IMLebanon

لقاء مأساوي بين جورج المخطوف لدى “النصرة” وعائلته

George-Khozaqh

بعد انقطاع الهواء عن حياتها قبل نحو سبعة أشهر، تلقت السّيدة ليلي الاشقر جرعة من الأوكسجين لمدة 45 دقيقة عند زيارتها لولدها المخطوف الرقيب الاول في قوى الامن الداخلي جورج خزاقة. “اللقاء كان مأسويًّا”، بهذه الكلمات لخّصت الأشقر المشهد الذي فرض نفسه على حياتها وحياة عائلتها من دون أن يكون لها يد في إلغائه أو تعديله.

اتصال من أحد أهالي المخطوفين أخبر الاشقر أن “جبهة النصرة” هاتفتهم وأن دورها في زيارة ولدها قد حان فمتى ترغب بالصعود اليه؟ واذا كانت الساعة الثانية عشر ظهراً موعداً مناسباً. لم تستطع ليلي تصديق الخبر، فمنذ ايلول لم تسمع صوته وقبلها بشهر لم تكحّل عينيها برؤيته، وشرحت لـ”النهار”: “كنت انتظر هذه اللحظة، بعد ان وعدنا في وقت سابق أن جميع الأهالي سيرَون اولادهم، لذلك جهّزتُ ملابس وأطعمة لجورج، وعندما تلقّيت الخبر، شعرت بفرحة لا يستطع ان يحتويها الكون”.

من بلدة جديتا البقاعية مسقط رأس جورج انطلقت والى عرسال وصلت، وبعد أن احتست القهوة في منزل الشيخ مصطفى الحجيري الذي رافقها الى الجرد، قالت: “اشكر زوجة الشيخ التي استقبلتنا في منزلها واحتفت بنا قبل ان نكمل الطريق”.

لحظة لقاء “الحبيب”

أطول رحلة في التاريخ شعرت بها ليلي، الثواني تمرّ كالساعات فلهفة اللقاء أثارت بركان حنينها لطفلها الوحيد الذي أحبّه قلبها قبل أن تراه عينيها وتحمله يديها، لتصنع منه رجلاً يحمي وطناً لكن للأسف لم يستطع وطنه حتى الآن أن يردّ له الجميل وينقذه من براثن الخاطفين، فكيف لبلد أسير أن ينقذ أسيرًا؟

وأخيراً توقف محرك السيارة عن الهدير، وجاءت اللحظة التي انتظرتها ليلي، وبتوتر شديد رأت روحها عن قريب، غمرته غمرة العاشق لحبيب غاب سنين، “حين ضممتُه بين ذراعيّ شعرت أنني املك الدنيا، ولم أعد أعي ما يدور حولي، وكان كل ما أردته أن أعود وابني إلى المنزل، طلبت من الشباب الذين يحتجزونه أن أعود به، فكان ردّهم أنهم يتمنّون أن يعود كل مخطوف إلى حضن والدته، وأن تتحول دمعة الأم الحزينة إلى دمعة فرح عما قريب، لكن!”.

كم هي قاسية الحياة على ليلي وأهالي المخطوفين حين وضعت مصير أبنائهم بأيدي مسلحين! لكن ما يعزيها كما قالت أن “الشباب يعاملونه معاملة جيدة ويأمّنون له كل ما يحتاجه”.

إخوتي ولكن!

الشيخ أبو مالك التلي كان حاضراً اللقاء الذي لم يخلُ من الواجب، فتمّ الاحتفاء بالضيوف وتقديم التفاح والموز لهم، جورج اطمأن على صحّة والده وابنه شربل، وأخبر والدته أن” الشباب كإخوتي، كل ما يريدونه هو الافراج عن اهاليهم في سجن رومية”.

الشيخ وعد الأشقر بعودة ابنها اليها عمّا قريب، لتنام ملء جفونها وتتأكّد بأن من حملته في أحشائها تسعة أشهر لن يحرمها منه الخاطفون، لكن لا شيء ملموسًا الى الآن، ونفحات الأمل التي تهبّ بين الحين والآخر لا تكفي لإنعاشها. قبل ذلك هبّت نفحات عديدة ما لبثت ان توقفت من دون أن تقوى على إطفاء نار الأهالي بعودة ابنائهم. ومع ذلك لا تتوقف ليلي عن الصلاة والدعوة إلى الله أن يقرّب يوم اللقاء وأنهاء الكابوس الطويل الذي نغّص حياتها إلى حين.

عيد الحب بالأخضر

لم تحرم زوجة جورج من تقديم هدية إلى زوجها في عيد الحب الذي صادف يوم اللقاء، فمنحته شالاً أخضر كانت قد وضعته على عنقها، علّ عبقها يرافقه بعد أن تغيب عنه. تأثر كثيراً حين رأى صورة شربل بلباس المدرسة على هاتف زوجته. شربل الذي ينتظر عودته من السفر كون والدته لم تخبره بالحقيقة، فـ”كل ما يعلمه أن والده سافر الى خارج البلاد، وأنه سيعود يوماً ما”. براءة الطفل الصغير دفعته الى الطلب من جدته مهاتفته عند وصول والده كي يسارع الى رؤيته.

كغمضة عين مرّ الوقت، لم تستطع الأشقر وزوجته فيرا إشباع لهفتهما، لكن الأمر ليس بيدهما، فقد حان موعد مغادرتهما، إنه حكم القوي على الضعيف في زمن يحكم فيه المسلحون دولاً ويتحكّمون بأخرى، يهشمون خرائط في مكان، ويعيدون وصلها في آخر، يحرمون أهالي من ابنائهم شهوراً حتى تحقيق مطالبهم. ومع ذلك كل شيء يهون، اذا ما استمرت السكين بعيدة عن أعناق المخطوفين.

“ديري بالك على حالك ماما”… وعاد محرّك السيارة إلى الهدير من جديد!