IMLebanon

قوة الدولار تخلق آمالا غير متوازنة للاقتصاد العالمي

EagleDollar

مارتن وولف

ما مبرر قوة الدولار المتينة الآن؟ لقد ارتفع بنسبة 25 في المائة على أساس الوزن التجاري الحقيقي في الأعوام الأربعة الماضية، ما أثار ذكريات صعوده في أوائل الثمانينيات، ومرة أخرى في مطلع الألفية. في الحالات السابقة، كانت النتيجة توسع العجز التجاري والحساب الجاري الأمريكيين. فما النتيجة المتوقعة هذه المرة؟

الجواب عن السؤال الأول هو أن الولايات المتحدة تملك طلبا أقوى بكثير، نسبة إلى الناتج المُحتمل، مقارنة بغيرها من الاقتصادات الكبرى – منطقة اليورو والصين واليابان.

والجواب عن السؤال الثاني هو أنها ستفرض ضغوطات انكماشية، وتضعف الطلب على الناتج الأمريكي، ما يجعل تشديد السياسة أصعب مما يتصوّره مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.

كما يذكر دانيال ألبرت من ويستوود كابيتال “لا يوجد اقتصاد يعتبر جزيرة منفردة”. هذا الإدراك هو ما كان مفقوداً من تحليل الوضع الراهن في منطقة اليورو الذي قدّمه يورجن ستارك، العضو السابق في مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي، الأسبوع الماضي.

وهو يُجادل بأن “ألمانيا قد اتبعت بشكل موثوق سياسة اقتصادية حصيفة. في حين إن الآخرين كانوا يعيشون فوق إمكانياتهم، إلا أن ألمانيا تجنّبت الإفراط”.

صورة الدخل والإنفاق يجب أن تكون متكاملة في كافة مجالات الاقتصاد العالمي. البعض يستطيع العيش ضمن إمكانياته لأن هناك آخرين لا يستطيعون ذلك. الحصيف يعتمد على غير الحصيف.

علاوة على ذلك، ما رآه المرء داخل منطقة اليورو قبل الأزمة كان مزيجا من أسعار الفائدة المنخفضة، مع ازدهار صافي عمليات الإقراض عبر الحدود. كما يُجادل مايكل بيتيس من جامعة بكين، فإن من شبه المؤكد أن الإفراط الزائد في الادخار على الاستثمار في ألمانيا، قد تسبّب في الاقتراض والإنفاق الزائد في بلدان أخرى.

الاقتصاد العالمي نظام متكامل. وتجاهل هذه الحقيقة هو أمر غير مُجد. في الوقت الحاضر، من بين الحقائق الأكثر أهمية هناك الضعف المُزمن للطلب في القطاع الخاص نسبة إلى الدخل المحتمل، في الاقتصادات المهمة.

الناس الذين يشككون في هذه الحاجة يسألون أنفسهم فقط كيف بقيت أسعار الفائدة الاسمية والحقيقية طويلة الأجل منخفضة لمدة طويلة. هذا ليس نتيجة لبرنامج التسهيل الكمي – وهو بُعبع غير ذي صلة إلى حد كبير، كما يُمكن أن نرى من حقيقة أن أسعار الفائدة منخفضة أيضاً في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، حيث البنوك المركزية لم تعّد تخلق الأموال لشراء الأصول.

الحكومتان الأمريكية والبريطانية بإمكانهما الاقتراض لمدة 30 عاماً بنسبة 2.4 في المائة و2.6 في المائة، على التوالي، من حيث القيمة الاسمية؛ وبنسبة قريبة من الصفر، من حيث القيمة الحقيقية.

الاختلالات بين الدخل الخاص والإنفاق المرغوب أصبحت الآن هائلة في منطقة اليورو، والصين واليابان. جميع هذه الاقتصادات قد تستفيد من تحقيق فوائض في الحساب الجاري أكبر بكثير.

الجميع من المرجح أن يعمد إلى توظيف سياسات نقدية وسياسات أخرى قد تحقق هذه النتيجة تماماً. البلدان المقابلة لهذه الفوائض لا يمكن أن تكون الآن البلدان الناشئة أو النامية، فهي ليست ذات جدارة ائتمانية بشكل كاف.

البلدان المقابلة المثالية هي البلدان التي تستطيع تحمّل مخاطر صافي التدفقات الداخلة الكبيرة من رأس المال. إلى حد بعيد البلد الأكثر قدرة هو الولايات المتحدة، بسبب حجمها وقدرتها على الاقتراض بالدولار، الذي يبقى هو مالية العالم.

الدوافع في كل واحدة من هذه البلدان العملاقة الثلاث قوية. في جميع البلدان الثلاث، النتيجة هي التخفيف التدريجي للسياسة النقدية، والتخفيف الجذري في اليابان ومنطقة اليورو.

في منطقة اليورو، فإن “التوقف المفاجئ” في عمليات الإقراض إلى الاقتصادات الضعيفة، أثار الأزمات ومن ثم تقشف القطاعين الخاص والعام. في غياب أي توسعات تعويضية في البلدان الدائنة – يُقال إن الأمر مستحيل ثقافياً – فإن منطقة اليورو ككل قد كافحت لتصبح مثل ألمانيا، لكن على مستوى أوروبا.

بين عامي 2008 و2013، تأرجح الحساب الجاري في منطقة اليورو من عجز صغير إلى فائض يبلغ 2.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وهذا قد خفف من الانهيار في الناتج المحلي الإجمالي: وفي حين إن الطلب المحلي الحقيقي انخفض بنسبة 5.9 في المائة بين الربع الأول من عام 2008 والربع الأول من عام 2013، إلا أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي تقلّص بنسبة 3.5 في المائة (على الرغم من أن الانخفاض بالكاد كان صغيراً).

اليوم، السياسات النقدية في البنك المركزي الأوروبي ستنجح فقط في حال ساعد اليورو المنخفض على تعزيز طفرة في الصادرات الصافية. من الصعب الوثوق بطفرة إنفاق محلية مُستدامة، نظراً لأعباء الديون الكبيرة في البلدان الضعيفة، وغياب التوسّع في المالية العامة، وحقيقة أن الأُسر والشركات في البلدان الدائنة تحجم عن الإنفاق.

الصين تواجه تحدّيات مماثلة. في الفترة التي سبقت الأزمة، وازنت الاقتصاد من خلال تشغيل فائض تجاري بلغ ذروته عند نسبة 9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2007.

وفي أعقاب الأزمة، استبدلت الصادرات الضائعة بطفرة استثمار كبيرة يُغذّيها الائتمان، التي شهدت الاستثمار إلى نصف الناتج المحلي الإجمالي – وهو أمر غير مستدام في اقتصاد ينخفض معدل نموه بسرعة.

كيف ستتمكن الصين الآن من إدارة العرض الفائض في المدخرات؟ دون أن تعاني حالة ركود عميقة؟ الإجابات من المرجح أن تشمل ارتفاعاً في الفوائض التجارية، التي تعززت بفعل سعر الصرف الضعيف.

أخيراً، هناك اليابان. هناك، قطاع الشركات هو المصدر الرئيسي للمدخرات الفائضة. على عكس ألمانيا، كانت اليابان مستعدة لتعويض الفائض المالي الكبير لدى قطاع الشركات، بعجز مالي كبير في القطاع العام، والنتيجة كانت مستويات مرتفعة بشكل استثنائي من الديون الحكومية.

السياسة النقدية المتساهلة للغاية اليوم لن تعمل على إزالة المدخرات الفائضة. مع ذلك، فإن تجديد فائض الحساب الجاري من شأنه تخفيف العواقب. مرة أخرى، الدولار القوي والين الضعيف لا يعملان سوى على مساعدة القضية.

في عالم حيث القطاعات الخاصة في الاقتصادات الكبيرة تعاني متلازمة نقص الطلب المُزمن، نحن على يقين أننا سنشهد مطاردة لما هو موجود من بقايا هذا الطلب.

في تقريره عن آفاق الاقتصاد العالمي في تشرين الأول (أكتوبر) من عام 2008، صندوق النقد الدولي قام بتحليل الانخفاض في الاختلالات العالمية، وكان يميل إلى الاعتقاد أنه سيدوم.

ربما يتبيّن أن هذا الرأي متفائل فوق الحد. على أقل تقدير، سيكون على المُنفقين في الولايات المتحدة، مرة أخرى، انتشال -ليس فقط- اقتصادهم فحسب، بل كذلك كثير من بقية العالم. هذه المرة، من غير المرجح أن ينجح هذا لفترة طويلة جداً. كما سيكون أيضاً عملا شاقا للغاية. لذلك فإن على مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، أن يتنبّه لذلك جيداً.