يعيش العالم اليوم، حقبة «العولمة اللبرالية» التي قامت على أنقاض حالة الانقسام التي سادت العالم على مدى عقود عدة بين معسكري الرأسمالية والاشتراكية، الغرب والشرق. ولكن مثل هذه المنظومة لم تأتِ من فراغ بل تجد جذورها في القرن التاسع عشر. وهذا ما يشرحه المؤرّخ الألماني «جورجن اوسترهامل» في كتابه الذي كّرّسه لتقديم «تاريخ شامل للقرن التاسع عشر»، كما يقول عنوانه الفرعي والذي «حوّل العالم»، مثلما جاء في عنوانه الرئيسي.
يتم توزيع المواد بين قسمين رئيسيين يضعهما المؤلف تحت عنوانين كبيرين هما «رؤية شاملة ــ بانوراما» و«مواضيع مطروحة». والمواد موزّعة بين خمسة عشر فصلاً يتم تكريس كل منها عن حدث أو منطقة أو مفهوم، حيث تأخذ الفصول عناوين من نوع «المدن» و«المعارف» و«شروط الحياة» و«الحدود» و«الإمبراطوريات» و«الأمم».. إلخ.
السمة الأولى لهذا العمل هي أنه عمل فريد أيضاً من حيث شموله لتاريخ القرن التاسع عشر ــ هناك أعمال أراد أصحابها دراسة تاريخ العام الشامل ليس أقلّهم شأناً أرنولد توينبي في «دراسة التاريخ» بــ 12 مجلّداً خلال سنوات منذ 1934 حتى 1961 ــ إذ تتم فيه معالجة تاريخ البلدان الغربية والبلدان غير الغربية خلال الفترة المدروسة، أي القرن التاسع عشر.
هكذا يجد القارئ بعض المفاصل الأساسية التي عرفها مثلاً التاريخ الصيني والتاريخ الياباني من خلال العودة إلى أحداث مثل «تمرّد مينغ» في الصين وفترة حكم «الإمبراطور ميجي» في اليابان.
بالنسبة لـ «تمرّد مينغ» هو ذلك الذي عرفته منطقة جنوب ووسط الصين خلال سنوات 1851 ــ 1864. ويصفه المؤلف أنه «أحد أكبر الحروب الأهلية قتلاً في التاريخ». مع تحديد القول إن عدد ضحاياه بلغت ما بين 20 و30 مليوناً. والإشارة أنه سبقته كوارث طبيعية وأعقبته مجموعة تمرّدات صغيرة. بالإجمال تناقص عدد سكان الصين من 410 ملايين سمة عام 1850 إلى 350 مليوناً في عام 1873.
و«فترة الإمبراطور ميجي» في اليابان الذي كان الإمبراطور الثاني والعشرين بعد المائة لليابان. يصف المؤلف تلك الفترة أنها كانت تتسم بوجود «حكومة مستنيرة» ذات «سياسة تنويرية».
الفكرة الأساسية التي يؤكّد عليها المؤلف ويثبتها منذ البداية هي أن «جميع أجزاء العالم ومناطقه هي ذات أهمية كبرى» في صنع التاريخ. بالتالي يرى أنه من الخطأ الكبير الانطواء حول المفهوم الأوروبي «الذي يدور حول الذات» على اعتبار أن أوروبا هي «المحرّك الأساسي للتاريخ الإنساني».
وفي الفصل الأخير، الختامي، من الكتاب يقوم المؤلف بعملية «توليف» لمختلف المسائل التي تعرّض لها بالتأريخ والتحليل والمقارنة على مدى حوالي 1200 صفحة تقريباً ــ وبحروف صغيرة ــ منها أكثر من 900 صفحة من النصوص ومئات أخرى عدة للمراجع والإشارات التوضيحية وغير ذلك مما يتطلّبه أي عمل أكاديمي.