بروفسور غريتا صعب
أخطاء عدة تكمن في الماضي أما مفاعيلها فهي حاضرة اليوم وقبل أيام من قرارات مهمة قد يتخذها المركزي الأوروبي. هذه الأخطاء لم تبدأ في العام 2010 عندما وافقت الترويكا على مساعدة اليونان للتخلص من ديونها انما بدأت في العام 2000 بالتحديد عندما وافقت اوروبا على قبول اليونان في منطقة اليورو.
في العام 2000 وافقت اوروبا على ضم اليونان رغم ان الأخيرة كانت تعتبر في تلك الحقبة خارجة عن المعاييرالجغرافية والاقتصادية، ولم تقترب من الوفاء بمعايير ماستريخت ولاسيما بالنسبة الى الـ 3 بالمئة من سقف عجز الموازنة كنسبة من الناتج المحلي الاجمالي. وقد لا يكون في الأمر شك أن اليونانيين اليوم هم أسوأ حالا من قبل، وقد يكونوا أفضل حالاً خارج اليورو، يتصرفون بحرية في خفض قيمة عملتهم واستعادة قدرتهم التنافسية.
ولا شك ان محاولة الترويكا مساعدة اليونان للخروج من مشاكلها وديونها باءت بالفشل والبرهان على ذلك وصول الراديكاليين الى الحكم ومحاولاتهم الحثيثة شطب ديونهم، أو على الأقل اعادة هيكلتها من جديد.
وقد يكون الخطأ الثاني هو قدرة اليونان بعد الأزمة المالية العالمية على الاستدانة بالسهولة نفسها مثلها مثل المانيا، رغم عجز الميزانية ومستويات الديون التي تجاوزت حدود ميثاق الاستقرار والنمو، وقد لا يقع الخطأ هنا فقط على المركزي الأوروبي بل كذلك على وكالات التصنيف العالمية والتي لم تعط اشارات خاطئة عن اليونان، أضف الى ذلك ان البنك المركزي الاوروبي قبل الديون اليونانية كضمان على قدم المساواة مع الديون الالمانية بما يعني ان المركزي الاوروبي خطى خطوة خاطئة دون الأخذ بالاعتبار الوضعية الاقتصادية لهذه الدول وقدراتها التنافسية وامكانيتها على الوفاء بديونها.
والخطأ الثالث يبقى في عدم ارسال اليونان الى صندوق النقد الدولي في بداية الأزمة، اذ انه وبدلاً من ذلك رحّبت بروكسل وفرانكفورت بالأزمة اليونانية واعتبروها فرصة مفيدة على المدى الطويل لاظهار امكانية اليورو على الحياة. وللعلم، هذه المشكلة مع اليونان ليست مفاجأة، وكان لا بد من أن تظهر في اوروبا مع اليونان والبرتغال وايطاليا واسبانيا لاسيما وان الاوروبيين نسوا المعايير المالية لماستريخت واتفاقية الاستقرار والنمو (1997)- لذلك قد يكون الخطأ الثاني واضحاً ومن ضمن مسؤوليات المركزي الاوروبي ألا وهو السماح لهوامش سعر الفائدة على السندات السيادية الصادرة عن اليونان التدني الى مستوى الصفر خلال الفترة (2007-2002).
هذه الأخطاء واضحة وصريحة وتعاون المركزي الاوروبي اليوم لا يفي بالغرض المطلوب كون الوضع اليوناني ميؤسا منه، وكون اليونان تسعى حالياً الى اعادة هيكلة ديونها او شطبها متناسية حزمة الاصلاحات التي فرضها عليها الترويكا وبإيعاز من فرانكفورت. كذلك سعت اوروبا من خلال برنامج التقشف الى ايجاد حلول لهذه الدول ولاسيما اليونان. وعلى ما يبدو، اصبح مؤكداً مع نتائج الانتخابات انه وبعد خمس سنوات ان هذا البرنامج فاشل.
لذلك قد تكون العملية الآن معقدة بعض الشيء واحتمال خروج اليونان اصبح واقعاً اكثر من أي وقت مضى سيما مع تجدد الشكوك حول مصيرها. لذلك يعتبر الوضع الآن مشحونا سياسياً وماليا» ولهذا نرى زعماء اوروبا الذين اجتمعوا في قمة بروكسل يوم الخميس الماضي اختاروا عدم الخوض في تعقيدات الأزمة اليونانية وتركوها لوزراء المالية.
وقد يكون عامل الوقت مهما جدا، سيما ان برنامج الـ Bailout تنتهي مدته في 28 من شباط الحالي، واجتماع مجموعة دول العشرين في اسطنبول الاثنين الفائت ليست سوى محاولة لاجبار اليونان ودائنيها على التوصّل الى اتفاق كون تداعيات الأزمة كارثية على الاقتصادات الاوروبية والعالمية.
وفق آلان غرينسبان، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الاميركي السابق، سوف يؤدي انسحاب اليونان من منطقة اليورو الى نهاية العملة الموحدة. علماً انه وبدون انهيار اليورو سيكون المخرج اليوناني مؤلما للغاية اذ انه سوف يترك المركزي الاوروبي مع مليارات الدولارات من الديون اليونانية والقليل من الخيارات منها فقدان اليورو قيمته كعملة احتياط. وكذلك هرب المستثمرين الاجانب الى شواطئ اكثر امانا، والمدخرين الى سحب مدخراتهم من المصارف الاوروبية وتصفية الأصول الاوروبية بصورة جماعية.
هذا السيناريو يمكن ان يخلق مشكلة التدفق النقدي والانكماش. والاقتصادات الاوروبية الاخرى ليست بالاحسن، اذ ان خروج اليونان من اوروبا سوف يساهم في مشاكل جديدة للدول الاخرى والتي وحسب Charles Collyns ، كبير الاقتصاديين في معهد التمويل الدولي، سوف يضطرون الى دفع المزيد في سبيل الاقتراض، واسهمهم ستكون ملوثة.
أضف الى ذلك، المشاكل التي سوف تتأتى على الاقتصاد العالمي سيما وان اوروبا تشكل خمس التجارة العالمية، وامتداد الأزمة سوف يتعدى اوروبا ليشكل ضغوطاً جديدة على الاقتصاد العالمي وعلى اسواق الطاقة والصادرات العالمية.
كذلك يخشى المحللون انه، ومع اسعار فوائد قرب الصفر، فإن الاقتصاد العالمي لن يكون قويا بما فيه الكفاية لتجاوز خروج اليونان وترددات هذا الخروج على اوروبا.
اضف الى ذلك ان النظام المالي معرّض لخطر الافلاس سيما وان الدول التي سوف تترك اليورو وتعود الى عملاتها القديمة سوف تكون اصول مصارفها بالعملات الوطنية، بينما ستبقى ديونها باليورو. لذلك سوف يؤدي الوضع الى حالات من التخلف عن سداد الديون.
واذا كانت هذه الامور جديدة على البعض الا ان اليونان خبيرة بالموضوع. في الواقع، وفي العام 377 م ، اصبحت اليونان اول دولة في التاريخ لا تسدد ديونها وقضت حوالي نصف فترة الاستقلال خلال القرن الماضي في حالة التخلف عن السداد. وقد يكون وضعها جيدا كونها تخلفت عن سداد ديونها ودعيت الى الانضمام الى منطقة اليورو مما يعني ان التاريخ يعطي دروساً سرعان ما تنتسى.
واذا ما خرجت اليونان اليوم من منطقة اليورو سوف تتبعها اسبانيا والبرتغال وقبرص ونتيجة لذلك سوف تبقى المانيا وهولندا وبلجيكا وفرنسا مع عملات قوية مما يعني انهيار صناعتها التصديرية.
هذه الامور وعلى ما يبدو، يعرفها جيداً السيد Tsipras ويعرف جيداً ان المانيا تحتاج اليونان اكثر من حاجة اليونان الى المانيا. وفي الحقيقة، من المنصف القول ان المركزي الاوروبي واوروبا ارتكبا خطأ عام 2000 بمطالبة اليونان بالانضمام الى اليورو، حتى اعتقد غرينسبان، وهذا ما طلبه العديد من المحللين الاقتصاديين، أن خروج اليونان هو محق ومهما كانت الاغراءات المقدمة اليها.
لذلك، قد يكون من غير المنطقي القول ان اليونانيين غير مدركين لحقيقة الامور ومتناسين لدروس الماضي وما كانت عليه وضعيتهم الاقتصادية في القرن الماضي.
بل على العكس انهم يعلمون علم اليقين ان باستطاعتهم المراهنة على المانيا والمركزي الاوروبي وصندوق النقد الدولي كون وضعيتهم سابقاً لم تكن في أحسن حال، وكونهم يدركون تماماً انه باستطاعة المركزي الاوروبي شطب بعض ديونهم لأن اوروبا ومنذ العام 2000 لم تستطع إجبار دولها الاعضاء على الالتزام حرفياً بمعاهدة ماستريخت.
هذه هي مشاكل اوروبا واليونان وانكلترا، الشريك التجاري الأكبر، وقد تكون مشاكل اميركا واليابان معها مما يشكل ضغوطاً على الأسواق المالية والتصدير واسواق الطاقة وغيرها من الأمور الاقتصادية المتشابكة.
قد تكون في النهاية فكرة «اوروبا» فكرة خاطئة وبُنيت على أساسات غير صلبة، بما يعني اعادة النظر في انظمتها ومعاهداتها ومن يدور في فلكها. وأخطاء المركزي الأوروبي لا يمكن أن يحلها الا الأوروبي نفسه.