بعد فترة وجيزة من تولّي ستيوارت جليفر منصب الرئيس التنفيذي لمصرف إتش إس بي سي في بداية عام 2011، علق لافتة “للبيع” على المصرف السويسري الخاص الذي كان يملكه منذ الانتهاء من عملية استحواذ على مصرف منافس قبل عقد من الزمن. جليفر تخلّى عن عملية البيع بعد استجابة ضعيفة من المشترين المحتملين، لكن نظراً لضجة بسبب تسريبات الأسبوع الماضي، حول ما كان يجري بالفعل في المصرف السويسري الخاص التابع لـ “إتش إس بي سي”، من السهل أن نفهم لماذا كان يتوق للخروج من الأعمال.
وثائق الحسابات المصرفية المُسرّبة لعملاء المصرف السويسري الخاص التابع لمصرف إتش إس بي سي، بين عامي 2005 و2007، وجدت طريقها إلى الاتحاد الدولي لصحافيي التحقيقات في واشنطن وغيره من المجموعات الإخبارية.
هناك 60 ألف ملف مُسرّب، بعضها يُقدّم تفاصيل عن كيف كان المصرف على عِلم بتجنّب الضرائب والمخالفات من قِبل بعض العملاء. القيمة الإجمالية التي كانت في حسابات المصرف تتجاوز 100 مليار دولار في حسابات 100 ألف عميل ثري. ونشرت وسائل الإعلام تسريبات عن ممارسات واسعة النطاق لتجنّب الضرائب في الفرع السويسري لمصرف إتش إس بي سي في ذلك الوقت، الأمر الذي أثار احتجاجات من بعض الجهات حول عدم قيام الحكومات – التي كانت تملك هذه الوثائق منذ خمسة أعوام تقريباً – بالمزيد لمقاضاة الأفراد حين كان مناسباً. يقول أحد المصرفين السويسريين من مصرف منافس، متحدّثاً شريطة عدم كشف عن هويته: “هذا الأمر ضار للغاية لكل من المصرف ومفهوم السرية المصرفية”. ويضيف: “امتياز مصرف إتش إس بي سي تضرر بالفعل هنا، لهذا السبب حاولوا بيعه قبل بضعة أعوام”.
وتدعي التقارير أن المصرف السويسري الخاص التابع لمصرف إتش إس بي سي قام بتقديم مبالغ مالية كبيرة لا يُمكن تعقبها بالعملات الأجنبية للعملاء وتواطأ معهم لإخفاء “الحسابات السوداء” عن السلطات الضريبية. لقد تم استخدام أسماء رمزية تشمل كابتن كيرك وبينتر وكابتن هادوك، لإخفاء هويات العملاء. كما قام أيضاً “بتسويق قوي” لبرامج من المرجح أن تعمل على تمكين العملاء الأوروبيين الأثرياء من تجنّب الضرائب. وأطلقت كل من فرنسا وبلجيكا والأرجنتين تحقيقات رسمية في المزاعم بأن مصرف إتش إس بي سي ساعد مواطني تلك البلاد على إخفاء الأموال غير المُعلنة في حسابات في المصرف السويسري الخاص التابع له. في المملكة المتحدة، التحقيقات التي أجرتها السلطات أسفرت عن نحو 135 مليون جنيه من الضرائب غير المدفوعة، والفوائد والغرامات التي تم تسليمها من قِبل المواطنين البريطانيين المعنيين. وواحد منهم فقط – مايكل شانلي، مطوّر عقارات – تمت محاكمته بتهمة التهرب الضريبي. وقال إتش إس بي سي إن كثيرا من المصارف الخاصة في ذلك الوقت، منها فرعه السويسري، كان لديها “عدد من العملاء الذين قد لا يكونون متوافقين تماماً مع التزاماتهم الضريبية المُطبّقة. ونحن نعترف، ونحن مسؤولون عن حالات الفشل الماضية للامتثال والسيطرة”.
وأضاف المصرف: “لقد اتخذنا خطوات مهمة على مدى الأعوام الماضية لتنفيذ الإصلاحات وإخراج العملاء الذين لم يستوفوا معايير مصرف إتش إس بي سي الجديدة الصارمة”. وأضاف أن قاعدة عملائه في المصرف الخاص تقلّصت بنسبة 70 في المائة خلال عشرة أعوام.
وقال أيضاً إن عملية الاستحواذ على مصرف ريبلك ناشونال في نيويورك وشركة سافرا ريبلك القابضة في عام 1999 – وهو ما يشكل الجزء الأكبر من المصرف السويسري الخاص التابع له – جلبت معها “قاعدة عملاء مختلفة جداً وتملك ثقافة مختلفة للغاية عن ثقافة مصرف إتش إس بي سي”.
وأضاف: “لم يتم دمج الأعمال المكتسبة بالكامل في مصرف إتش إس بي سي، ما سمح باستمرار ثقافات ومعايير مختلفة”. وتابع: “بعد فوات الأوان، من الواضح أن الحسابات الصغيرة جداً والمحفوفة بالمخاطر استمرت وأن الأعمال امتدت على مدى أكثر من 150 سوقا جغرافية”. وإتش إس بي سي واحد من مصارف سويسرية عديدة التي لا تزال قيد التحقيق من قِبل وزارة العدل الأمريكية بتهمة مساعدة مواطنين أمريكيين على التهرب من دفع الضرائب. وعقد كل من يو بي إس وكريدي سويس تسوية مع وزارة العدل، من خلال دفع غرامات تبلغ 780 مليون دولار و2.6 مليار دولار، على التوالي.
ووقعت سويسرا اتفاقيات مع كثير من البلدان الأوروبية للسماح لعملاء المصارف السويسرية بالإعلان عن الأموال التي كانت مخبّأة عن السلطات الضريبية، مقابل دفع الضريبة المستحقة عليهم، والفائدة والغرامات المحتملة.
و منذ توليه المنصب، شدد جليفر على أهمية إبقاء إتش إس بي سي بعيداً عن المشاكل. ودفع المصرف غرامات تبلغ نحو ملياري دولار ووقع اتفاقية لتأجيل الادعاء لمدة خمسة أعوام مع السلطات الأمريكية في كانون الأول (ديسمبر) 2012 بعد الاعتراف بأنه سهل معاملات عائدات الاتّجار بالمخدرات عبر المكسيك ونقل أمولا من بلدان خاضعة لعقوبات، منها إيران. والاتفاقية تضعه في خطر الإدانة الجنائية والخسارة المحتملة لرخصته المصرفية الحاسمة في الولايات المتحدة، في حال تم ارتكاب جريمة أخرى في تلك الفترة. ومزاعم التهرب الضريبي تتعلق بأعمال تمت قبل توقيع الاتفاقية.
وهناك دلائل على أن إتش إس بي سي كان يقوم بتفكيك مصرفه الخاص، الذي أنتج 3 في المائة من إجمالي أرباح المجموعة قبل خصم الضرائب، البالغة 12.3 مليار دولار في النصف الأول من عام 2014.
واستقالت كريشنا باتيل، الرئيسة العالمية للخدمات المصرفية الخاصة في إتش إس بي سي، في كانون الأول (ديسمبر) 2012. وعادر أليكساندر تسيلر، رئيس الخدمات المصرفية الخاصة العالمية لأوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا، في شباط (فبراير) من ذلك العام. وانسحب المصرف من مكاتبه الفاخرة في بحيرة جنيف، في إشارة إلى عمق التغيير في عملياته السويسرية.
وفي العام الماضي باع 12.5 مليار دولار من أصول الخدمات المصرفية الخاصة في سويسرا إلى مجموعة إل جي تي في ليختنشتاين، ما أدى إلى تخفيض إجمالي أصوله بنسبة 15 في المائة. وبدأ المصرفيون في المصارف المنافسة التكّهن بأن جليفر سينظر مرة أخرى في عملية خروج كامل.