقليمية التي تطمئن جعجع إلى صوابية خياره وتحول دون الالتفاف على هذا الانجاز بذرائع مختلفة بدأ الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط البحث عنها.
وفي سياق تشجيع جعجع، يحصي بعض المتفائلين مكاسب قائد القوات في حال تبنيه ترشيح عون الرئاسي، عله يلتفت إليها:
أولاً، يحوّله هذا التبنّي شريكاً رئيسياً في صناعة الرئيس المقبل. إذ إنه، حتى اليوم، استُخدم أداة مستقبلية لمنع انتخاب عون رئيساً بحجة عدم وجود إجماع مسيحي أولي عليه. فلا هو مرشح جدياً إلى الرئاسة ولا هو صانع رؤساء أو حتى لاعب قوي في الانتخابات الرئاسية، بدليل أنه يسعى، عبثاً، منذ أشهر لوضع فيتو نهائي على الوزير السابق جان عبيد أسوة بالفيتو العوني على قائد الجيش العماد جان قهوجي. وحين قدم عون مبادرته التي تنص على ذهابه وجعجع حصراً إلى المجلس النيابي لانتخاب أحدهما، لاحظ رئيس القوات كيف انقضّ حلفاؤه على المبادرة للإطاحة بها، بدل أن يتبنوها ويستنفروا علاقاتهم للضغط على النائب جنبلاط وغيره ليضمنوا فوزه بالرئاسة، مما يؤكد أنهم رضخوا لترشيح الأمر الواقع الذي فرضه الزعيم الدرزي عليهم.
ويدرك جعجع أن هؤلاء – خلافاً له – لن يخوضوا معركة لأجله، ولا يريدون وصوله إلى الرئاسة. أما في حال تبنيه عون، فيمكنه التحول فوراً إلى شريك رئيسي في صناعة الرئيس المقبل. وبالمناسبة، لا أحد غير عون يمنح جعجع هذه الصفة: أي رئيس آخر سيكون ثمرة اتفاق بين حزب الله وتيار المستقبل والتيار الوطني الحر، ولن تكون لجعجع علاقة مباشرة به، على غرار اتفاق الدوحة على قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً.
ثانياً، يصالحه موقف كهذا مع شريحة شعبية مسيحية كبيرة، تحمّل طموحاته السلطوية مسؤولية كل ما لحق بالمسيحيين منذ اغتيال طوني فرنجية والصراعات الدموية وفرط حزب الكتائب وفرض اتفاق الطائف واغتيال داني شمعون. كما يصالحه مع من يحلمون، منذ عام 1988، برؤية عون في قصر بعبدا، ومن يتطلعون إلى اخراج مجتمعهم من الدوران طوال ربع قرن في الحلقة الفارغة نفسها.
ثالثاً، تفسح خطوة كهذه المجال أمام جعجع لتفاهم جدي كامل مع عون يضمن تقاسمهما كل مغانم السلطة، ليغدو المرجعية المسيحية الثانية من دون منازع. وتشير المعلومات إلى أن بحث عون وجعجع اليوم يتجاوز قانون الانتخابات ليشمل التحالف الانتخابي أيضاً. ويكفي جعجع أن يتخيل كيف سيمحو تحالفهما كل أثر نيابي لمسيحيّي 14 آذار والكتائب وآل المر وفرعون وسائر البيوتات السياسية التي حلم جعجع قبل ثلاثة عقود بـ «تحرير مجتمعه من ديماغوجيتها». وهذا، بالمناسبة، ما لا يقدمه أي مرشح آخر لجعجع، حتى جعجع نفسه.
بغضّ النظر عن المكاسب الإضافية، يفترض بجعجع تحديد الخيارات المتاحة أمامه. هو فعلياً أمام ثلاثة مرشحين: النائب سليمان فرنجية الأشد تطرفاً من عون في مواقفه السياسية حتى ولو ظهر العكس مراراً، والذي سيسعى إلى مزاحمة جعجع في مناطق نفوذه (بشري والكورة والبترون) بوصفها امتداداً طبيعياً لزعامته الزغرتاوية، وسينعش الزعامات المناطقية (التي يكرهها جعجع) من كسروان إلى زحلة. النائب روبير غانم الذي لن يقدم للقوات وفريقه السياسي أكثر مما قدمه ميشال سليمان إذا نجحت مساعي الرئيس فؤاد السنيورة لانتخابه رئيساً. والعماد ميشال عون الذي لن يفكر في التجديد ولا في التمديد، وينظر إلى رئاسة الجمهورية كقمة يحتاج إلى بعض الإصلاحات والإنجازات الإنمائية ليتوّج ملكاً عليها. وهنا، فإن تكريس جعجع مبدأ انتخاب المسيحي الأقوى رئيساً للجمهورية، مهما كانت المآخذ عليه، هو وسيلته الأفضل لتسويق ترشيحه مستقبلاً.
في النتيجة، استدرج عون جعجع، بواسطة الكثير من الهدايا، إلى فخ محكم. ها هم العونيون يرفعون أيديهم معلنين أنهم أعطوا رئيس القوات كل ما يريده من تفاهمات عامة وتفصيلية، مقابل مساندته لهم في تحصيل حقهم الرئاسي، إلا أنه رفض، لأسباب شخصية أو إملاءات خارجية. لا مكان هنا للحجج السياسية، إذ ليس بين مرشحي 14 آذار، بمن فيهم جعجع، من هو قادر على التعهد في خطاب القسم بأكثر مما يتعهد به عون تجاه المقاومة والأحلاف الإقليمية. مع العلم أن التقارب الإيراني – الأميركي، وكل المتغيرات المتعلقة بحزب الله والنظام السوري في ظل الحرب الدولية على الإرهاب والحوار بين المستقبل وحزب الله، تضيق هامش الاختلاف بين عون وجعجع في الموقف السياسي.
يمكن جعجع أن «يطنش» على ما سبق متجاهلاً، كعادته، حسابات الربح والخسارة. ويمكنه الاستمرار في السعي ليكون ميشال المر في عهد الرئيس الياس الهراوي بدل أن يكون بيار الجميل في عهد الرئيس فؤاد شهاب، أو يغلب طبعه ويتخذ الخيار الأفضل لحزبه ومجتمعه.
وأضافت “الأخبار” أن رئيس حزب القوات ؤيعلم أن نفوذ وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، الذي حُمل قبل بضعة أشهر مسؤولية تعطيل الاتفاق العوني ــــ الحريري، آخذ بالتراجع منذ وفاة الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز. رئيس الاستخبارات خالد بن بندر الذي لم تسع جعجع الدنيا حين استقبله أخيراً عُزل من منصبه، وطويت مرحلة ملهمه بندر بن سلطان. ويدرك قائد القوات أن القيادة السعودية الجديدة قد تكون، في المرحلة المقبلة، مجبرة على إبداء مرونة كبيرة في التعامل مع الملفات العالقة. فاستمرار الأوضاع على ما هي عليه، سواء في اليمن أو البحرين أو العراق أو سوريا ولبنان، لا يفيدها بشيء، في ظل خسارتها أسلحتها الرئيسية: المال السياسي فقد جدواه في ظل تصلب الكتل المذهبية واستحالة تحقيق خروقات مهمة بواسطته، والمغالاة في التعصب تشد عصب خصومها فيما تفتح على المملكة وحلفائها أبواباً داخلية وحدودية تسعى جاهدة لإغلاقها، إذ إن التعصب الشيعي قابل للسيطرة، أما التعصب السني، فيقود إلى مبايعة «داعش» وأخواتها ممن يطمحون إلى الاستيلاء على العرش السعودي آجلاً أو عاجلاً. لذلك كله، قد تقتنع المملكة، أخيراً، بضرورة التوصل الى تفاهمات جديدة للحدّ من الخسائر، بما يبقي في يدها رئيس حكومة لبنانيا قويا مقابل رئيس جمهورية قوي لخصومها.