فانيسا هولدر
كان ذلك أسبوع الكشوفات الرهيبة الذي مزق السرية ـ التي طالما افتخرت بها المصارف السويسرية ـ عن آلاف من أصحاب الحسابات في مصرف إتش إس بي سي. وعلى الإثر طالب سياسيون باتخاذ إجراءات حول كيف حاول المصرف حماية هويات عملائه، التي وصلت إلى درجة توزيع طرود الأوراق المالية التي لا يمكن تعقبها.
حتى قبل الضجة الأخيرة كانت سويسرا، أكبر مركز للأفشور، قد انحنت للضغط. فقد وافقت على تغييرات من شأنها تجريدها من مكانتها ملاذا مفضّلا للمتهربين من الضرائب. ووسط حملة متنامية على السرية، السؤال بالنسبة للمتهربين وسلطات تنفيذ القانون أصبح على نحو متزايد: ما الأماكن التي بقيت لإخفاء النقود؟
منذ الأزمة المالية، أصبح العثور على المخابئ أصعب. فبعد فضائح التهرّب الضريبي استخدمت الولايات المتحدة نفوذها لإجبار المصارف الخارجية على تسليم المعلومات عن عملائها، ما فتح المجال لبلدان أخرى للمطالبة بالمعاملة نفسها.
وتتوقع حكومات أن تتم إعادة مليارات الدولارات إلى البُلدان نتيجة للحملة ضد التهرّب الضريبي. وبعض الحكومات عرضت العفو، أو آليات خاصة لتشجيع المتهربين من الضرائب على تنظيف أموالهم.
وكثير من السلطات القضائية الأكثر سرّية – من أنجيلا إلى الأوروجواي – من المقرر أن تفتح دفاترها أمام السلطات الضريبية الأجنبية بحلول عام 2017. بعد ذلك بعام، عشرات السلطات الأخرى – بما في ذلك بليز وهونج كونج وسنغافورة – من المقرر أن تحذو حذوها.
ومن بين هذه السلطات تخلت سويسرا عن تقاليد السرية التي تعود على الأقل، إلى القرن الثامن عشر، عندما وفرت الحماية لثروات الأرستقراطيين الفارّين من الثورة الفرنسية. وتم اتخاذ الخطوة نفسها من قِبل سنغافورة ودبي وموناكو، وهي الوجهات الشائعة للنقود غير المُعلنة.
وتوجد معاقل صامدة حتى الآن: جزر كوك، وناورو، وبنما، وفانواتو. لكنها غير جذابة لمعظم المستثمرين. فيونا فيرني، الشريكة في شركة بينسينت ماسونز للمحاماة، تقول “في نهاية المطاف الأماكن الوحيدة لإخفاء أموالك هي الأماكن التي قد لا ترغب في الذهاب إليها، لأنها غير مستقرة سياسياً للغاية”.
أما روبرت بالمر، رئيس حملة مكافحة غسل الأموال في مجموعة جلوبال ويتنس الناشطة، فيقول “إذا كان خيارك بين جزر كوك ولابوان، فإن هذا الخيار أقل جاذبية بكثير من الخيار بين سويسرا وهونج كونج وسنغافورة ولندن. إنه عمل أصعب، وأخطر، وأكثر تكلفة”. كذلك مخاطر السمعة تُؤخذ على محمل الجد. صوفي دفوريتسكي، الشريكة في شركة ويذرز للمحاماة، تقول “الناس عادة ما يكونون متشككين بشأن عدد من الأماكن في الوقت الراهن. يقولون: كيف سيُنظر إليّ إذا وضعت أموالي هناك”؟
ويوجد للمصارف الكبيرة تمثيل في معظم المناطق المناهضة للتبادل التلقائي للمعلومات. مثلا، سيتي بانك وإتش إس بي سي لديهما عمليات في بنما والبحرين. والمجموعة المصرفية الأسترالية ـ النيوزلندية ANZ وويستباك لديهما مكاتب في جزر كوك وفانواتو.
لكن هذه الحقبة الجديدة من الشفافية لها حدود. فعندما أثنى عدد من وزراء المالية، في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، على اتفاق التبادل التلقائي للمعلومات باعتباره نقطة تحوّل في المعركة ضد المتهربين من الضرائب، قالت “شبكة العدل الضريبية”، وهي مجموعة ناشطين، إن الوزراء “مُحقّون في أن يدعوا أنهم حققوا تقدّما تاريخيا” إلا أن الصفقة تنطوي على ثغرات محتملة. وأعربت عن قلقها بشأن الخطر من أن يتم استبعاد البلدان ذات الدخل المنخفض، ومن الانتقائية بالنسبة للبلدان التي يتم تبادل المعلومات معها.
وهناك استثناء آخر، إذ يتم اعتبار الولايات المتحدة مكانا جذّابا لإخفاء الأموال بسبب نقص الشفافية حول ملكية الشركات. وقد أعلنت الولايات المتحدة عن خطط لسلطاتها الضريبية لجمع معلومات حول المالكين المنتفعين، تتضمن ذكر تفاصيل أصحاب الشركات النهائيين. لكن هناك شكوكا حول تنفيذ هذه السياسة، يُغذّيها تاريخ طويل من عدم اتخاذ أي إجراء.
وتقول دفوريتسكي “إن السرية المتاحة في الولايات المتحدة تسمح للمساهمين بإخفاء النقود على مرأى من الجميع: بعض الولايات الأمريكية، مثل ديلاوير، توفّر درجة جذّابة للغاية من الخصوصية. وفي حين إن السلطات القضائية الكبيرة المحترمة جداً، مثل الولايات المتحدة، تمارس هذا الأمر (…) بإمكانك بسهولة العثور على تلك السرية بدون الحاجة إلى القلق بشأن الوضع الذي تقوم بإنشائه”.
ربما تفقد سويسرا الأعمال لتأخذها الولايات المتحدة. حين قررت بيرن تبادل البيانات الضريبية في السنة الماضية، قالت إنها تتوقع “أن تكون الأحكام الخاصة التي تنطبق في الولايات المتحدة بخصوص شفافية المالكين المستفيدين ذات طبيعة مؤقتة”.
ووفقا لتقرير الثروة لعام 2014 من مجموعة بوسطن الاستشارية، على المدى الطويل ستتفوق سنغافورة، أو هونج على الأرجح على سويسرا من حيث كونها أكبر مركز لأعمال الأفشور.
وقالت مجموعة بوسطن “إن أنموذج الأفشور سيستمر في الازدهار لأنه أعطى إمكانية الاستفادة من منتجات مبتكرة، والاستثمار المحترف، والأمن”. ورغم أن ثروات الأفشور تراجعت قليلا بوصفها حصة من إجمالي الثروة في 2013، إلا أنها سجلت نموا قويا. ففي عام 2013 وصلت الثروة الخاصة التي سجلت عبر الحدود إلى 8.9 تريليون دولار، وهو ارتفاع يزيد أكثر من 10 في المائة عن السنة السابقة.
واستمرار نمو العمليات المصرفية في الأفشور يشير إلى أن الأسباب التي تدفع المستثمرين للاستثمار هناك أكبر من الرغبة في تجنب الضرائب. والموضوع الذي نشر الأسبوع الماضي في صحيفة “الجارديان” حول ملفات إتش إس بي سي، أشار إلى أن الرغبة في السرية تعود في الغالب إلى عوامل عائلية، بما في ذلك مُدَرسة فنلندية أرادت أن تخبئ المال عن زوجها.
بالنسبة لكثير من الناس، الرغبة في الاستثمار في الأفشور مدفوعة بالخوف من أن المصارف المحلية لا تأمن الوقوع في المشكلات، أو لا تأمن التدخل. ومن المخاوف أيضا، الخطف والتهديدات الأخرى. تقول دفورتسكي “هناك عملاء لديهم مخاوف شخصية سليمة تماما من حيث السلامة. بالنسبة لبعض الناس، هذه مسألة حياة أو موت”.