IMLebanon

فقاعة في سندات الأسواق الناشئة تلوح في الأفق

Crisisahead

جوناثان ويتلي

في شباط (فبراير) 2010 شرع أحد المصارف البرازيلية المتوسط الحجم يسمى بانكو باين، في جمع 125 مليون دولار من مستثمرين دوليين. توقيته كان مثاليا: الاقتصاد البرازيلي كان مزدهرا والأموال الأجنبية كانت تتدفق إلى البرازيل وغيرها من الأسواق الناشئة.

كان طرح “بانكو باين” ناجحا. وحتى وقت قريب هو أواخر شهر تشرين الثاني (نوفمبر)، كانت تتداول سنداته عند 1.06 دولار لكل دولار – وكان المستثمرون واثقين من أن المصرف سيواصل صرف مدفوعات الفائدة السخية على سنداته بحيث إنهم كانوا على استعداد للدفع مقابل السندات أكثر بكثير مما يمكن أن يحصلوا عليه في تاريخ استحقاق السندات، في كانون الثاني (يناير) عام 2017.

لكن اليوم أصيبت علاقة حب المستثمرين مع البرازيل بالفتور – وشعر “بانكو باين” بهذا التحول. وبحلول نهاية الشهر الماضي، كان يتداول عند 94 سنتا لكل دولار. بهذا السعر، مع أقل من عامين على تاريخ الاستحقاق، كان يعرض فائدة إجمالية سنوية بمعدل 12.2 في المائة، وهي علاوة قدرها 1100 نقطة أساس فوق العوائد على سندات الخزانة الأمريكية المقارنة – وهي كما يقول محللون علامة أكيدة على أن السندات في محنة.

تشتمل مشكلات “بانكو باين” على القروض التي قدمها لشركات وجدت نفسها عالقة فيما يزعم أنها فضيحة فساد بقيمة 20 مليار دولار في بتروبراس، شركة النفط التي تسيطر عليها الحكومة في البرازيل – على الرغم من أن سندات الشركات المتورطة في الفضيحة كان أداؤها أسوأ بكثير من أداء باين. لكن الحركات الحادة والمفاجئة الأخيرة في أسعار سندات “باين” -التي منذ ذلك الحين تعافت جزئيا- تؤكد أيضا على ما يخشاه كثيرون من عدم الاستقرار المتأصل في إحدى فئات الأصول الأصغر والأكبر في الأسواق الناشئة.

قبل عقد من الزمان، كانت سوق سندات الشركات بالعملة الصعبة في الأسواق الناشئة بالكاد موجودة. اليوم هي أكبر من سوق سندات الشركات الأمريكية ذات العائد المرتفع، التي هي فئة من فئات الأصول المألوفة بالنسبة للمستثمرين على مدى عقود، وأكثر من أربعة أضعاف حجم سوق السندات ذات العائد المرتفع في أوروبا.

ما القوة التي دفعت هذا النمو الاستثنائي؟ خلال سنوات قليلة فقط قبل اندلاع الأزمة المالية العالمية في 2008/2009 استطاعت الأسواق الناشئة أن تستميل المستثمرين في العالم. في عام 2001 حدد “جولدمان ساكس” اقتصادات دول البريكس -البرازيل وروسيا والهند والصين- باعتبارها المحركات الجديدة للنمو العالمي. وقاد الطلب الصيني طفرة السلع التي ساعدت مليارات من الناس على الخروج من براثن الفقر لتدخل في عداد الطبقات المستهلكة.

بعد الأزمة، أدت السياسات النقدية التوسعية في العالم المتقدم إلى استمرار الحفلة، ما دفع الائتمان الرخيص إلى مستهلكي السوق الناشئة وإرسال مزيد من الأموال الأجنبية إلى أصول الأسواق الناشئة. وشرعت شركات الأسواق الناشئة، وكثير منها استطاع الاستفادة من الأسواق الخارجية لأول مرة، في موجة من الاقتراض. وكان المستثمرون الأجانب المتعطشون للعوائد سعداء بتقديم المساعدة.

كان ديفيد سبيجل، الرئيس العالمي لاستراتيجية السندات السيادية وسندات الشركات في الأسواق الناشئة لدى مصرف بي إن بي باريبا، يتعقب سندات شركات الأسواق الناشئة بالعملة الصعبة منذ عام 1994. وتشير أرقامه إلى أن قيمة هذه السندات في السوق نمت من 107 مليارات دولار إلى أكثر من تريليوني دولار اليوم.

لكن مع انهيار الاقتصاد البرازيلي، والتباطؤ في الصين، ومع ظلال قاتمة تخيم على الأسواق ابتداء من فنزويلا إلى روسيا وأوكرانيا، يشعر بعض المحللين بالقلق من أن الحفلة ربما استمرت فترة أطول من اللازم.

ستيوارت أوكلي، الرئيس العالمي لتداول العملات الأجنبية في الأسواق الناشئة في مصرف نومورا في لندن، يشير إلى مدى السهولة في إمكانية اختلال الأوضاع. ويقول “من الممكن تماما أن نرى الإعسار من جانب شركة كبيرة مصدرة للسلع الأساسية في الأسواق الناشئة”.

ويضيف “في هذا السيناريو ستجد أن الناس يستردون قيمة المال من الشركات الكبيرة لإدارة الأصول في الأسواق الناشئة، وأن يجف الطلب على سندات المصارف، وستكون هناك انخفاضات حادة في الأسعار على تلك الأصول وجميع الأصول المرتبطة بها، وعمليات بيع مكثفة عبر هذه أو تلك الفئة من الأصول”.

مخاوف من الانهيار

أحد مصادر الخطر يكمن في أن سوق سندات شركات الأسواق الناشئة التي تضخمت بسبب سنوات من عمليات الشراء التي تكون في كثير من الأحيان دون تمييز، لا يزال يجري حقنها من خلال بحث المستثمرين العالميين عن العائد. وتظهر أيضا علامات مثيرة للقلق تشير إلى وجود محنة في الوقت الذي يتم فيه تقليل قدرة النظام المالي على إدارة الصفقات بين المشترين والبائعين بشكل كبير، ما يزيد من خطر أن يتحول أي خروج مفاجئ إلى انهيار غير منضبط.

وينبع جزء من المشكلة من برامج شراء السندات التي أطلقها مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والمصارف المركزية الأخرى لإنعاش النمو بعد الأزمة المالية. وكان الهدف من برامج “التسهيل الكمي” هذه هو تقليص تكاليف الاقتراض في أسواق السندات، خاصة لمصدري الشركات. وفي الوقت الذي تراجعت فيه العوائد في فئة أصول واحدة، مثل سندات الشركات الأمريكية ذات المرتبة الاستثمارية الممتازة، سحبت معها العوائد إلى الأدنى عبر فئات أخرى، مثل الشركات الأمريكية ذات العائد المرتفع وشركات الأسواق الناشئة.

بالنسبة للمستثمرين الذين يبحثون عن العائد، كان هذا بمثابة صدمة. ولاحظ زولتان بوزسار، وهو مستشار كبير سابق في وزارة الخزانة الأمريكية، أنه في حين انخفض العائد على سندات الخزانة الأمريكية القياسية من 6 في المائة عام 2000 إلى أقل من 2 في المائة اليوم، العوائد التي سعى إليها من صناديق التقاعد العامة الأمريكية تغيرت بالكاد وبقيت عند نحو 8 في المائة. ولدى مستثمري المؤسسات الكبيرة الأخرى أيضا الحاجات التي يصعب إرضاؤها من خلال الاستثمار فيما ينظر إليه عادة على أنه أصول آمنة.

وتعرف النتيجة بأنها “شراء قسري” – يشتري مديرو الاستثمار الأصول خارج المجال المعتاد لخبرتهم لأن عليهم تشغيل أموال موكليهم في مكان ما.

ويقول أوكلي، من مصرف نومورا، “حين أُعطي أموالي شركة إدارة الأصول، فإن السندات الألمانية وسندات الخزانة الأمريكية لا تحقق الهدف المرجو من الربح”. ويضيف، “من مستثمري التجزئة إلى المؤسسات الكبيرة، يتم دفع الناس نحو الجانب الأدنى من المنحنى ونحو الأصول ذات المخاطر العالية”.

وأدى ذلك إلى عملية سماها سيرجيو تريجو باز، رئيس سندات الأسواق الناشئة في بلاك روك “أغلق عينيك واشترِ”. ودفع كثير من المستثمرين المتنقلين، الذين يعتبرون من الجدد وغالبا ما يكونون بعيدين عن الالتزام بالأسواق الناشئة، سعر بعض السندات إلى الأعلى حتى في الوقت الذي أصبحت فيه المخاطر أكثر وضوحا.

وتقول كاثلين ميدلميس، رئيسة أبحاث الائتمان في أوروبا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية في مصرف يو بي إس، “إن هذا ظل مستمرا لسنوات، والسؤال هو، كم طول الفترة التي يمكنك فيها الجلوس على هامش اندفاع قوي، حتى لو كنت لا تعتقد أن ذلك أمرا منطقيا”؟ وتضيف “أصبح المستثمرون متهاونين إلى حد كبير”.

تخفيض المراتب الائتمانية

فقط في الأشهر القليلة الماضية أصبحوا أكثر حذرا – ولسبب وجيه يصفه سبيجل، من “بي إن بي باريبا”، بأنه تدهور في نوعية الائتمان واضح من زيادة حادة أخيرة في عدد السندات التي تم تخفيض مرتبتها الائتمانية من قبل وكالات التصنيف الثلاث الكبرى.

ويلاحظ أن عدد حالات تخفيض التصنيف الائتماني لسندات الشركات في الأسواق الناشئة في الربع الأخير من عام 2014 كان أكثر من عدد حالات رفع المرتبة الائتمانية بواقع 111 حالة، مقارنة بـ 26 حالة في الربع الثالث. وهذا العام كان هناك تخفيض صاف في 56 حالة في كانون الثاني (يناير) وحده.

ويقول “إذا نظرتم إلى تاريخ التدفقات الاستثمارية إلى الأسواق الناشئة، فإنه يتابع عن كثب دورة الائتمان”. وفي الوقت الذي يرتفع فيه عدد حالات التخفيض في المرتبة الائتمانية “لا يمكن للمقترضين جمع المال في أسواق السندات، الأمر الذي يزيد من تفاقم دورة الإعسار، وبدوره يؤدي هذا إلى مزيد من تخفيض التصنيف، وستكون هناك حلقة من ردود الفعل السلبية”.

وما يعمق هذا الخطر هو الانخفاض الحاد الأخير في أسعار النفط العالمية منذ الصيف الماضي. فقد تم إصدار أكثر من 30 في المائة من السندات المقومة بالعملة الصعبة في الأسواق الناشئة عن طريق شركات سيادية ذات صلة بالطاقة، وعن طريق شركات ومصارف تتعامل معها. ووفقا لأحد التقديرات في الصناعة، كل انخفاض بمقدار عشرة دولارات في أسعار النفط يؤدي إلى خسارة أرباح في عالم سندات شركات الأسواق الناشئة بمقدار 25 مليار دولار في السنة.

هل هذا ينذر بموجات من الإعسار؟ قليل من المحللين يتوقعون ذلك. ويرى سبيجل أن قيمة إعسار شركات الأسواق الناشئة سترتفع إلى 15 مليار دولار هذا العام، مقارنة بـ 12 مليار دولار العام الماضي.

حتى في فنزويلا وأوكرانيا، وهما البلدان اللذان يتم فيهما احتساب حالات الإعسار السيادية إلى حد كبير في أسعار السندات، يتوقع المستثمرون بعض أشكال إعادة الهيكلة بدلا من الإعسار الكامل. وبعض الشركات الأوكرانية، التي من المتوقع إعادة هيكلتها جميعا في أعقاب موجات الإعسار السيادية، تتفاوض منذ الآن لتبادل، أو تمديد، أو عمليات إعادة هيكلة أخرى مع حملة السندات لديها.

الهرب إلى النوعية

الخطر الأكبر هو أن يبدأ المستثمرون في ترك هذه الفئة من الأصول تماما. يمكن أن يحدث ذلك عن طريق الإعسار، لكن أيضا عن طريق حدث أقل من ذلك بكثير. إذا انخفض سعر أحد السندات بشكل حاد، أي مستثمر اقترض المال لشرائه – كما تفعل صناديق التحوط في العادة – فسيضطر إلى بيع سندات أخرى لتعويض الخسارة. ويمكن لهذه الموجات من البيع أن تنتشر بسرعة، ليس فقط إلى السندات الأخرى، ولكن أيضا لفئات الأصول الأخرى.

واحتمال حدوث ذلك يصبح أكبر بسبب الظروف المتغيرة في الأسواق الثانوية، حيث يتم تداول السندات، خلافا لما هو في الأسواق الأولية، حيث يتم إصدارها.

وعمل التسهيل الكمي على تضخيم الأسواق الأولية، لكن منذ الأزمة المالية تسببت الأمور التنظيمية وغيرها من التغييرات في جفاف السيولة في الأسواق الثانوية. ولا يمكن لمصارف الاستثمار التي اعتادت حيازة مخزونات كبيرة من السندات في دفاترها أن تفعل ذلك بعد الآن. ويقول محللون في “يو بي إس”، “إن حجم الأصول التي تحتفظ بها المصارف يعتبر نصف المستوى الذي كان عليه قبل خمس سنوات، في حين إن حجم الأصول التي يقتنيها المستثمرون أربعة أضعاف ما كان عليه”.

ويقول سبيجل “عندما تكون هناك نوبات من الشراء لا يكون هناك بائعون، وعندما تكون هناك نوبات من البيع لا يوجد مشترون”. ويضيف “يخلق هذا بيئة مثالية للأسواق المتعثرة لتزداد سوءا. هذه هي سنة الحلقات ذات التغذية الراجعة السلبية”.

وعلى الرغم من هذا التقييم الكئيب، لا يرى سبيجل أن هناك كارثة تلوح في الأفق. وأحد أسباب ذلك هو الشهية المستمرة للعائد بين المستثمرين، ما يساعد الشركات في الأسواق الناشئة على إصدار سندات جديدة لتحل محل القديمة. وقال “إنه يتوقع أن يتم إصدار نحو 500 مليار دولار من السندات المقومة بالعملة الصعبة من قبل شركات الأسواق الناشئة هذا العام، مقارنة بـ 572 مليار دولار في العام الماضي ـ لكن لا تزال الكمية كبيرة”.

سيدهارث داهيا، رئيس سندات شركات الأسواق الناشئة في أبردين، وهي شركة مختصة في إدارة أصول الأسواق الناشئة، يقول “لأول وهلة، حجم وسرعة نمو هذه الفئة من الأصول يعطيان أسبابا مشروعة للقلق”.

لكن داهيا يلاحظ أن سندات الشركات المقومة بالعملة الصعبة تساوي فقط نحو 8 أو 9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في أمريكا اللاتينية، وأقل من 3 في المائة من الناتج في آسيا. وعدد قليل نسبيا من شركات الأسواق الناشئة هو الذي يصدر سندات مقومة بالعملة الصعبة، لكن هذا يغلب عليه أن يكون من بين أفضل الشركات من حيث الإدارة في أسواقها.

ويقول “في السنة الماضية كل شيء كان معرضا للخلل أصابه الخلل فعلا. تباطأت الصين، وتراجعت أسعار السلع الأساسية، وكان لدينا الانسحاب التدريجي من التسهيل الكمي، وأزمة أوكرانيا، وانفجار البرازيل – وكان العائد على سندات شركات الأسواق الناشئة 5 في المائة. إنها سوق منوعة إلى حد كبير”.

مع ذلك، يشعر آخرون بالقلق من أن نمو فئة أصول شركات الأسواق الناشئة هو مثال واضح على وجود فقاعة، وهي فقاعة يجري تفجيرها الآن من خلال موجة التسهيل الكمي التي لا تلوح لها نهاية في الأفق.

يقول أوكلي، من مصرف نومورا “الهدف من التسهيل الكمي هو إحداث النمو في الاقتصاد الفعلي. لكنه بدلا من دفع النمو يخلق فقاعات في الأصول. والخطر هو أن يدفع الفقاعات إلى أن تبلغ مرحلة الانفجار”.