يعمل الأوروبيون على مستويات عدّة لمحاربة الإرهاب في الدّاخل الأوروبي وفي دول الجوار السوري، همّهم الأول منع انتقال المقاتلين الأوروبيين الى سوريا أو العودة منها، وتبلور مؤسسات الاتحاد الأوروبي استراتيجيّات مختلفة الأبعاد يبدو لبنان جزءا أساسيّا منها، ولذلك، ذُكر مرارا في تقارير أوروبية عدة حول الإستراتيجية الأوروبية في مواجهة تهديدات «داعش» في العراق وسوريا وخطر تمددها الى دول الجوار.
وسيكون لبنان بحسب مقررات وزراء الخارجية الأوروبيين ضمن دائرة الدّول التي سيشملها ما أطلق عليه «النقاش الهادف» الذي يتناول الأمن ومحاربة الإرهاب وهي: الجزائر، المغرب، تونس، مصر، إسرائيل، الأردن، لبنان، العراق والسّعوديّة، بالإضافة الى «مجلس التّعاون الخليجي» وتركيا.
يزمع الاتحاد الأوروبي تفعيل مشاريع التعاون الأمني، وخصوصا مع البلدان التي تشكّل أراضيها مقرّا أو هدفا محتملا للإرهابيين مثل العراق وتركيا ولبنان والأردن، وسيترافق الشق الأمني مع دعم للأجهزة القضائيّة وخصوصا القضاء الجزائي، فضلا عن الإصلاح في الأجهزة الأمنية لهذه الدول وتقوية البنى التحتية الخاصة بمواجهة الأزمات والتدخّل السريع في حالات الطوارئ، بالإضافة الى مراقبة الحدود وأمن الطيران، والاتصالات الإستراتيجية، كلّ ذلك في مواجهة المقاتلين الأجانب وضبط تمويل الإرهاب، وذلك بالتعاون مع الأجهزة المعنية في هذه البلدان والأجهزة الأمنية الأوروبية وهي: «يوروبول»، «يورو جوست»، «فرونتكس» و «سيبول».
تعريف جديد وشمولي للإرهاب يبحث عنه الاتّحاد الأوروبي يسهّل ملاحقة ومحاكمة المقاتلين الأوروبيين المتوجّهين الى سوريا، والبعد القضائي واضح في هذا التعريف وهو يأتي بدفع من المنسّق الأوروبي الخاص بمكافحة الإرهاب جيل دي كرشوف بغية تجنّب أي فراغ قانوني عند ملاحقة أحد المشتبه فيهم، وهو ما سيشكل بنظر دي كرشوف «وحيا أوروبيا» لبقية الدول لتتبع الخطوات ذاتها.
هذا الإصلاح الذي ينادي به دي كرشوف بات إلزاميا على الصعيد الأوروبي بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 2178 المتخذ تحت الفصل السابع في أيلول 2014. ومن المتوقع بحسب خبير أوروبي متابع أنّ يوضع ضمن خانة هذا التعريف الأشخاص الذين يقاتلون مع «منظّمات إرهابية» واعتبار أنّهم يرتكبون جريمة يعاقب عليها القانون.
علما أنّ التعريف الأوروبي للإرهاب يعود الى العام 2002 وهو لم يعدّل منذ ذلك الحين وقد اعتمد إثر هجمات 11 أيلول 2001.
وقد بلور وزراء الخارجية الأوروبيون خطط عمل بآليات واضحة ستشمل 6 بلدان هي: لبنان، المغرب، تونس، الجزائر، مصر، والأردن وتهدف الى عرقلة سفر من يطلق عليهم اسم «المقاتلين الأجانب» وتأمين عودتهم الى بلدانهم.
وستكون التفاتة أيضا نحو دول البلقان وبقيّة الدول التي تطالها ظاهرة المقاتلين الأجانب. ويبلور الاتحاد الأوروبي آليات محددة لتبادل المعلومات مع البلدان المعنية، وكيفية تعاون الأجهزة الأوروبية مع نظيراتها بغية تقوية تطبيق القانون والتعاون القضائي، فضلا عن ترقب قرار البرلمان الأوروبي بالموافقة على تبادل بيانات المسافرين الأوروبيين.
ويقول أحد الخبراء الأوروبيين لـ«السفير» إنّ «تفييش» (وضع بيانات مفصلة) مقاتل فرنسي متجه نحو سوريا عبر تركيا يقتضي تنسيقا مباشرا بين الأجهزة الفرنسية والتركية وهذا ما حدث في قضية السيدة كوليبالي (زوجة أحد مهاجمي المتجر اليهودي إثر حادثة «شارلي إيبدو» الشهر الفائت في باريس).
هذه الطريقة لم تلق قبولا من البرلمان الأوروبي، لكن البرلمان لا يمكنه منعها، حسب الخبير الأوروبي، مشيرا الى أنه اذا لم يقر نظام تبادل بيانات المسافرين الأوروبيين ويوضع موضع التنفيذ «فلا شيء يمنع الدول بأن تقيم أنظمتها الخاصّة على المستوى الوطني والثنائي، وقد بدأت بريطانيا تنفيذ هذا الأمر فرديّا، والفرنسيون يعلنون أنهم سيبدأون بتطبيق هذا النظام في أيلول المقبل، والأمر لا يمنع التبادل مع بلدان أخرى على مستوى ثنائي، وبالتالي فإن تبادل المعلومات عن مشتبه فيه مع لبنان وخصوصا تركيا وسواها من البلدان أمر قائم وسيتوطّد أيضا بغضّ النظر عن المستوى الأوروبي».
في موازاة ذلك، ستشهد بلدان الجوار السوري تكثيف حركة ما يطلق عليهم تسمية «الخبراء الأمنيين» المتخصصين بمكافحة الإرهاب في البلدان المعنية ومنها لبنان، بحيث ستنشط حركتهم بالتوازي أيضا مع تقوية عمل مركز الاستخبارات الأوروبي («إينسن»).
ويوضح الخبير الأوروبي لـ«السفير» أنّ التعاون الثنائي بين أجهزة الشرطة العملانية مختلف عن التعاون على مستوى مؤسسات الاتحاد الأوروبي، قد يسبق أيّ تنسيق اتفاق سياسي لكنّ التعاون التقني والأمني يتبع ذلك وإنّما على مستوى مختلف تماما».
ويشير الى أنّ «أساليب مكافحة الإرهاب لا تناقش سياسيا بل عبر أجهزة الشرطة والأمن، وكل ما هو تعاون أمني بين الدول يتمّ على المستوى الأوروبي الداخلي أو مع الدول الأخرى، ليس عبر الاتحاد الأوروبي بل مع كل بلد على حدة ومباشرة».