خضر حسان
يتخوّف المواطن اللبناني من كثرة الوعود الرسمية، والقرارات التي تُطلق هنا وهناك، في مختلف المجالات. والخوف لا ينبع من فراغ، وإنما من واقع مُعاش يجهد السياسيون فيه، لإطلاق وعود وقرارات، تبقى من دون تنفيذ. وكيف تُنفذ تلك القرارات في ظل تعطيل المؤسسات التشريعية والتنفيذية، بقرارات سياسية؟
لا يخرج الحديث عن قانون سلامة الغذاء عن هذا الإطار. فالقانون المفترض فيه ملاحقة المخالفين ومنع المخالفات، وضمان السلامة العامة، أُلحق به مؤخراً “مشروع قانون إنشاء نيابة عامة صحية”، بهدف تخطي الإجراءات التي تقيّد مهمات النيابات العامة الأخرى، وعدم التأخير في بت الشكاوى المطروحة. فمسألة الغذاء وسلامته، تستحق إتخاذ إجراءات ومحاكمات سريعة، لا تعلق في أدراج المؤسسات الرسمية لوقت طويل.
لكن الوصول الى الهدف المنشود ليس بسهولة الحديث عنه. فلا يكفي تقدّم وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور بـ”مشروع قانون لإنشاء نيابة عامة صحية، شبيهة بالنيابة العامة البيئية، تكون مهمتها الأساسية متابعة الملفات والإجراءات القضائية لكل من يتعاطى فساداً في الشأن الغذائي”، كما لا تكفي موافقة وزير العدل أشرف ريفي على المشروع، حتى بعد إخضاعه لبعض التعديلات قبل تقديمه لمجلس الوزراء، لأن العقدة الأساس تكمن في وصول الملف الى مجلس النواب ومناقشته والتصويت عليه، وهنا ندخل في دوامة صلاحيات المجلس ودوره التشريعي في ظل عدم إنتخاب رئيس للجمهورية.
المسار الطويل لمرسوم قانون سلامة الغذاء والنيابة العامة الصحية، يبدأ من التوافق السياسي على وجوده وعلى البنود المحددة فيه، ثم على تحديد الإختصاصات والمهل الزمنية المطلوبة لتنفيذ الأحكام وما الى ذلك. أما المشكلة الأكبر التي من المتوقع ان تواجه الملف، فهي الإتفاق على أسماء القضاة الذين سيتولون العمل ضمن هذه النيابة، وهل سيكون هناك ممثلون عن الجهات التي تعنى بحماية المستهلك، على المستويين الحكومي وغير الحكومي؟ أبعد من ذلك، هل ستقوى النيابة العامة الصحية على إصدار قرارات بحق “المدعومين” وسوقهم الى العدالة؟ التجارب في هذا المجال لا تدعو إلى التفاؤل، لأنها أفضت الى نتائج مخيبة للآمال على صعيد ملاحقة المحميين سياسياً وأمنياً، حتى قبل إنطلاق حملة سلامة الغذاء.
وفي بلد يتّسم عمله الإداري بالتعطيل الدائم، تبقى القرارات الرسمية فيه “شعارات في الهواء”، حيث ترى رئيسة قسم مراقبة وسلامة الغذاء في جمعية المستهلك ندى نعمة، في حديث إلى “المدن”، أنّه “ما يزال من المبكر الحديث عن قانون ونيابة عامة صحية في موضوع سلامة الغذاء”، على الرغم من التقدم المحقق في هذا المضمار، لناحية الكشف عن أسماء المستودعات والتجار، وإقفال العديد من المسالخ والملاحم والمستودعات. لكن التجربة لا تشير الى قرار موحد بتبني حملة سلامة الغذاء، أو العمل في ميادين إصلاحية أخرى، لأن التغطيات السياسية سيدة الموقف في كل القضايا. وبحسب نعمة، “لا أحد يحاسب من لا يريد العمل، فمجلس الوزراء لا يحاسب وزيراً لا يريد الإنخراط في عملية الإصلاح”. وعلى هذا الأساس، يصبح العمل ضد الفساد اختيارياً وليس إلزامياً، وبالتالي الضغط بإتجاه تنظيم مسألة مراقبة سلامة الغذاء وقوننتها، أمر غير ملزِم، إلاّ على قدر ما تؤتي ضغوطات أبو فاعور ثمارها. وفي كل الأحوال، ترى نعمة أن “درس مشروع قانون إنشاء نيابة عامة صحية وإحالته لاحقاً الى مجلس النواب، يمكن أن يكون حجر أساس للمطالبة بإقراره في ما بعد، في حال لم يُقر في وقت قريب”.
في السياق، يرى أحد أصحاب الملاحم، الذي رفض الكشف عن إسمه، أنّ “الحملة ضرورية ومهمة، لكن المشكلة في وضع المواصفات المطلوب التقيّد بها، والمشكلة الأكبر في متابعة الحملة بجدية. فالمواصفات المطلوبة لم تكن واضحة، والكثير من أصحاب المصالح طالبوا بوضع مواصفات قبل إجراء الحملة. لكنّ ما وضعته الوزارة أخيراً من مواصفات، يمكن أن يكون بداية جيّدة، لكنه ليس حلاً نهائياً”.
هذه المواصفات كانت محط إهتمام من بعض المسؤولين، لأن “القاعدة الأساسية للتأكد من سلامة الغذاء مبنية على المواصفة، وعلى القاعدة الفنية التي تشكل المواصفة الإلزامية”، على حد تعبير وزير الصناعة حسين الحاج حسن. وعلى هذا الأساس، أشار الحاج حسن خلال افتتاحه مركز التدريب الخاص بمؤسسة المقاييس والمواصفات “ليبنور”، الى ان المؤسسة “عملت في الاعوام الأخيرة على تحويل عدد كبير من المواصفات غير الإلزامية المتعلقة بالغذاء، إلى مواصفات الزامية. واليوم، انتقلت المؤسسة إلى مرحلة التدريب عبر افتتاح هذا المركز الجديد، الذي سينظم دورات تدريبية متخصصة وعلى كل المستويات، ليشمل التدريب القطاعين العام والخاص، ومديري الانتاج في المؤسسات الصناعية، وصولا إلى العمال، تمهيدا لتثبيت إلزامية التدريب لجميع العاملين ومنحهم شهادات تتلاءم مع نوعية الوظيفة التي يمارسونها، فلا يجوز بعد اليوم، أن يمارس عامل عادي وظيفته المتعلقة بسلامة الغذاء، من دون أي يكون خاضعا أقله لدورة تدريب واحدة تتناسب مع وظيفته”، وفق الحاج حسن.
وإلى حين تبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود، فإن الحملة مستمرة، وآخر فصولها، طلب أبو فاعور من وزير الإقتصاد والتجارة آلان حكيم “إعادة تصدير كمية السكر المكرر، البالغة 14476 طنا والمحجوز عليها في مرفأ طرابلس، الى بلد المنشأ، وذلك استناداً الى تقرير المراقبين الصحيين، بعد صدور نتائج العينات المتخذة على ثلاث مراحل، والتي بيّنت ان “مستودع رقم 1، يضم أكياس سكر أبيض مكرر Magdalena – Pantabon تحتوي على الاحياء المجهرية الهوائية والبكتيريا الهوائية المختزلة للكبريت والخمائر والفطريات بنسبة أعلى من المعدل، ومستودع رقم 2، يضم أكياس سكر مكرر أبيض “شوالات” تحتوي على الأحياء المجهرية الهوائية والخمائر والفطريات بنسبة أعلى من المعدل المسموح به”.