صلاح بن فهد الشلهوب
أسعار النفط أصبحت الخبر الأهم لدى الاقتصاد العالمي فالتذبذب في الأسعار الذي شهدته السوق جعل الكثير من مراكز الدراسات تبادر بتقديم نتائج دراساتها لجذب أنظار المتابعين إليها، ولإضافة قيمة لها خصوصا إذا ما تحققت هذه التوقعات، فقد نشر موقع بلومبرق Bloomberg خبرا عن مجموعة سيتي جروب Citigroup يتحدث فيه عن توقعاتها لأسعار النفط في المستقبل التي قد تصل إلى 20 دولارا للبرميل، وتتوقع أن تنهار بعدها منظمة أوبك بسبب الوصول إلى هذه الأسعار خصوصا الدول الأكثر إنتاجا واعتمادا على النفط مثل المملكة وروسيا، كما في مقابلة مع أحد المختصين في هذا المجال تتوقع فيه أن الانخفاض سببه أنه مع كل ارتفاع لأسعار النفط ستتبعه زيادة تلقائية ومباشرة للإنتاج ما يعزز الاتجاه للانخفاض مجددا.
والحقيقة أن التوقعات التي تقدمها المراكز الاستشارية لا تخضع للتقييم ولا تؤثر عليها مستقبلا في حال ما لم يحصل ما كان متوقعا، فنحن نتذكر أنه عندما ارتفعت أسعار النفط في حدث تاريخي حتى وصلت إلى أرقام قياسية لم يتوقعها أحد بوصولها إلى أكثر من 150 دولارا، بدأت بعض المراكز الاستشارية تتوقع أن يصل سعر النفط إلى أكثر من 200 دولار، رغم أنه لم يتوقع أحد قبل ذلك أن يتجاوز سعر برميل النفط الرقم القياسي التاريخي الذي تجاوز الـ 90 دولارا.
هذه الدراسة التي توصل إليها مركز الدراسات بمجموعة سيتي قروب تتصادم مع تقارير أخرى تتحدث عن نقص في المعروض، وتوقعات أخرى تتوقع أن يتعافى سعر النفط، ومعظم التوقعات التي تعتمد على المنطق في دراساتها تتوقع متوسط أسعار لا يساوي متوسط الأسعار التي كانت تبلغ المائة في السابق ولكن أسعار النفط قد تستقر عند مستويات متوسطة، لا تؤثر بصورة كبيرة على المنتجين.
والسؤال هنا ما أثر إصدار مثل هذه التقارير على الأسواق خصوصا التي تعتمد على النفط كمحور أساسي للاقتصاد وتعتمد عليه في موازناتها ومشاريعها واقتصادها بصورة عامة؟
لا شك أن مثل هذه التقارير تؤثر بصورة كبيرة على اقتصاديات كثير من دول العالم ليس فقط لأنه أمر محتمل يمكن أن يتحقق وبالتالي يؤثر على تلك الدول، بل لأنه يؤثر على القرارات المستقبلية المتعلقة بتلك الاقتصادات خصوصا أن الأمر يتعلق ببرامج مستقبلية طموحة كثيرة لدول الخليج خصوصا في المملكة التي بدأت فعليا في كثير من المشاريع التنموية، كما أن هذه الدول لديها مشاريع أخرى تتعلق باستقطاب الاستثمارات الأجنبية التي ستتردد في حال كان لديها أدنى احتمال لتحولات كبيرة في اقتصاديات تلك الدول، وهذا في الوقت الذي يجعل البعض يتردد في قراراته، نجد أن البعض الآخر يعتبر مثل هذا التردد وقتا مناسبا لاقتناص الفرص، وهذا ما حصل فعليا في فترات ماضية عندما انخفضت أسعار النفط، وأثر ذلك على قطاعات الاستثمار بمختلف أشكالها.
ولذلك من المهم في هذه الحالة العناية بمواجهة مثل هذه التقارير الاقتصادية التي تتوقع أمورا غير منطقية، وذلك من خلال بيان الخلل في تلك التقارير، وإصدار تقارير أو الترويج للتقارير الأكثر منطقية فيما يتعلق بالأسعار المستقبلية للنفط، كما أن هناك أمرا مهما وهو طمأنة العالم على متانة الاقتصاد في المملكة أو على مستوى الخليج وهو ما أكدته الجهات الرسمية من أن المملكة لديها خطط واستراتيجيات لمواجهة هذا النقص في الدخل، وذلك من خلال الاستعانة بالفائض الذي تراكم خلال سنوات ماضية أو من خلال الاستدانة وهو حل مهم قد يكون له أثر إيجابي في إدارة السيولة في السوق في المملكة للحد من التضخم، خصوصا إذا ما وجد برنامج لإصدار صكوك إسلامية بهدف تنشيط هذه السوق التي ستزيد من فرص الأفراد للاستثمار في أدوات منخفضة المخاطر ويزيد من تنوع الأدوات الاستثمارية في السوق المالية، وأنه بالتأكيد سيكون أحد أهم عوامل تدفق السيولة للسوق المالية، إذ إن هذه الأداة تحديدا هي أهم أداة حاليا في سوق المالية الإسلامية.
فالخلاصة أن وجود تقارير متشائمة لأسعار النفط في المستقبل ينبغي أن يواجه بأمور منها أهمية نشر وترويج التقارير الأكثر منطقية إضافة إلى أن توضيح المؤسسات الرسمية لخطة المملكة حيال المتغيرات في الأسواق كان له أثر في استقرار السوق المالية وسيكون له أثر في استمرار جاذبية الاقتصاد لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية، وهذه المرحلة قد تكون مناسبة لوضع برنامج لإصدار صكوك إسلامية حكومية، لتنشيط السوق المالية وزيادة جاذبيتها وإتاحة الفرص للأفراد للاستثمار في أدوات منخفضة المخاطر.