اختارت السلطات العسكرية والامنية في لبنان يوماً مثلجا للمباشرة في تنفيذ الخطة الامنية في البقاع الشمالي والشرقي، اذ منذ فجر الاربعاء دخلت عشرات الآليات العسكرية الى بلدة بريتال وتوزعت بين احيائها لتنفذ على وجه السرعة وتحت الثلوج سلسلة من عمليات الدهم علها تعثر على بعض المطلوبين الرئيسيين.
واشارت المعلومات لصحيفة “القبس” الكويتية الى انه “تم توقيف عدد من “الرؤوس الصغيرة”، اما الرؤوس الكبيرة فقد تردد انها تتجول في مدينة دمشق او في مدينتي حمص واللاذقية بعدما لاذت بالفرار”.
وعلى صعيد متصل، ذكرت مصادر وزارية معنية بتنفيذ الخطة الأمنية في البقاع الشمالي لصحيفة “الراي” الكويتية ان “ثمة أجواء في المنطقة المشمولة بهذه الخطة تشجّع على تفهُّم أكبر وأوسع للحزم الذي ستتسم به في ظلّ ما تعرضت له المنطقة من محاولات اختراق على أيدي التنظيمات الارهابية في الأشهر الأخيرة بدءاً من جرود عرسال ومروراً بجرود بريتال وصولاً الى جرود رأس بعلبك والتي كان الجيش يتكبد معها في كل معركة عدداً من الشهداء، كما كانت المنطقة تقف عند حدود خطر كبير لاختراقها من جانب الإرهابيين”.
وأشارت الى ان “ما يمكن تأكيده الآن هو ان ثمة قراراً سياسياً كبيراً من جانب الحكومة مجتمعة بالدرجة الأولى وفريقيْ الحوار اي تيار “المستقبل” و”حزب الله” بالدرجة الثانية حيال وضع حدّ نهائي للفوضى الأمنية في منطقة البقاع الشمالي بما سيفتح الطريق عاجلاً ام آجلاً نحو توسيع إطار الخطة الى مناطق أخرى حيوية مثل الضاحية الجنوبية لبيروت”.
ولفتت المصادر الى ان “أهمية توقيت الخطة من زاويتين أمنية وسياسية. فمن الناحية الأمنية سيشكل انتشار الوحدات المشتركة من الجيش وقوى الأمن الداخلي والأمن العام نموذجاً متقدماً عن انخراط سائر القوى المسلحة الشرعية في هذه التجربة بما يساعد الجيش على التفرغ أكثر للمواجهة مع الارهاب بعد تمتين الجبهة الداخلية وأخذ القوى الأمنية الأخرى حيزاً مهماً من أعباء حماية هذه الجبهة، ولو ان الإمرة الأساسية ستبقى للجيش. اما من الناحية السياسية، فان انطلاق الخطة، سيترك أجواء مريحة على المستوى الوطني العام عشية إحياء الذكرى العاشرة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري السبت، اذ تعطي الخطة الأمنية في البقاع الانطباع الحسي عن توازن الخطوات التي تتصل بتنفيس الاحتقانات المذهبية فلا تبقى مقتصرة على مناطق ذات غالبية سنية. وهو امر يكتسب دلالة بارزة وخصوصاً بعد إقدام (كتلة المستقبل) البرلمانية مرة جديدة على إثبات جدية حازمة في رفض التطرف من خلال خروج النائب خالد الضاهر من صفوفها تحت عنوان تعليق عضويته بسبب إصرار الرئيس سعد الحريري والرئيس فؤاد السنيورة عليه بوجوب الاعتذار عن تصريحاته التي استفزّت المسيحيين بخصوص إزالة تمثال يسوع الملك في حال رفع لفظة (الجلالة) من مستديرة النور في طرابلس”.
من جهتها، قالت مصادر امنية لصحيفة “الجمهورية” إنّ المرحلة الأولى من الخطة شملت إثنين من المربّعات الأمنية التي تحدّثَ عنها وزير الداخلية نهاد المشنوق وهما بلدتا بريتال وحورتعلا، فتمّ تطويقهما بإحكام. وحصلَ الإنتشار بعد ساعات على تجهيز القوى الأمنية التي ستتولّى التنفيذ، وتجمّعَت وحدات الجيش في ثكنة الشيخ عبدالله في بعلبك، فيما تجمّعَت وحدات الأمن الداخلي في أبلح قبل ان تقفل العاصفة «يوهان» طريقَ ضهر البيدر. كذلك انطلقَت الوحدات الأخرى من الأمن العام وأمن الدولة من مواقعها الأقرب الى المنطقة.
وحتى ساعات المساء لم تكن المراجع المعنية قد كشفَت حصيلة اليوم الأوّل للخطّة قبل ان تصدرَ قيادة الجيش مساءً بياناً أشارت فيه الى أنّ قوّة مشتركة من الجيش وقوى الأمن الداخلي والأمن العام، باشرَت «تنفيذ خطة أمنية واسعة تستمرّ أياماً عدة، وقد شملت في تاريخه تنفيذَ عمليات دهم وإقامة حواجز ثابتة وظرفية، وتسيير دوريات في مختلف البلدات والقرى في المنطقة المذكورة، أسفرَت عن توقيف 10 أشخاص مطلوبين بوثائق عدّة، بالإضافة الى ضبط 18 سيارة مسروقة».
وذكرَت مصادر عسكرية لـ«الجمهورية» أنّ «الجيش موجود في البقاع ويقوم بدوره منذ مدّة، خصوصاً في منطقة عرسال ورأس بعلبك، ويخوض مواجهات ويلاحق الإرهابيين في الجرود، وعصابات التهريب والسرقة والمطلوبين في سهل البقاع».
وأكّدت أنّ «هذه الخطة ستريح الجيش في داخل قرى البقاع ومدنِه ليتفرّغ بدوره للتصدّي للإرهابين على الحدود». وشدّدت على أنّ «التنسيق بين الجيش وقوى الأمن الداخلي والأمن العام هو على أكمل وجهه، وأنّ أحد شروط نجاح الخطة في البقاع وفي كلّ لبنان هو التعاون التامّ بين كلّ الأجهزة».
ورفضَ مرجع أمني الكشفَ عن حجم القوّة وتركيبتِها، وقال لصحيفة “الجمهورية”: “إنّ الحديث عن الأرقام غير مرغوب به في العمليات العسكرية من هذا النوع”. وأضاف: “إنّها خطة أمنية واسعة ولها مقوّماتها الكاملة من عدة وعديدٍ، وتنفّذها وحدات تدركُ أهدافَها، فأمرُ العمليات واضحٌ ودقيق، وقد تمّ “تيويمه” استناداً إلى التغييرات التي عاشَتها المنطقة عقب العمليات العسكرية على الحدود اللبنانية – السورية”.
وأكّد المرجع “أنّ منفّذي الخطة لا علاقة لهم بما يجري على الحدود في المواجهات مع مجموعات المسلحين والإرهابيين، لكنّ وجودهم في المنطقة سيكون في أيّ لحظة سنَداً لرفاقِهم على الحدود”.
وكان لافتا ما اشارت اليه مصادر أمنية لصحيفة “الانباء” الكويتية، الى ان “الإعلام الذي سبق تنفيذ الخطة الأمنية لمنطقة البقاع الشمالي وحدد ساعة صفرها من قبل الأمنيين او السياسيين أفضى الى انسحاب كل المطلوبين باتجاه بلدة القصير والقلمون السوري، وان بعض هؤلاء أخذوا معهم مصانع “الكبتاغون” وحشيشة الكيف المخدرة الى ملاذهم الجديد، وفقدت من البلدتين الأسلحة الخفيفة التي كان يتاجر بها المطلوبون”، واوضحت ان “المماطلة في تنفيذ الخطة، بذريعة تأمين الغطاء السياسي ومراعاة لعلاقة “حزب الله” بالعشائر التي ينتمي إليها معظم المطلوبين، هو ما مكن هؤلاء من استكمال عملية انتقالهم الى داخل الأراضي السورية التي تشكل امتدادا للجرود الجبلية اللبنانية”.