بعد أيام قليلة من اتخاذ قرار روسي مصري مشترك بإقرار التعامل التجاري بين موسكو والقاهرة بالعملة المحلية لكلا البلدين، بدا أن كل طرف يرى في تلك الصفقة طوق النجاة من الدولار القوي الذي يواصل ارتفاعه مقابل عملتي البلدين.
وفي زيارته الأخيرة إلى القاهرة الأسبوع الماضي، أقر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، استخدام العملات المحلية للبلدين في التبادل التجاري بينهما، دون تحديد جدول زمني لبدء تنفيذ القرار.
وتواجه مصر أزمة حادة في سعر صرف عملتها مقابل الدولار، وسط شح في الاحتياطيات الأجنبية بأكبر اقتصاد في شمال أفريقيا يبلغ حجمه نحو 256 مليار دولار، وفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي. وسمح البنك المركزي منذ مطلع العام الحالي بهبوط الجنيه مقابل الدولار، كما وضع سقفا للإيداعات الدولارية في البنوك في إطار مساعيه للقضاء على السوق السوداء التي تنشط بقوة منذ ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011، مع هبوط الاحتياطيات الأجنبية لأكبر بلد عربي سكانا من مستوى 36 مليار دولار في 2011 إلى نحو 15 مليار دولار بختام يناير الماضي.
بينما تحاول روسيا جاهدة التخلص من أثر العقوبات الدولية المفروضة عليها جراء الأزمة الأوكرانية وما صاحبها من هبوط حاد لقيمة الروبل أمام الدولار، حيث خسرت العملة الروسية نحو 45 في المائة من قيمتها منذ ذلك الحين.
وقال محللون لـ«الشرق الأوسط» إن معيار الربح والخسارة يتعلق بآليات تطبيق القرار لكلا الطرفين، لكن يتبقى لطرف إمكانية تحقيق مكاسب أكبر على حساب الطرف الآخر.
وعلى شاشات الصرافة المصرية للعملات التي يعتمدها البنك المركزي لم تعرف العملة الروسية طريقا حتى الآن لتحديد قيمتها مقابل الجنيه المصري، وهو ما يعني مزيدا من الوقت لتنفيذ القرار في انتظار تسعير الروبل رسميا من قبل البنك المركزي. وفي تلك الأثناء، يسعر الجنيه والروبل من خلال عملة وسيطة وهي الدولار الأميركي.
وقال هاني عمارة، اقتصادي أول لدى «سي آي فاينانشيال سرفيس» لـ«الشرق الأوسط» إن «الخطوة التي اتخذتها مصر بإقرار التبادل التجاري مع روسيا باستخدام العملات المحلية للبلدين قد تنعكس بالإيجاب على كلا الطرفين؛ ولكن سيظل هناك طرف يحقق فائدة أكبر على حساب الطرف الآخر». وتابع «في حسابات الربح والخسارة هنا يجب أن ننظر بعين الاعتبار إلى طبيعة العلاقات التجارية بين البلدين، ومن بينها الميزان التجاري الذي يصب لمصلحة الطرف الروسي بكل تأكيد».
وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين في العام المنصرم نحو 4.8 مليار دولار، وفقا لتصريحات المسؤولين في البلدين، تصب معظمها في صالح الطرف الروسي الذي بلغت صادراته إلى القاهرة في العام المنصرم نحو 4.1 مليار دولار.
وفي الربع الأول من العام المالي الحالي، تشير بيانات اطلعت عليها «الشرق الأوسط» على موقع البنك المركزي المصري إلى بلوغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 448.3 مليون دولار، لا تمثل فيها الصادرات المصرية إلا 73.6 مليون دولار فقط.
ولا يمثل حجم المعاملات التجارية بين البلدين إلا نحو 2 في المائة من إجمالي عمليات التبادل التجاري بين مصر والعالم الخارجي خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام المالي الحالي، والتي قدرها البنك المركزي المصري بنحو 22.68 مليار دولار. وتبدأ السنة المالية في مصر مطلع يوليو (تموز) من كل عام.
ويضيف عمارة أنه «رغم هذا الخلل الواضح في الميزان التجاري بين البلدين فإن السياحة الروسية تشكل جزءا مهما من إيرادات القطاع في مصر، بما قد يقلل من حدة العجز في ميزان المعاملات التجارية التي تصب بكل تأكيد في صالح الطرف الروسي».
ووفقا لتقديرات وزارة السياحة المصرية، فقد بلغ عدد السائحين الروس إلى مصر العام المنصرم نحو 3.3 مليون سائح بعوائد تقدر بنحو 1.9 مليار دولار. لكن منذ مطلع العام الحالي، تضررت السياحة الروسية إلى مصر مع المعاناة الشديدة للاقتصاد الروسي جراء العقوبات الدولية المفروضة عليه، حيث تشير تصريحات مسؤولين مصريين إلى تراجع السياحة الوافدة من روسيا خلال يناير الفائت بنحو 60 في المائة على أساس سنوي. وشهر يناير يعرف بكونه موسما مهما لتوافد السياح الروس إلى المدن الساحلية المصرية هربا من ظروف الطقس السيئ في بلادهم.
ويقول خبير الاقتصاد الكلي لدى «دويتشه بنك»، فريد هاونغ، لـ«الشرق الأوسط»: «أرى أن تلك الخطوة أكثر فائدة للجانب الروسي لأمور تتعلق بازدياد الطلب على عملته مقابل العملة المصرية في ظل اختلال الميزان التجاري بين البلدين». ويتابع «لكن من الممكن أن تستفيد القاهرة أيضا من خلال وضع آليات التطبيق التي تناسبها ووضع أفضلية للمنتجات المصرية على المنتجات الأخرى التي تستوردها روسيا من الخارج».
وفي أعقاب العقوبات الغربية المفروضة على روسيا والتي تحرمها من استيراد منتجات الاتحاد الأوروبي والمنتجات الأميركية، تحاول موسكو جاهدة فتح أسواق جديدة تمكنها من تلبية احتياجاتها. وأقرت روسيا والصين التبادل التجاري بينهما باستخدام العملات المحلية لكلا البلدين، لكن الميزان التجاري يصب بقوة في صالح الطرف الصيني. وتم إبرام الاتفاق خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بقيمة 150 مليار يوان صيني (24 مليار دولار أميركي)، وهو الاتفاق الذي من الممكن أن تمتد أو تزداد قيمته عند الحاجة.
ويضيف هاونغ أن «تحقيق الرابح والخاسر هنا يتعلق بآليات التطبيق؛ مع الوضع في الاعتبار الهوة الكبيرة بين الطرفين في الميزان التجاري لصالح الطرف الروسي».
وتتمثل معظم الصادرات المصرية من روسيا في القمح والطاقة. ومصر هي أكبر دولة مستورة للقمح في العالم، وكانت تأمل في الحصول على إعفاء روسي من ضريبة فرضتها موسكو مؤخرا على الصادرات. لكن وزارة الزراعة الروسية قالت الأسبوع الماضي إن موسكو لا يمكنها إعفاء إمدادات القمح إلى مصر من ضريبة فرضتها مؤخرا على الصادرات، مشيرة إلى أن القانون الروسي لا يسمح بهذا.
وفرضت موسكو قيودا غير رسمية على صادرات القمح في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، في الوقت الذي تسعى فيه لكبح الأسعار المحلية وسط أزمة اقتصادية. وأخرت هذه الخطوة بعض الإمدادات إلى مصر، ثاني أكبر مشتر للقمح الروسي.
ويقول خبير أسواق «الفوركس» فيكتور لي كينغ لدى «إتش إس بي سي»، لـ«الشرق الأوسط»: «حينما يتعلق الأمر بطبيعة سعر الصرف فإن الروبل سيربح بكل تأكيد من هذه الصفقة، حيث إن الطلب سيزداد عليه بكل تأكيد»، متابعا «أما في ما يتعلق بالجنيه المصري، فأعتقد أنه سيتأثر سلبا مع زيادة المعروض منه في السوق، حيث سيلجأ الطرف الروسي حينها إلى التخلص منه وبيعه في الأسواق بأسعار أقل لانعدام الحاجة إليه في ما يتعلق بميزان المعاملات التجارية على الأقل».
ويختتم كينغ قائلا «لا بد من تحديد آليات تخدم مصالح الطرف المتوقع تضرره هنا أكثر وهو مصر. أعتقد أنه يجب تعزيز الصادرات المصرية إلى روسيا أولا ومن ثم النظر في تطبيق هذا القرار».
وقالت الممثلة التجارية لموسكو في القاهرة يوم الاثنين الماضي إن الأمر لا يزال قيد البحث، مؤكدة على وجود هامش زمني كبير لدخول القرار حيز التنفيذ.
وبينما تتقارب مصر مع روسيا من خلال تلك الخطوة، بدا أن تلك الخطوة ستلقي بظلالها على طبيعة العلاقة بين الشركاء الاقتصاديين الأكبر وهما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وهي الأطراف الفاعلة في فرض العقوبات على موسكو. وبلغ حجم التبادل التجاري بين مصر والاتحاد الأوروبي على سبيل المثال في 2013 نحو 24 مليار دولار، مقابل نحو 4 مليارات دولار فقط مع الجانب الروسي. بينما تعتبر الولايات المتحدة من أكبر الشركاء لمصر، ويصل معدل حجم التبادل التجاري السنوي بين البلدين إلى نحو 6.5 مليار دولار.