Site icon IMLebanon

لا مبرر للعداء في حرب عملات مصطنعة

currencies3
تحولت خطوات البنوك المركزية إلى ضرب من الروتين .يستعد هذا البنك أو ذاك لإطلاق برنامج تيسير كمي،ثم يضخ مبالغ ضخمة في أسواق المال المحلية .ويستتبع ذلك تراجع في قيمة العملة الوطنية وتتعالى بعدها الصيحات من حرب عملات في أسواق المال وقد تصدر تلك الصيحات عن وزارة المالية .
لقد تكررت التجربة مع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي عام 2010 ثم مع بنك اليابان، وأخيراً البنك المركزي الأوروبي واليورو . وقد نجح “ماريو دراغي” رئيس البنك في تجاوز كل المعوقات وأعلن عن برنامج تيسير كمي ضخم لشراء الأصول والسندات . وإذا كان تأثير البرنامج في اقتصاد منطقة اليورو على المدى المتوسط لا يزال قيد الاختبار والترقب ، فإن تأثيره في اليورو الذي تراجع أمام الدولار إلى أدنى مستوى له منذ أحد عشر عاماً، كان مباشراً . وتلوح في الأفق تهديدات مباشرة للعلاقات الاقتصادية العالمية التي سممتها على مدى سنوات اتهامات متبادلة بعمليات تخفيض عملات تنافسية متعمدة .
وقد تكون هذه الاتهامات مضللة عند الحديث عن برنامج التيسير الكمي الأمريكي .كما أنها لا تقل تضليلاً في الوقت الراهن . فكل تراخ في السياسة النقدية ناتج عن تكهنات ربما يسفر عن ضعف العملة المحلية . ويبقى السؤال ما إذا كانت منطقة اليورو تتعمد إطلاق البرنامج لتخفيض عملتها اليورو (وهو أمر مستبعد) وما إذا كانت أنماط التداول في العملات تنطوي على إمكانية الاستجابة الفورية لهذا الإجراء (وهي كذلك) .
ومن المشكوك فيه أن يكون المركزي الأوروبي قد حرف سياسته النقدية عن مسارها باتجاه إضعاف معدلات الصرف . فهو لم يبدأ حتى الآن شراء الأصول المقومة بالعملات الأجنبية، فضلاً عن أنه لم يفصح عن المستوى المحدد لخفض اليورو كما فعل رئيس الوزراء الإيطالي “ماتيو رينزي”، الذي قال إنه يستهدف مقايضة اليورو بالدولار سواء بسواء، لكنه ليس الناطق الرسمي باسم “ماريو دراغي” .
وعلى أي حال إذا كان البنك المركزي الأوروبي يراهن على تغيير معدلات الصرف من خلال برنامج التيسير الكمي فلا شك أن رهانه خاسر . فأغلبية حركة التجارة الخارجية لدول منطقة اليورو خاصة المحيطية منها، تتم ضمن منطقة العملة الموحدة، وحجم المبادلات التجارية التي يتم تداولها بيعاً وشراء مع دول أخرى خارج دول منطقة اليورو التسع عشرة، لا يتجاوز خمس حجم اقتصاد منطقة اليورو . وتعاني منطقة اليورو أساساً فائضاً تجارياً بيني ومشكلتها المزمنة في ضعف الطلب الداخلي . ولهذا فإن تخفيض قيمة عملتها بهدف تنشيط الصادرات لن ينقذها .
ومما لا شك فيه أن تراجع قيمة اليورو بشكل حاد سيزيد الضغوط على اقتصادات أخرى . ورغم أن البنك المركزي السويسري لم يخرج عن مسار سياسته المعلنة عندما قرر فك الارتباط مع اليورو الأسبوع الماضي، فإنه من شبه المؤكد أن نيته لشراء اليورو الرخيص من منطقة اليورو كانت أحد أهم بواعث القرار . أضف إلى ذلك أن شركاء منطقة اليورو التجاريين يملكون من وسائل مواجهة اليورو الضعيف مثلما يملكون من وسائل مواجهة الدولار الضعيف . فالسياسة النقدية المتراخية والسياسة المالية المتشددة من أساسيات الرد المباشر على ضعف أو قوة عملة ما غير مرحب بها .وعلى سبيل المثال، قد يؤجل مجلس الاحتياطي الفيدرالي خطوة رفع معدلات أسعار الفائدة هذا العام كرد تلقائي على خطوة البنك المركزي الأوروبي إذا كانت مصلحة الأمريكيين تقتضي ذلك .