IMLebanon

تحديات عالم النحل :التصدير السنوي لا يتخطّى 100 طن عسل

BEES
باسكال صوما
ككل القطاعات الإنتاجية، يواجه قطاع النحل في لبنان مصيره وحيداً، معتمداً بشكلٍ أساسيّ على «زنود» أربابه، الذين يقاتلون باللحم الحيّ من أجل بقاء هذا القطاع الذي يعود الى آلاف السنين الى الوراء، حاملاً معه تاريخاً وإرثاً..
«إذا اختفى النحل عن وجه الأرض لبقي للإنسان فقط أربع سنوات ليعيش» يقول العالم ألبرت أنشتاين. حفظ مربو النحل هذا القول عن ظهر قلب، ويكرّرونه كلّما سئلوا عن قطاعهم، إنما يعجزون عن إخفاء الغصّة التي على وجوههم. فاليوم التحدّيات كبيرة، على رأسها ظاهرة اختفاء الخلايا التي يواجهها العالم بأكمله اضافةً الى التلوّث البيئي، وغياب التوعية، واستمرار اعتماد اساليب التربية التقليدية في بعض المناحل. ويوضح مربي النحل الجبليّ عدنان وهاب أنّ «هذه الظواهر لا تهدد القطاع وحسب، بل البشرية جمعاء، لكون استمرارها يعتمد على النحل الذي هو أساس الطبيعة والدورة الايكولوجية».
6 آلاف مربٍّ
وفق إحصاء وزارة الزراعة في العام 2011، في لبنان 212 ألف خلية نحل، و6 آلاف مربٍّ، بحيث يوجد في كل منحلة بين الخلية والـ200 خلية.
ويفيد عضو «نقابة النحالين اللبنانيين» (التي في طور التشكّل لضم جميع نقابات النحل اليها) ومربي النحل حسين القضماني أن «متوسط إنتاج الخلية الواحدة من العسل هو 17 كيلوغراماً سنوياً، وتصل عائدات القطاع سنوياً الى 50 مليون دولار»، مشيراً إلى أن «التصدير ما زال خجولاً، ولا يزيد عن 100 طن سنوياً، فيما يمتلك القطاع قدرات هائلة لإدخال عائدات كبيرة، لو أنّ الدولة تدعم المربين المتواجدين في الجبل والبقاع والجنوب وغيرها من المناطق، عبر تحفيز التصدير وفرض مواصفات معينة على العسل المستورد، حتى يستطيع الإنتاج المحلي منافسة العسل الذي يأتي مدعوماً وبأسعار تنافسية».
ويتّفق وهاب مع القضماني على أن «التحدّي الفعليّ القديم ـــ الجديد الذي يعاني منه القطاع في لبنان، يتمثّل في غياب خطط التسويق والتطوير، على الرغم من أهمية النحل وقدراته الإنتاجية والاقتصادية الكبيرة». ويضيف: «بالنظر إلى المصادر الطبيعية المتوافرة للنحل في لبنان، يُعتبر هذا البلد غنياً بالنباتات التي يستفيد منها النحل كالحمضيات والأشواك والأشجار البرية وغيرها، نظراً لموقعه الجغرافي والمناخ المعتدل، وبذلك هناك إمكانية لتربية النحل في اكثر من منطقة ونقل الخلايا بحسب فصول السنة».
إلاّ أنه ومع كل هذه الحسنات والتحفيزات الطبيعية، يبدو الواقع قاتماً، لا بل إنه مخجل، فمشاريع تربية النحل متواضعة وتعتمد بمعظمها على جهود فردية، فمعظم القفران اليوم بمثابة إرث من الأجداد، يقاتل أصحابها لبقائها. يقاتلون باللحم الحيّ.
ويتحدّث القضماني عن «ضرورة فحص العسل المستورد، وإخضاعه بشكلٍ اساسي لمؤشر جودة العسل وسلامته AMF، كذلك إخضاع الإنتاج المحلي لهذا الفحص»، مشيراً الى «أخذ 30 عينة للعسل الوطني لفحص جودتها من قبل وزارة الزراعة، لتكريس مبدأ متابعة الجودة بشكل سنوي».
غياب الوعي
في هذا السياق، يوضح الأستاذ الجامعي وأحد مربي النحل الدكتور رامي عليق أن «أبرز المشكلات التي يواجهها القطاع اليوم تتمثل بعدم وجود مراحل تسويقية متطورة ما يجعل العسل اللبناني عاجزاً عن المنافسة، إضافةً إلى غياب الوعي بين عدد كبير من المربين الذي يكثرون من استخدام الأدوية والكيماويات للنحل، ما يضرّ بالعسل وبالإنسان، إضافة الى تردي العلاقة بين المزارع ومربي النحل، بسبب جهل العديد من المزارعين لدور النحل في التلقيح وبسبب الاستعمال العشوائي لمبيدات من قبل المزارعين». ويشير عليق إلى «الانخفاض المتواصل للمصادر النباتية للنحل بسبب انحلال النظام البيئي للأراضي وقلة الغطاء النباتي». ويتطرّق عليق الى مسألة اختفاء الخلايا، مشيراً إلى أنها «أزمة عالمية يشهدها القطاع اليوم، ولم يعرف حتى الآن السبب الحقيقي لحصولها، على الرغم من بعض الترجيحات أن تكون عائدة إلى التلوّث البيئي والاحتباس الحراري أو بسبب استخدام أدوية ومبيدات معيّنة». ويلفت الانتباه إلى أن «الدول الأوروبية والأميركية بدأت باتخاذ التدابير لمكافحة هذه الظاهرة مثل منع استخدام أدوية معيّنة، أما في لبنان فهناك نقص كبير في الوعي، ولا أحد يدرك خطورة هذه الظاهرة، لأنّ النحل يسهم بشكل كبير في التوازن الايكولوجي والبيئي».
العودة بالذاكرة
وتعود الذاكرة إلى الوراء، يخبر عليق أنّ «تربية النحل تعود الى آلاف السنوات، إنما كانت بدائية، تعتمد الأساليب التقليدية، انما في ثمانينيات القرن الماضي دخلت الى لبنان مفاهيم جديدة وبدأت التربية الحديثة للنحل، علماً ان العالم النمساوي لورينزو لانغستروث كان اخترع الخلية الحديثة، بناءً على المسافة النحلية أي المسافة التي تفصل الإطارات الشمعية، وبذلك ظهر القفير ذو الإطارات المتحركة». ويشدد على «أهمية التربية الحديثة، التي تسمح بأخذ العسل من الخلايا إنما من دون قتل النحل، أي بطريقة آلية، من دون تغيير في نوع العسل». ويرى عليق أن «هذا القطاع الذي يمكن تطويره بشكلٍ كبير، يعاني من مشكلات عديدة في بلادنا، فبالنسبة الى الامراض والآفات مثلاً، ان طرق المكافحة غير حديثة، تعتمد بشكلٍ اساسيّ على الادوية والمبيدات الكيماوية، ما يترك ترسبات في العسل والشمع». ويطالب بضرورة «وضع ضوابط للمهنة وضبط مواصفات الملكات والطرود المستوردة، كذلك من الضروري مراقبة استيراد الادوية والمبيدات واستعمالهما».
ويتناول مسألة حشرة «عنكبوت الفروا» التي يواجهها النحل اليوم، ويوضح أن «هناك طرقاً كثيرة أفضل من الادوية التي يمكن أن تضرّ النحل والعسل»، مشيراً إلى «امكانية المكافحة الميكانيكية عبر استخدام قفران معدّلة لضبط حركة الفروا، أو المكافحة الجينية عبر خلق نوع نحل ينظّف نفسه من الفروا، أو المكافحة البيولوجية». وأسف «لكون معظم مربي النحل في لبنان يذهبون الى الحل الاسهل وهو استخدام الأدوية التي تؤذي النحل وصحة الإنسان».

تاريخ النحل

ربما كتب عن نحل العسل أكثر من أي حشرة أخرى، إذ يمكن العودة إلى مراجع وممارسات تقنية قديمة جداً، كما يمكن إيجاد كتب ومجلات تتناول موضوع النحل وتعود إلى مئات السنين. ويمكن القول إنّ أبرز التطورات التي عرفها القطاع حصلت في القرن الأخير، لا سيما لناحية التربية الحديثة واساليبها.
قبل العام 1500، كانت تربية النحل بدائية جداً، تقتصر على سرقة العسل من خلايا برية. ولكن بين العامين 1500 و1851، حصلت قفزة نوعية في هذا السياق، فمثلاً اكتشف ان الملكة انثى في العام 1586، وعرف ان اليعسوب ذكر في العام 1609. كما تبين ان حبوب اللقاح هي العنصر الذكري للنبات في العام 1750، وتوضّح تزاوج الذكور مع الملكة في العام 1792 وتبين في العام 1845 ان الاخيرة تستطيع ان تبيض من دون تلقيح.
كما تطور مبدأ الطبقات العاسلة في العام 1665، وتمّ تسويق انواع عدة من القفران في القرن التاسع عشر. كذلك بدأ عصر التربية الحديثة للنحل في العام 1851، عندما اعطى «لانغستروث» معنى المسافة النحلية (حوالي 9 ملم يبقي عليها النحل بين الإطارات الشمعية) وبذلك ظهر القفير ذو الاطارات المتحركة. كذلك شهد القطاع تطورات عديدة من صناعة اقراص شمع الاساس والافرازات، ترحيل النحل من مكان إلى آخر وابتكار النحل المرزوم في اواسط القرن التاسع عشر، كذلك تطوير تربية الملكات لدواعٍ تجارية في اواخر القرن التاسع عشر على يد «دوليتل» بواسطة تقنية نقل اليرقات، واستعمال التلقيح الاصطناعي سنة 1926. (استناداً الى كتاب «دليلك الى تربية النحل» الصادر في العام 2010 ـــ سلمان ورامي عليق).