نجمة بوزورجمير
مستنقعات هامون الخصبة على حدود إيران مع أفغانستان تملك تاريخاً طويلاً. فقد كانت تدعم ثقافة متطورة من العصور القديمة حيث نشأت فيها الزرادشتية، كما تقول الأسطورة. والمشهد الأخضر كان خلفية القصيدة الملحمية الفارسية، الشاهنامة.
لكن تحويل المنطقة التي تبلغ مساحتها 5600 كيلو متر مربع إلى كارثة بيئية تطلب بضعة أعوام فقط. مياهها التي كانت زاخرة فيما مضى أصبحت الآن أرضا متصدعة يُغطيها الغبار وتتناثر فيها القوارب المهجورة.
ويُلقى باللوم في اختفاء المياه على سوء إدارة الدولة، و15 عاماً من الجفاف، وبناء السدود في أفغانستان المجاورة، الأمر الذي يترك السكان المحليين، الذين عاشوا منذ أجيال على صيد الأسماك وتربية المواشي والصيد، بدون مصدر للدخل.
سمية، المرأة البالغة من العمر 26 عاماً التي خسرت عائلتها 100 بقرة و50 رأسا من الغنم بسبب جفاف المنطقة، قالت “نحن على قيد الحياة، لكننا لا نعيش. مستنقعات هامون لا تجلب لنا سوى الغبار والبؤس”.
المستنقع الجاف ما هو إلا دليل واحد على أزمة المياه المتفاقمة في إيران، التي يقول القادة السياسيون إنها من المرجح أن تصبح أكبر تحدّ للبلاد في المستقبل.
وعلى مدى العقود الأربعة الماضية تضاعف عدد سكان إيران إلى 78 مليون نسمة، بينما انخفض هطول الأمطار بنسبة 16 في المائة. ومعدل هطول الأمطار السنوي يبلغ نحو 200 مليمتر، أي نحو ثُلث المعدل العالمي، و75 في المائة منه يهطل فقط على 25 في المائة من البلاد. كذلك ممارسات الري المُسرفة ونمو الصناعة في المناطق القاحلة ساهما في الضغط على الموارد المائية.
ونحو 74 في المائة من الأراضي الرطبة المهمة في إيران “دمرت بصورة خطيرة”، بحسب معصومة إبتكار، نائبة الرئيس ورئيسة منظمة حماية البيئة في إيران.
كذلك مستنقعات هامون لديها القدرة أيضاً على إثارة عدم الاستقرار في المنطقة حيث المنافسة شديدة على الموارد المائية.
وتلوم طهران حكومة كابول على قطع إمدادات المياه عن المستنقعات من خلال بناء سدود وقنوات لمشاريع ري في محافظات قندهار وهلمند ونمروز- على الرغم من أن هناك محللين يُشيرون إلى أن إنشاء إيران خزانات في محافظة سيستان – بلوشستان أسهم أيضاً في تحويل مجرى المياه عن مستنقعات هامون.
وأشار ناصر أحمد نور، سفير أفغانستان في إيران، إلى أن الوضع على الجانب الآخر من الحدود كان “أسوأ بكثير”. وقال في كلمة أمام تجمّع نظمته الحكومة الإيرانية في بلدة زابول الحدودية “منذ أكثر من ثلاثة عقود كانت أفغانستان في حالة حرب، في حين إن إيران كانت تقوم بالتنمية، والتقدّم و(تعزيز) سلطتها”.
ووعد حسن روحاني، رئيس إيران المعتدل، بمعالجة أزمة المياه في البلاد وأعطى أهمية خاصة لمستنقعات هامون، إلى جانب نهر زياندة رود في أصفهان التاريخية، التي شهدت أخيرا تدفق المياه بعد أكثر من عام من الجفاف، وبحيرة أورميا في شمال غرب البلاد التي تقلّصت بشكل يُثير القلق.
لذلك دعت السلطات البيئية في إيران مختصين من الخارج لإنقاذ الأراضي الرطبة. وقالت إبتكار في هامون الأسبوع الماضي “إن المنظمات الدولية لديها مسؤولية لمساعدة إيران على التكيّف مع تغيّر المناخ، الذي ألحق أضراراً بالغة بالبلاد”.
وأضافت أن “إيران جعلت معالجة أزمة المياه فيها من الأولويات الوطنية، لكنها تحتاج إلى المعرفة الفنية والتعاون الإقليمي والدولي وكذلك التمويل”. مع ذلك، العقوبات الدولية بسبب برنامج إيران النووي تجعل من الصعب على المانحين الأجانب تقديم المساعدة المالية لطهران. ويقول محللون إيرانيون ومسؤولون غربيون “إن الضغط من واشنطن يحُد أيضاً من معظم المساعدات الأخرى للنظام الإسلامي. كذلك انخفاض أسعار النفط في الشهور الأخيرة أسهم في زيادة الضغوط على ميزانية الحكومة الإيرانية”. جاري لويس، الممثل المُقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في طهران، قال “إن الأزمة في هامون لا يُمكن حلها من قِبل بلد واحد فقط – وإن الأمر في الواقع بحاجة إلى إجماع”.
وبالنسبة لسكان هامون ربما يكون قد فات الأوان. فقد أصبحت المنطقة موطناً لأقليات عِرقية ودينية وهي منذ فترة تُعاني تهريب المخدرات والعنف. كذلك انتشر الفقر وهاجر آلاف الأشخاص إلى مدن أخرى لأن مصادر رزقهم جفت حرفياً.
نسرين، مهندسة التربة والمياه، التي تبلغ من العمر 24 عاما، تقول “إنها وشقيقتيها الأصغر هن الآن بلا عمل، وليست هناك آفاق لزيجات جيدة، وإن الغبار من هامون لم يُبقِ لهن أملا يذكر في أن حياتهن ستتغير”. وتقول وهي تتنهد “نحن نشعر وكأن العالم ينتهي هنا”.