عدنان الحاج
قبل العاصفة كانت الأزمات كثيرة ومتعدّدة على صعيد الطرقات والكهرباء والبنى التحتية بشكل عام، فجاءت العاصفة لتزيد التردي وتكشف التقصير المزمن في بعض القطاعات، إضافة إلى تسجيل اضرار اضافية في قطاعات كانت تشكو البلاد على مدار السنوات والأزمات السابقة والمستمرة. (في الوضع الطبيعي، يفترض أن تكون العاصفة والامطار، مؤشر خير على لبنان، لجهة توفير المياه ومعالجة الشح خلال ايام القلة، وتحريك القطاع السياحي الشتوي نتيجة تراكمات الثلج في المناطق الجبلية، مع عدم إغفال الأضرار في القطاع الزراعي، الذي يعاني من تراجع صادراته بنسبة اكثر من 12 في المئة خلال العام 2014، ومستمر في العام 2015، نتيجة تعدد الأزمات الأمنية والسياسية وصعوبات التسويق).
تأتي العاصفة الطبيعية وسط عاصفة من الأزمات الحياتية المعيشية والخدماتية، وحركات اجتماعية ومطلبية توازي أو تفوق قوة العاصفة الطبيعية، التي تدوم اياماً بينما تدوم الازمات الحياتية وتكبر لسنوات طويلة مع تعدد تبعاتها.
يمكن التوقف بمحطات موجزة عند بعض الأزمات الحياتية، بمناسبة العاصفة الطبيعية، للتذكير بمخاطر ومفاعيل هذه الأزمات، في ظل غياب المؤسسات الرسمية والمؤسسات العامة من جهة، ونتيجة التطورات الأمنية والسياسية، التي تعيق التحسّن، من الآن وحتى جلاء الانعكاسات المحلية والإقليمية للواقعين السياسي والأمني.
موضوع الكهرباء
1ـ الانطلاقة من موضوع الكهرباء، التي تزداد أعطالها، لتضيف فترات تقنين على ساعات القطع الطويلة المستمرة، والمتراوحة بين 10 و12 ساعة يومياً في الأيام العادية. في الشتاء ترتفع وتيرة الأعطال، بفعل العواصف لتغيب الكهرباء عن مناطق كثيرة ولوقت أطول، نتيجة صعوبة التصليحات خلال العاصفة، وتعدّد أماكن الأعطال من المعامل الى الشبكات إلى محطات التحويل. في الصيف هناك أسباب أخرى للأعطال، تتعلق بموضوع ارتفاع الحرارة، و «اختناقات الفناجين» والحرائق، ناهيك عن القضية المزمنة والمتعلقة بالتعليق وسرقة التيار. الهدر على الشبكات في الأيام العادية يصل إلى حوالي 50 و54 في المئة، تبعاً للمناطق الخارجة عن قدرات تدخل الدولة، والخاضعة لقوى الأمر الواقع وتجار المولدات، الذين يكافحون إمكانية تحسّن التغذية، حتى لا تضرب مصالح الاشتراكات والمولدات الخاصة.
كلفة الطاقة المهدورة
2 ـ كلفة الطاقة المهدورة والمباعة خارج كهرباء لبنان تقارب الطاقة المنتجة والموزعة من مؤسسة الكهرباء. أما القيمة المالية فتفوق 650 مليون دولار، من دون احتساب كلفة واهتلاكات مجموعات معامل الانتاج والبواخر، وغيرها من المجموعات العاملة لحساب الكهرباء. ولا يجب نسيان الحركة المطلبية للعمال والمستخدمين في كهرباء لبنان والشركات الخاصة، التي تزيد من معاناة المواطن تحت شعار الحركة المطلبية لاصحاب الحقوق، من العمال والمستخدمين في المؤسسة والمتعاملين معها من شركات الخدمات. بعد ذلك يأتي دور القضية الكبرى لشركات الخدمات، التي أنذرت المؤسسة، كما ذكرت «السفير» في الأسبوع الماضي، بوقف اعمال شركات الخدمات التي تطالب بمستحقاتها البالغة حوالي 200 مليون دولار عن العام 2014، ونتيجة التباين داخل الوزارات والإدارات المعنية. أما المواطن فيدفع الفاتورة فاتورتين والكهرباء يفترض أن تحسّن مداخيلها، وهي أمنت جبايات بحدود 1.5 مليار دولار خلال الفترة الماضية، منذ تلزيم شركات الخدمات لتحسين الجباية والتصليحات والتجهيزات الواقعة ضمن العقد. المهم أن شركات الخدمات كان يفترض أن تباشر بتركيب العدادات الذكية، لمكافحة الهدر والتعليق على الشبكات وتحسين الجباية، بما يؤمن تحسن الوضع المالي في الكهرباء. لكن ما يحصل اليوم هو، ونتيجة التباين بين الإدارات المعنية وتأخر خطوة العدادات الذكية، يخلط الموضوع المالي بالموضوع التقني والإداري، فترتفع الأعباء على المشتركين في مؤسسة كهرباء لبنان والبالغ عددهم أكثر من مليون و300 الف مشترك على كل الأراضي اللبنانية. الكهرباء تجبي اليوم حوالي 1600 مليار ليرة، وهي تستطيع أن ترفع الجباية إلى حوالي 2200 مليار ليرة، بما يخفض العجز نتيجة تراجع اسعار النفط إلى أقل من 1400 مليار ليرة، بعدما كان حتى العام 2014 حوالي الملياري دولار سنوياً، القسم الأكبر منها نتيجة فاتورة النفط التي كانت تشكل حوالي 4400 مليار ليرة، حسب موازنة العام 2014، يفترض أن تنخفض إلى 3000 مليار ليرة نتيجة تراجع اسعار النفط.
الفساد في الإدارات العامة
3ـ القضية التالية تتعلق بموضوع مكافحة الهدر والفساد في الادارات العامة، لاسيما موضوع تحسين العائدات في الموازنة العامة، وهو أمر موازٍ في تقليص عجز الخزينة والموازنة، انطلاقاً من التهرب الضريبي والتهرّب الجمركي والتنفيعات في القضايا الموازية، واعتماد المحسوبية في المعالجات. وهذا الأمر من شأنه أن يقلّص النفقات غير المجدية في الموازنة والخزينة لحساب النفقات المجدية.
«الوصفة الطبية الموحّدة»
4ـ النقطة الرابعة تتعلق بالوصفة الطبية الموحّدة وانعكاساتها على كلفة الفاتورة الطبية للضمان الاجتماعي ووزارة الصحة، حيث تتحمل الدولة حوالي 550 مليار ليرة. كلفة الفاتورة الطبية في المؤسسات الضامنة، يمكن تخفيضها حوالي 30 في المئة في حال ترافقت الوصفة الطبية مع معالجات الهدر ومكافحة تزوير الفواتير لمضمونين وغير مضمونين في الصحة والمؤسسات الضامنة. مع الإشارة إلى أن عجز الضمان الصحي في الصندوق الوطني للضمان يتخطى احياناً الـ 150 مليار ليرة سنوياً، يمكن خفضه إلى النصف على الأقل.
العاملون في القطاع العام
5ـ بعد ذلك يأتي موضوع العاملين في القطاع العام، وتحسين الإنتاجية، بالتزامن مع تعديل الرواتب والأجور التي ذهبت ضحية الصراع السياسي والتنازع على مَن يحسّن موقعه على حساب تحرك هيئة التنسيق النقابية، التي عطلت السياسة مفاعيلها، وأكملت ضرب الحركة النقابية. هذا الأمر يقود إلى الحديث عن قضية تفشي البطالة وارتفاعها أكثر من 10 في المئة خلال سنة واحدة، بفعل التردي الاقتصادي من جهة ومنافسة اليد العاملة اللبنانية، نتيجة تراكم عوامل الازمة السورية، حيث بات أصحاب القطاعات يفضلون عمالة رخيصة للحد من كلفتها، على حساب التقديمات والرواتب للعمالة الللبنانية. فالعامل غير اللبناني يعمل بعيداً عن كلفة الضمان الاجتماعي، وكلفة بدلات النقل وغيرها من التقديمات التي يفضل اصحاب العمل التخلص من أعبائها وتراكماتها لتعويضات نهاية الخدمة. هذه العوامل ليست جديدة او مستجدة وانما هي تزداد تراكما سنة بعد سنة، كلما تقلصت فرص نمو الاستثمارات وفرص العمل الجديدة، نتيجة تراجع المشاريع الجديدة في لبنان أو انعدامها، بفعل الظروف الأمنية والسياسية التي أدخل لبنان نفسه في انعكاساتها السلبية، بدل الافادة من تراجع النشاط في الدول المجاورة.
الحاجة الى قرارات منعشة
6 ـ أخيراً، كان ينقص المؤسسات خلافات مجلس الوزراء، لتعطيل ما تبقى من نبض المؤسسات العامة والادارة المعطلة أصلاً، بفعل تغليب المصالح السياسية والطائفية على مصلحة المواطن والخدمة العامة. أساساً يحتاج مجلس الوزراء إلى قرارات تنعش الثقة في العمل الاقتصادي، وتشجع حركة الاستثمارات المشلولة. ومع تجميد اعمال مجلس الوزراء، لاسباب خلافية، سترتفع وتيرة الرساميل المتراجعة او تدفعها الى التخوف من الدخـــــول إلى لبنان، في ظل انقــــسامات قد يدفع الاقتــــصاد ثمنها، في غياب الحد الأدنى من الاستقرار الدافــــع لتحسن مناخ الاستــثمار في لبنان.
استغلال العوامل الطبيعية
7 ـ القضية الحساسة الاخيرة المختلطة بين العوامل الطبيعية واستغلال الاسواق والتجارة، هي قضية المحروقات، لاسيما مادة المازوت للمناطق الجبلية لحاجات التدفئة مع تزايد موجات الصقيع. وهي تأتي مع موجة استغلال وغياب السلطة لضبط السوق وعدم استغلال تجار السوق السوداء، لرفع الاسعار في تجارة المناسبات. وهذه القضية تكشف مرة أخرى غياب السياسة النفطية في تأمين حاجات المناطق، والمخزون المطلوب لحاجة البلاد، قبل أن ترتفع الامواج وتؤخر البواخر لتأمين احتياجات السوق النفطية، خلال فترات الطلب المتزايد ومنها مرحلة الشتاء القاسي وحاجة الكهرباء اللتان يؤمن بعض وجودهما توفير الطاقة .
في المحصلة يمكن القول ببساطة، إن الأزمات وحدها تنمو في لبنان، في ظل الفراغ الرئاسي والأداء في المؤسسات المختلفة الانتماءات، بينما تتراجع إمكانية تحسين النمو الاقتصادي، التي يحاول مصرف لبنان مع المصارف تحقيقها، من خلال التسليفات المدعومة، فتتراجع الاستثمارات والرساميل وحتى التحويلات من اللبنانيين العاملين في الخارج، مع تراجع الصادرات اللبنانية، ونمو الدين العام على الدولة والخاص على القطاعات، حيث تعجز عشرات بل مئات المؤسسات عن تسديد متوجباتها برغم التسهيلات التي تقدمها المصارف والمصرف المركزي. وهذه الديون تفوق اليوم 5.2 مليارات دولار من دون احتساب برمجة التسديد التي تؤخر عمليات التعثر على أمل تحسن الأوضاع.