Site icon IMLebanon

نتيجة استراتيجياتها…مقاهي ستاربكس تتزاحم في كل الزوايا

Starbucks1

تيم هارفورد

“ستاربكس الجديد سيفتح في مرحاض ستاربكس القائم”، هذا ما أعلنته بسخرية شركة ذا أونيون الإعلامية عام 1998. كان ذلك لمحة عن المستقبل. كان هنالك أقل من ألفي مقهى ستاربكس في ذلك الحين والآن يوجد أكثر من 21 ألف مقهى. وهي أيضاً تتركّز إلى حد كبير في بعض الأماكن. يوجد في سيئول ما يُقارب 300 مقهى، وفي لندن نحو 200 – ربع ما هو موجود في المملكة المتحدة – وفي وسط مانهاتن وحده توجد 100. هذا الأمر يُثير السؤال التالي: كم عدد واجهات مقاهي ستاربكس التي تعتبر كثيرة فوق الحد؟

مثل هذه المخاوف تسبق طفرة قهوة اللاتيه. في أواخر السبعينيات، وضع دوجلاس آدمز (أيضاً بشكل ساخر) نظرية أفق الحدث بالنسبة للحذاء. المقصود بذلك هو المرحلة التي يذهب فيها كثير جداً من مساحات متاجر التجزئة إلى متاجر الأحذية على نحو يجعل الانهيار الاقتصادي التام أمرا لا مفر منه.

في عام 1972 أصدرت لجنة التجارة الفيدرالية في الولايات المتحدة شكوى غير ساخرة تماماً ضد أبرز الشركات المُصنّعة لحبوب الإفطار، ادعت أن هذه الشركات كانت تتصرف بطريقة مناهضة للتنافسية من خلال تعبئة الرفوف بأصناف متنوعة تافهة من الحبوب الأساسية. تلك القضية استمرت لأعوام قبل أن يتم إغلاقها في النهاية من خلال إجراء في الكونجرس.

الفكرة البدهية وراء هذه الشكاوى واضحة. إذا فتحت ستاربكس مقهى بالقرب من مقهى ستاربكس آخر، فهل يمكن أن يكون ذلك حقاً بشأن بيع مزيد من القهوة، أم بشأن خلق مساحات متاجر تجزئة مليئة بالقهوة بحيث لا يمكن أن ينجو أي مقهى منافس؟ بالمثل، وصول حبوب سينامون بيرست تشيريوس على رفوف السوبرماركت قد يبدو معقولاً بما فيه الكفاية، لولا أنها مُثقلة بالفعل بحبوب أبل سينامون تشيريوس وحبوب تشيريوس بروتين سينامون ألموند و12 شكلا مختلفا آخر من نفس العلامة التجارية.

من الناحية النظرية، لا يوجد فرق يُذكر بين وجود محال قريبة من بعضها بعضا فعلياً ووجود منتجات تختلف فقط بطرق خفية. لكن من الصعب التأكّد تماماً لماذا تقوم أي شركة بتغليف ما تُقدّمه بطريقة مفرطة جداً، وتخاطر بأن تتغذى على مبيعاتها الخاصة.

قد يكون السبب في الرغبة القوية في المنتجات أو المحال هو أن ما تُقدّمه من عروض مماثلة يعكس الاختلافات التي تهم المستهلكين. أنا لا أهتم كثيراً ما إذا كنت أتناول الكورنفليكس أو الشريديز – التأثير الكلي يبدو نفسه إلى حد كبير بالنسبة لي – لكن هناك آخرون قد يهتمون كثيراً في الواقع. ربما يكون الأمر كذلك في وسط مانهاتن، حيث يوجد عدد قليل من الناس فقط لديه استعداد للمشي مسافة أطول للحصول على القهوة، لذلك إذا أراد مقهى ستاربكس الحصول على زبائن فهو يحتاج ليكون في كل زاوية.

لكن هناك تفسير بديل، وهو أن الشركات الكبيرة تتعمد فتح كثير من المتاجر، أو إطلاق عديد من المنتجات، لأنها ترغب في استباق الشركات المنافسة. بإمكان الشركات دائماً تخفيض الأسعار لإبقاء المنافسة بعيدة، لكن هذا قد لا يكون بالفاعلية نفسها – أي شركة منافسة يمكن أن تتوقع بشكل معقول أن أي حرب أسعار ستكون مؤقتة. وهذا أقل سهولة من إلغاء إطلاق أي منتج جديد أو إغلاق أحد المحال الجديدة. إذن، السوق المُشبّعة من المرجح أن تبقى مُشبّعة لفترة من الوقت، وينبغي أن تجعل الانتشار عائقاً ذا صدقية وفاعلية أكثر من الأسعار المنخفضة.

ورقة بحث من إعداد اثنين من مختصي الاقتصاد في جامعة ييل، هما ميتسورو إيجامي وناثان يانج، تدرس هذه المسألة في السوق فيما يتعلق بوجبات الهمبرجر السريعة. استخدم الباحثان أدّلة هاتف قديمة لتتبع توسّع سلاسل متاجر الهمبرجر الكبيرة في الأسواق المحلية في أنحاء كندا كافة، من عام 1970 حتى عام 2005. وبعد بعض التحليل البارع، استنتجا أن سلاسل محال الهمبرجر بدت بالفعل كما لو كانت تعمل على إزالة المنافسة. إذا كان علينا تصديق أنموذج إيجامي ويانج، فإن ماكدونالدز كانت تفتح محال أكثر، وبسرعة أكبر مما لو كانت مُربحة خلافاً لذلك.

في نهاية المطاف، المستهلك هو الذي لا بد أن يتحمل تكاليف هذه المحال والمنتجات المكتظّة. لكن ربما السعر يستحق الجهد. لقد حاول الباحث الاقتصادي، جيري هوزمان، ذات مرة قياس القيمة لمستهلكي حبوب التفاح بالقرفة من تشيريوس. واستنتج أنها كانت عشرات ملايين الدولارات سنوياً – وهذا مبلغ لا يعَد كبيرا في سياق اقتصاد يبلغ 17 تريليون دولار سنوياً، لكنه ليس لا شيء أيضاً. ربما تم إبعاد المنافسين عن السوق بسبب حبوب التفاح بالقرفة من تشيريوس، لكن هذا لا يعني أن المستهلكين لم يقدروها. ربما يكون من المفيد التفكير كيف ستكون الحياة إذا كان كل مقهى أو محل للوجبات السريعة تملكه شركة مختلفة. ستيفين سالوب، مختص الاقتصاد في جامعة جورجتاون، أنتج تحليلا اقتصاديا رائعا لهذا السيناريو في عام 1979. وجد أنه حتى السوق المليئة بالمحال المُستقلّة ستبدو مزدحمة أكثر قليلاً. وهذا لأن الشركات ستستمر في الظهور والبحث عن زبائن حتى الوقت الذي لا يكون فيه هناك طلب كاف لتغطية تكاليفها. آخر صاحب مشاريع يدخل هو الذي يحصل تماماً على أرباح تُعادل التكاليف، من خلال جمع عدد كاف من الزبائن ليدفع مقابل تكلفة إنشاء العمل. صاحب المشاريع المذكور لا يكترث إن كان في عالم الأعمال، أو أنه يمارس شيئا مختلفا تماما. لكن كل صاحب مشاريع آخر في السوق المزدحمة يرغب لو أنه بقي بعيدا.

سواء كانت المنتجات من الأحذية أو الحبوب، من قهوة اللاتيه أو تشيز بيرجر، ستبدو الأسواق في الغالب مزدحمة على نحو يدل على الهدر. هذا التصور يعتبر وهما إلى حد كبير، لكن ليس تماما. في أسواق المدن الكبيرة، هناك بالفعل عدد يفوق الحد من أنواع الحبوب، وعدد يفوق الحد من المقاهي، وعدد يفوق الحد من مطاعم الوجبات السريعة. لكن حتى لو كانت هذه المحال جميعا محالا مستقلة لأناس عاديين، فربما يظل هذا صحيحا.