IMLebanon

هرقل: الأزمة اليونانية من الداخل

GreekCrisis
تقول الأساطير اليونانية القديمة إن هيراقليس، أكبر أبطال اليونان القديمة ــ الذي تحوّل اسمه في العصر الروماني إلى هرقل ــ أنجز 12 عملاً خارقاً ليجد نفسه أمام تحدِ آخر هو خوض معارك طاحنة ضد «هادس» الذي رفض الاعتراف به بعد وصوله إلى قمّة جبل الأولمب.

كان رهان تلك الحرب هو احتفاظ هيراقليس بمكانته كأحد آلهة اليونان القدامى إذا انتصر فيها، أو ولوج ملكة الموتى التي كان «هادس» يسيطر عليها. انتهى الأمر بتخلّي «هادس» عن مواصلة القتال أمام عزيمة هرقل ليسود السلام في اليونان ويحتفظ هرقل بمكانته.

ما يتم تأكيده منذ البداية هو أن اليونان، ومنذ نهاية عام 2009 عندما تمّ الكشف عن واقع الإفلاس الذي كانت تعاني منه وعقب أحداث العنف التي شهدتها في عام 2008، غدت مركز اهتمام العالم. ذلك على خلفية نوع من الإدراك العام أنها يمكن أن تنزلق في حالة من الفوضى المالية وإلى حالة من التطرّف السياسي الذي ستكون له آثاره على القارّة الأوروبية كلّها.

إن مؤلف الكتاب يانيس باليولوغوس، الذي يعمل في صحيفة «محافظة» يونانية، يطرح في البداية عددا من الأسئلة مثل: كيف يمكن لاقتصاد في قلب أوروبا كان يبدو ظاهريا في حالة تماسك، بل ويتمتع بدرجة من الازدهار أن يكون على حافة الانهيار بالصورة المتسارعة التي عرفتها اليونان؟ وكيف تبيّن أنه من العسير على ذلك الاقتصاد أن يقف من جديد على قدميه؟.

يكرّس المؤلف القسم الأول من كتابه لتوصيف وتحليل حالة الخلل الكبير والعميق في آليات العمل الاجتماعية التي تشكل الخلفية التي قامت عليها الأزمة الاقتصادية الكبرى اليونانية المستمرّة منذ سنوات عديدة.

يتم الحديث في هذا الإطار عن الشروط التي تتعلّق بآليات التوظيف التي تتبعها الجهات الرسمية المسؤولة، حيث إن القاعدة الفاعلة تقوم على أسس «غير الكفاءة» مثل الحظوة أو القرب من أصحاب القرار في مجال التوظيف أو الانتماء السياسي أو غير ذلك من المعايير التي لا تنتمي إلى ما تستوجبه آليات عمل الدولة الحديثة.

وسلبية أخرى كبيرة تتردد في تحليلات هذا الكتاب تتمثّل في نظام فرض الضرائب، وخاصّة في طرق جمعها، بحيث يتم «تسهيل عمليات تهريب الأموال إلى الخارج» وبتواطؤ من داخل وزارة المالية نفسها.

وهناك أيضا وثائق ملكية مشوّشة يعود البعض منها إلى عصر الإمبراطورية العثمانية وغياب كبير للسجلاّت العقارية وفوضى كبيرة على صعيد إشادة الأبنية «العشوائية». وممارسات أخرى عديدة يذكرها مؤلف الكتاب ولا تتماشى، كما يشرح، مع مستلزمات «الدولة الحديثة».

النتيجة النهائية التي يصل لها مؤلف هذا الكتاب من رسمه لصورة قاتمة جدا للوضع اليوناني القائم مفادها أن المستقبل قد يكون أكثر تهديدا. ذلك أنه نتيجة لحالة التهميش وغياب الأفق المفتوح التي يواجهها الشباب اليونانيون لا بدّ من أن يندفعوا نحو مزيد من التطرّف. ذلك بحيث أن اضطرابات عام 2008 التي شهدتها شوارع العاصمة أثينا وغيرها من مدن وبلدات اليونان عام 2008 قد تكون «بمثابة نزهة في حديقة» بالقياس إلى ما قد يأتي.