IMLebanon

حان وقت إعادة هيكلة «باركليز» و«دويتشه بانك»

Barclays-DeutscheBank
باتريك جنكينز

فكرة تفكيك المصارف الكبيرة أصبحت مطروحة مرة أخرى. منذ الانهيار المالي في عام 2008، كانت هناك سلسلة من المقترحات من المنظمين الحرصاء على حل مشكلة المؤسسات المالية، التي وصفت بأنها “أكبر من أن تفشل”. وقد انضم محللون في “جولدمان ساكس” هذا الشهر إلى الحملة، مُجادلين بأنه ينبغي تفكيك “جيه بي مورجان” المنافس.

لقد أخذوا الإشارة من المنظمين في “الاحتياطي الفيدرالي” الذي حدد نقصاً يبلغ 22 مليار دولار في رأس مال “جيه بي مورجان” في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، ومضى بأنه يجب إغلاقه بحلول عام 2019 – ما يعني أساسا أن ذلك هو نوع من الرسوم التي يجب أن يدفعها المصرف، مقابل نطاق أعماله وتعقيده.

الضغوط تتزايد في أوروبا أيضاً، مع أن الدافع للتغيير المجدي يبقى ضعيفاً. المصارف في بريطانيا تتحرك بخطوات صغيرة نحو الامتثال مع قواعد التسوير لعام 2019، التي تهدف إلى عزل عملياتها المصرفية التجارية العادة عن الخدمات المصرفية الاستثمارية الأكثر خطورة. كما توقفت خطط الاتحاد الأوروبي الأوسع للإصلاحات الهيكلية.

لماذا لا يحدث المساهمون ضجة أكبر؟ لا بأس في أن يحاول جيمي دايمون، الرئيس التنفيذي المُشاكس في “جيه بي مورجان”، أن يتخلّص من الضغط – لقد ولّد المصرف عائداً جيداً نسبياً على الأسهم العام الماضي، بحدود 10 في المائة.

على أن الأمر مختلف بالنسبة للمصارف الشاملة في أوروبا – حيث الخدمات المصرفية الاستثمارية والفردية تحت سقفٍ واحد – حين تقاوم التغيير، نظراً لعوائدها الضعيفة. وفي آخر إحصاء كان كل من مصرفي باركليز ودويتشه بانك يحققان عائد على الأسهم في حدود 3-4 في المائة.

في كلا المؤسستين، هناك تلميحات تشير إلى القبول بأن إعادة التفكير الاستراتيجية قد تكون مطلوبة. قبل بضعة أسابيع، أعلن أنشو جاين، مصرفي الخدمات المصرفية الاستثمارية الذي يتولى منصب الرئيس التنفيذي المُشارك في دويتشه بانك، عن أن هناك مراجعة قد بدأت في مستقبل وحدة المكتب البريدي التابعة له، المعروفة باسم بوست بانك.

لقد مضى أكثر من ستة أعوام منذ بدء “دويتشه بانك” عملية استحوذ تدريجية على أكثر من 90 في المائة من الشركة. ومنذ ذلك الحين تم تخفيض التكاليف وتحسّنت الربحية. غير أن التعاضد كان محدوداً، فعمليات “بوست بانك” تقع في مكاتب البريد، الأمر الذي يجعل الترشيد مع فروع “دويتشه بانك” التجارية أمرا مستحيلا.

الأسوأ من ذلك، أن السيولة المأمولة من التمويل بين “بوست بانك” ومجموعة دويتشه تعثرت إلى حد ما بسبب المنظمين. ولوضع حد فاصل، ضخّم “بوست بانك” الميزانية العمومية في “دويتشه بانك” بنحو 155 مليار يورو – وهو أمر غير ملائم عندما يكون مصرف أوروبي ضعيف خاضعاً لقياس معروف للرفع المالي على نحو متزايد مقارنة برأس المال إلى إجمالي الأصول.

لذلك فإن عملية إعادة البيع “بوست بانك” تبدو منطقية. في الوقت نفسه الذي بدأ فيه جاين بالتفكير في مستقبل “بوست بانك”، فإن أنتوني جنكينز، رئيس “باركليز” كان يتصيّد في الاتجاه المعاكس، للعمل على زعزعة استقرار مصرفيي الخدمات الاستثمارية لديه، أثناء ذلك. في مقابلة مع “فايننشال تايمز” في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، وصل به الأمر لدرجة القول: “إن نموذج الخدمات المصرفية الشاملة، بات ميتاً”.

خلال العقدين السابقين، كان هناك القليل من المنافسات المصرفية الكبيرة كتلك التي بين مصرفي باركليز ودويتشه بانك. في الآونة الأخيرة، أدّت الفضائح، والتنظيم، وضعف الربحية والتغييرات في القيادة إلى تشعُبات مؤقتة في الأساليب.

لماذا لا يتم إيقاف التلاعب؟ فيما يلي فرصة للتوصل إلى حل جذري: مبادلة أصول واسعة لتحويل “دويتشه بانك” إلى مصرف استثماري بحت، و”باركليز” إلى مصرف لخدمات مصرفية التجزئة.

“دويتشه بانك” – الذي ولد من جديد باعتباره متداولاً وسيطا على نحو يجعله “جولدمان ساكس” الأوروبي – سيكون قائماً ربما في السوق المحلية الأوروبية الوحيدة، التي قد تسمح بذلك، حيث سيكون قادراً على تقليص الموظفين، والنفقات العامة والقدرة، وتعويض هوامش الربح المُنكمشة لهذه الصناعة.

في المقابل، فإن “باركليز” سيصبح مثل قوة رائدة في الخدمات المصرفية للتجزئة في جميع أنحاء اثنين من الاقتصادات الأكبر والأكثر صحّة في أوروبا، وتجنّب قواعد التسوير المُكلفة في المملكة المتحدة.

الفكرة تبدو فخمة – وحتى خيالية، لكن مع متاعب كلا المصرفين، والضغط الكبير لرفع مستويات حقوق الملكية التي تُضاعف الضرر على أرقام العائد على الأسهم الضعيفة بالفعل، الآن قد تكون هي اللحظة المناسبة للتفكير في أفكار كبيرة وخيالية. هناك بالطبع الكثير من الأسباب لكون مبادلة الأصول بين كل من مصرفي دويتشه وباركليز ستكون صعبة، فكلا المصرفين قد يشعران بالتردد من حيث التخلّي عن تقديم الخدمة الشاملة في كل منهما؛ لأن فوائد التمويل من الجمع بين الخدمات المصرفية للتجزئة وبين المصرفية الاستثمارية قد تضيع؛ والمنظمون قد يتعرضون لصدمة.

على أن ذلك هو النوع بالذات من التفكير الجذري الذي ينبغي أن يُطالب به المساهمون من المصارف في العالم. ويبدو أن صنّاع السياسة يغلب عليهم أن يصلوا إلى حد معين لا يمكن تجاوزه: وهو أنهم يطلبون مستويات أعلى من رأس المال وشبكات أمان شاقة أكثر. سيكون الأمر متروكاً للمساهمين، لإنهاء المهمة والمطالبة بتغييرات أساسية يمكن أن تعمل على إحياء آفاق صناعة معتلة.