IMLebanon

الإقتصاد اللبناني إقتصاد لا يخضع لأي قانون

MoneyLeb3

بروفسور جاسم عجاقة

إقتصادٌ هجني لا يخضع لأيّ قانون إقتصادي، هكذا يُمكن وصف الاقتصاد اللبناني، فما بين الحوارات الثنائية القائمة، الخطط الأمنية والتشنّج الحكومي، يُعاني هذا الاقتصاد من قلة الإستثمارات ومن الدين المتزايد. والمُلفت في أرقام العام 2014، تزايد ودائع المصارف التجارية والتي تطرح مشكلة كيفية دفع الفوائد لهذه الودائع.
تميّز العام 2014 بكثرة الاحداث التي طالته وأثّرت بشكل كبير في الاقتصاد اللبناني. وإذا كان إنخفاض أسعار النفط هو الحدث الإيجابي الوحيد الذي يُمكن ذكره، إلّا أنّ الأحداث السلبية كثيرة وعلى رأسها النزوح السوري الكثيف والهجمة الداعشية على لبنان.

هذه الاحداث أدّت من دون شك إلى تراجع ثقة المستثمر المحلّي والأجنبي حيث تُظهر أرقام الإستثمار أنّ الإستثمار الأجنبي المباشر إنخفض من 2,830 مليون دولار أميركي في العام 2013 إلى 2,547 مليون في العام 2014. كذلك فإنّ الإستثمار الداخلي قلّ بحسب قيمة قروض كفالات من 118.2 مليون دولار أميركي في العام 2013 إلى 109.6 ملايين في العام 2014.

أيضاً يُمكن ملاحظة إنخفاض تحويلات المغتربين من 7,550 ملايين دولار أميركي في العام 2013 إلى 6,795 ملايين في العام 2014. وهذا الأمر أدّى إلى خفض تدفقات الرساميل ما بين العام 2013 والعام 2014.

من جهة أخرى إنخفض العجز في ميزان المدفوعات من (1,662) مليون دولار في العام 2013 إلى (1,292) مليون في العام 2014 وذلك بفضل عاملين: إنخفاض أسعار النفط واإنخفاض سعر صرف اليورو. لكنّ المُلفت للنظر هو أنّ ودائع القطاع الخاص تراوح من 133 إلى 143 مليار دولار أميركي ما يطرح السؤال عن وجهة هذه الودائع وكيفية دفع الفوائد على هذه الأموال.

والتفسير هو أنّ هذه الأموال التي لا تُستخدم في الإستثمارات (كما ظهر أعلاه)، تُستخدم في سندات الخزينة اللبنانية التي تظلّ إستثماراً جيداً إذا ما أخذنا في الإعتبار نسبة المردود على المخاطر (Sharpe Ratio). وهذا الأمر يطرح علامات إستفهام عن العواقب الوخيمة التي قد تطال لبنان في حال (لا سمح الله) خضع القطاع المصرفي، الذي يفوق حجمه بأضعاف حجم الاقتصاد اللبناني، إلى أزمة مالية.

رؤية محدودة

تتعدَّد المشاريع الإقتصادية التي يتمّ طرحها للتصويت في مجلس الوزراء كالمناطق الاقتصادية (بلا ضرائب) وغيرها من المشاريع الإنمائية. لكنّ هذه المشاريع لا تدخل في ظلّ إستراتيجية إقتصادية واضحة وتبقى ذات فعالية محدودة من ناحية التداعيات الإيجابية. والسبب أنّ هذه المشاريع الصغيرة لا تستطيع وحدها ملء النقص في الإستثمارات في الماكينة الاقتصادية.

لذا نرى محدودية الرؤية في المشاريع الاقتصادية والنقص في التخطيط على الأمد المتوسط والبعيد. ما يعني أنّ هذه المشاريع الصغيرة التي يُحاول الوزراء والنواب استثمارها هي مشاريع ذات فائدة محدودة أقلّ من كلفتها.

من هذا المنطلق نرى أنه من الواجب إعتماد خطة إقتصادية تتجلّى معالمها بمعالجة الآتي: تراجع ثقة المستهلك، تراجع الاستثمار الخاص، وإرتفاع معدلات الفقر والجوع.

خطة المعالجة

لمعالجة هذه النقاط، يتوجب على الحكومة معالجة الأسباب وتحديداً:

1- دعم الإستثمار: وذلك عبر تحفيز المناخ الاستثماري للقطاع الخاص ودعم الشركات الصغيرة والمُتوسطة الحجم التي هي وحدها قادرة على محاربة الفقر (للتذكير البنك الدولي يعتمد هذه الوسيلة لمحاربة الفقر بين دول العالم الثالث) كما ونقل التكنولوجيا لإستخدامها في الماكينة الإنتاجية ما يعني إستدامتها.

وبمجرد زيادة الإسثمارات، فإنّ الاقتصاد اللبناني سيكون قادراً على خلق فرص عمل بشكلٍ يسمح بإستيعاب المتخرّجين من الجامعات والبالغ عددهم ما يفوق الـ 16 ألف خرّيج جامعي سنوياً. كما أنّ لزيادة الإستثمار مفعولاً إيجابياً على الإستهلاك لناحية خلق وإيجاد فرص العمل ستزيد من مدخول الفرد اللبناني الذي سيعمد تلقائياً إلى زيادة الإستهلاك.

2- إجراء إصلاحات إقتصادية وإدارية: إنّ الإصلاحات يجب أن تطال القطاع العام لزيادة إنتاجيته وذلك لكبر حجم الموظفين في هذا القطاع، وللجم الطلب عليه. هذا الأمر يمرّ عبر فرض برامج جودة على الوزارات والمؤسسات العامة مع إصلاحات شاملة في الإدارة العامة.

كما أنّ الإصلاحات في القوانين التي تُهيّئ أجواء الأعمال للقطاع الخاص هي أساسية كقانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص الذي سيسمح بتمويل البنية التحتية للإقتصاد اللبناني على مشارف عصر إستخراج النفط والغاز. أيضاً يُمكن ذكر الإصلاحات الضريبية التي وفي هذا الإطار فقط، قد تعفي بعض المناطق اللبنانية من الضرائب كما ومحاربة الهدر والفساد عبر بسط سلطة الدولة المالية على كلّ الأراضي اللبنانية.

3- العمل على إنخراط لبنان في الاقتصاد العالمي: وذلك عبر الإستفادة من المشاريع الإقليمية والدولية على مثال مصر التي بادرت إلى تنفيذ مشروع توسيع قناة السويس والذي تعجز الشركات المصرية وحدها عن تنفيذه.

كذلك وفي ظلّ تهديد أثيوبيا ببناء السدّ على نهر النيل والذي ستكون له تداعيات سلبية على القطاع الزراعي المصري، يتوجّب العمل على جعل لبنان المورد الزراعي بإمتياز لمصر. أيضاً يُمكن ذكر إنخراط لبنان في كلّ مشاريع الإتحاد الأوروبي وحتى لو لم تُعطِ نتيجة، فإنها ترفع لبنان في الشأن العالمي إلى مراتب تؤهله أن يكون البلد المُفضّل سياحياً وإستثمارياً وبنيوياً.

معضلة النزوح السوري

كلّ هذا بالطبع يبقى رهينة الوضع الأمني في لبنان ورهينة السيطرة على النازحين السوريين إقتصادياً، إجتماعياً وأمنياً. وإذا كانت خطة وضع النازحين في مخيمات هي المُثلى، إلّا أنّها لا تلقى إجماعاً وطنياً على الرغم من أنّ كل شرائح المجتمع اللبناني مُتضرِّرة من هذا النزوح. لذا المطلوب العمل على إعادة النازحين إلى سوريا لمناطقَ آمنة خالية من المواجهات العسكرية.

في الختام، ولكلّ مَن ينتقد آلية عمل الحكمة، نعتقد أنّ هذه الآلية هي التي سمحت للحكومة بالإستمرار وأخذ القرارات في ملفات إقتصادية وإجتماعية عدة. وحتى إن لم تكن هذه الآلية مثالية إلّا أنّ لها فائدتين: الأولى تسمح بتسيير الأمور المعيشية للمواطن، والثانية تسمح بضبط البلد في ظلّ غياب رئيسه. وهذا الموقف ليس إلّا نتيجة مشاهدة أعمال هذه الحكومة وعلى رأسها السلامة الغذائية، ملف النفايات، الخطط الأمنية… والتي عجزت الحكومات السابقة عن القيام بها.