“الوصفة الطبية الموحدة” موضوع شغل الرأي العام اللبناني في الآونة الأخيرة بما في ذلك القطاعات الإستشفائية والطبية. ولم يسمع اللبنانيون غير المواقف المرحّبة بـ”الوصفة الموحدة” والإصرار على تطبيقها، ما دفع بوزير الصحة العامة وائل ابو فاعور الى الإستبشار خيراً بتطبيقها ابتداءً من أول آذار المقبل، أي بعد نحو أسبوعين.
لكن هل فعلاً الوصفة الطبية الموحدة محبّذة من جميع الأفرقاء المعنيين بتطبيقها؟ وإذا كانت كذلك فلماذا لم يُعمل على تطبيقها ابتداءً من نيسان 2013 عندما اقترحها نقيب الأطباء آنذاك ووافق عليها الجميع كما يحصل اليوم؟
“المدن” قصدت النقيب السابق للأطباء شرف أبو شرف، وهو الراعي الأول لـ”الوصفة الطبية الموحدة”- بحسب تعبيره- وتبيّن أن هذه الوصفة لاقت الترحيب نفسه في العام 2013، أي حصدت موافقة وزارة الصحة ونقابتي الأطباء والصيادلة، وصندوق الضمان الإجتماعي وتعاونية موظفي الدولة، وجرى استدراج عروض بشأن تلزيم طباعتها، فتم تلزيمها الى مطبعة رعيدي، لكنها لم ترَ النور بعد ذلك!
إذاً، أين “علقت” الوصفة الموحدة؟ يؤكد أبو شرف أن “مشروع الوصفة الموحدة تعرّض الى ضغوط سياسية غير مُعلنة تُرجمت في رفض أمين صندوق نقابة الأطباء تلزيم طباعة الوصفات الطبية الى مطبعة رعيدي بدلاً من مطبعة عيتاني لأسباب طائفية، مهدداً بعدم تحويل الأموال اللازمة للطباعة، وقد دعا إلى تلزيم الطباعة إلى المطبعتين، على قاعدة المناصفة بين المسيحيين والمسلمين”.
وإذ يشير ابو شرف الى تململ شركات الأدوية آنذاك، يستبعد أن تنجح وزارة الصحة راهناً بتطبيق الوصفة الموحدة “لصعوبة الوقوف في وجه شركات الأدوية، لاسيما تلك المتضررة من أدوية الجنريك”.
اليوم وبعد أن لاقى قرار أبو فاعور تطبيق الوصفة الطبية الموحدة مطلع آذار المقبل ترحيب غالبية القطاعات المعنية ظهرت مؤشرات مغايرة لما هو مُعلن. فمجلس إدارة الضمان الإجتماعي قرّر بالإجماع تعديل المادة 42 من النظام الطبي على النحو الآتي: “لا يدفع الصندوق إلا ثمن الدواء والمواد الصيدلانية التي يصفها طبيب متعاقد مع الصندوق. يحق للصيدلي وخلافا لأي نص آخر أن يصرف الى حامل الوصفة الطبية دواء تحت إسم جنيسي generique or brand generique غير مذكور فيها، وذلك ضمن الشروط المحددة في المادة 47 من قانون مزاولة مهنة الصيدلة في لبنان”.
مجلس إدارة الضمان فتح ثغرة ترك فيها مجالاً للإعتراض على موقفه في الأيام المقبلة عندما قال: “بما أنه لم تتوافر الغالبية القطاعية ضمن أعضاء مجلس الإدارة الحاضرين فسيعاد التصويت على القرار بالغالبية المطلقة بعد اسبوعين”، ونعني هنا بالغالبية المطلقة أي ممثلي الدولة والعمال وكذلك ممثلي الهيئات الإقتصادية. وهنا بيت القصيد، هل سيوافق ممثلو الهيئات على تطبيق الوصفة الموحدة؟
ممثلو الهئيات الإقتصادية (بحسب مصدر في الضمان الإجتماعي) من المرجّح أن يقفوا في وجه التصويت على الوصفة الموحدة “لما تحمله من ضرر على شركات الأدوية، لاسيما إن أدوية الجنريك من شأنها خفض نسبة مبيعات الأدوية الأساسية الى ما يقارب النصف”.
أما بالنسبة الى شركات مستوردي الأدوية فموقفهم جاء على لسان نقيبهم أرمان فارس، الذي يوضح لـ”المدن” أن الموافقة على تطبيق الوصفة الطبية الموحدة ترتبط بمراعاة نقاط عديدة، هي: اختيار الصيدلي الدواء من بين لائحة يتم وضعها من قبل وزارة الصحة، منح الطبيب حرية القرار بشأن استبدال الدواء أو عدم استبداله، ووجوب أن يكون سعر دواء الجنريك أدنى من سعر الدواء الأساس originateur (إذ أن هناك الكثير من أدوية الجنريك generique سعرها مشابه لسعر الدواء الأساس).
وإذ يشدد فارس على رفض الوصفة الموحدة في حال لم يتم تطبيقها وفق القانون بما يحمي مصالح الجميع، يلفت الى تحفّظ مستوردي الأدوية على اللائحة التي وضعتها وزارة الصحة العامة لأدوية generique لأنها تشمل الكثير من الأنواع في مقابل كل دواء أساسي “وهو أمر غير منطقي إذ من الأفضل أن تضع عدداً قليلاً من أدوية الجنريك، في مقابل كل دواء أساسي”.
وبحسب مصادر “المدن” فالإعتراض الأكبر على الوصفة الطبية الموحدة سيأتي من جانب شركات الأدوية الأجنبية العاملة في لبنان، “إذ أنها المتضرر الأكبر من أدوية الجنريك”، فهل ستتُطبّق الوصفة الموحدة فعلاً مطلع آذار المقبل؟ وهل سيتمكن أبو فاعور من الوقوف في وجه “تجار الأدوية”؟