أحمد صالح ـ عبدالناصر منصور ـسامية فخرى ـ حلمى الشرقاوى
طرح الرئيس الروسى بوتين خلال زيارته للقاهرة الاسبوع الماضى فكرة استخدام الروبل الروسى والجنيه المصرى لتسوية الحسابات فى التعاملات التجارية الثنائية بين مصر وروسيا بدلا من الدولار بم ا يفتح افاقا جديدة للتجارة والتعاون بين الطرفين .
وقد لاقي اقتراح بوتين ـ والذى أكده وزير التجارة الروسى خلال الزيارة ـ ترحيبا لدى الخبراء والمتخصصين باستثناء بعض التحفظات ، هذه الآلية فى اتمام التعاملات التجارية يجرى تطبيقها وبنجاح منذ سنوات داخل دائرة تجمع دول »البريك« حيث بدأت بها الصين ثم سرعان ما امتدت لتشمل دولار فى أمريكا اللاتينية الأمر الذى يمكن أن يمثل نموذجا تطبيقا أمام البنك المركزى المصرى عندما يضع الاجراءات التنفيذية لهذا الاتفاق مع السلطات الروسية خاصة وأنه سبق لمصر تطبيق نظام الصفقات المتكافئة فى مرحلة الستينيات فى التبادل التجارى مع الاتحاد السوفيتى السابق.
وتمحورت رؤية المؤيدين لهذا الطرح حول استفادة مصر بشكل كبير من التعامل بالروبل فى ظل ترجيح الميزان التجارى البينى لصالح روسيا حيث يبلغ حجم التبادل التجارى ٤.٣ مليار دولار ٠٩٪ منها صادرات روسية لمصر ، وبالتالى استخدام الروبل سيؤدى الي تخفيف ضغط المستوردين المصريين علي الدولار، كما سيزيد من قيمة الجنيه عندما يتعامل به ٣ ملايين سائح روسى يأتون لمصر سنويا يمثلون ٠٣٪ من اجمالى السياحة الوافدة.
فى المقابل اغلب المصدرين يفضلون الدولار على أى عملة أخرى لاسيما فى ظل ضعف الروبل وعدم وجود مؤشرات علي عودة ارتفاعه أمام العملات الأخرى وبعد أن فقد ٦٤٪ من قوته أمام الدولار.
التحقيق التالى يرصد رؤية مختلف اطراف السوق حول هذه الآلية الجديدة بداية يؤكد الدكتور شريف دولار الخبير الاقتصادى أن الاقتصاد الروسى والمصرى يواجهان نفس المشكلات رغم تباين الأسباب بعض الشئ فى كلتا الدولتين فروسيا تعانى بسبب انخفاض اسعار البترول والحصار الغربى وهو ما أدى فى النهاية الي تراجع قيمة عملتها وكذلك الأمر فى مصر .
والازمة المتشابهة حاليا تؤكد أن التعاون الاقتصادى والتجارى والتعامل بالعملات المحلية فى كلتا الدولتين يعد ملائما جدا مرحليا.
واشار الى أن مصر ترغب بشكل كبير فى تشجيع السياحة الروسية تمثل ٠٣٪ من اجمالي عدد السائحين والتعامل بالجنيه والروبل فى صالح السائح الروسى لأنه لن يجد صعوبة فى الدفع كذلك فإننا فى مصر بعد الاتفاق علي انشاء محطات للطاقة النووية وشراء اسلحة روسية فإننا سنحتاج الي الروبل للدفع بدلا من الدولار اذا ما تم الاتفاق بين الجانبين المصرى والروسى علي الدفع بالروبل.
وتابع التعامل التجارى بين مصر وروسيا بالروبل سيخفف من حدة أزمة الدولار التى نعانى منها وسيعمل علي توجيه الدولار لنواح أخرى اساسية تحت حاجة شديدة اليها.
وقال دلاور إن هذا الشكل من التعاون هو حل برجماتى وليس سياسىا وهو يناسب السياسات المالية والنقدية فى البلدين بعكس فترة السيتينات التى كانت السياسة محركا رئيسىا فيها.
وقال الوضع مختلف فى تعاملات دول البريكس والتى تضم البرازيل وروسيا والهند والصين ولايوجد تشابة مع الوضع الحالي فى مصر .
يشترط د. فخرى الفقى استاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة أن تكون التعاملات بين مصر وروسيا علي قدم المساواة ـ بما يخدم مصلحة الطرفين.
وتابع الظروف الحالية تخدم هذا النوع من التعاون ،وحديث البعض عن مخالفة ذلك لبنود منظمة التجارة العالمية مردود عليه بالظروف الاقتصادية لكلا الدولتين التى تتشابه الي حد كبير فعملتهما المحلية تراجعتا أخيرا بنسب ٨٪ للجنيه المصرى و٦٩٪ للروبل مقابل الدولار الامريكى، وقال ذلك لا يعنى تنحية الدولار تماما فهى العملة الأقوى عالميا ولكن الظروف المصرية الروسية تخدم هذا التوجه وتدفع فى طريقه بقوة.
واشار الي أن التعامل بالعملات المحلية بين مصر وروسيا سيعزز من فرص نمو الاستثمارات المشتركة الي جانب النجاة ولو نسبيا من تقلبات الدولار التى تشهدها الاسواق العالمية بين الحين والآخر.
بينما يرى أحمد الحسينى الخبير المصرفى أن الروبل يعانى مشكلات فى روسيا ويجب وضع ذلك فى الحسبان وهو مايعنى أن الاعتماد علي الدولار فى الاحتياطى الاجنبى أمر لاغنى عنه .
وتابع هذا الاتجاه يخدم مصلحة البلدين وهو مرتبط بالحالة المصرية ولايجب أن يكون توجها عام فى التعاملات الخارجية .
ومن جانبه رحب عبد المطلب عبد الحميد رئيس قسم الاقتصاد باكاديمية السادات للعلوم الادارية بالاتجاه نحو استخدام العملتين المحليتين فى التعاملات التجارية الثنائية بين مصر وروسيا معتبرا ذلك تخفيفا سريعا علي البنك المركزى واحتياطى العملة الأجنبية والدولار لديه ووقف النزيف الحالى نتيجة نقص مصادر العملة الأجنبية .
ومن جانبه شدد نبيل عبد الحكيم الخبير المصرفى على ضرورة وجود توازن نسبى فى التبادل التجاري بين مصر وروسيا قبل البدء فى التعامل بالروبل والجنيه خاصة ان روسيا لها النصيب الأكبر فى حجم الصاردات الى مصر وبذلك فإن روسيا سيتراكم لديها قدر كبير من الجنيه وهو ما يصعب تسويقية عالميا .
< الدكتورة عالية المهدى عميدة كلية الاقصاد والعلوم السياسية السابقة قالت ان قوة الدولار جاءت متتابعة وكانت اهم مراحل القوى خلال زمن البترول فى السبعينيات والثمانينيات ، حين تم الاتفاق علي عدم بيع أى برميل بغير الدولار ووافقت الدول المنتجة للبترول ولكن عندما قوى اليورو تراجع الدولار نسبيا لكنه عاد للارتفاع ولم يستطع اليورو ان يخفض حجم التعاملات الدولارية ، وأخيرا صعد الفرنك السويسرى بعدما اشترطت سويسرا التعامل به وصعد بالفعل امام اليورو ، توازى مع هذا الإجراء قيام الصين - أكبر دولة تجارية بوقف التعامل بالدولار في تعاملاتها الدولية ولم يكن امام روسيا للرد على الحصار الاقتصادى لها سوى الانضمام للدعوة الصينية في استبعاد الدولار من التعاملات كأحد أشكال الرد التجاري على الحصار . تضيف د . عالية ان روسيا تبحث عن اقامة علاقات اقتصادية مع الدول الاستراتيجية ومن ضمنها مصر ، وبالتالى مع رغبتها فى تقويم العلاقات مع مصر ان يكون التبادل التجارى بعملتى الدولتين حفاظا علي قيمتهما . كما تفكر روسيا فى اقامة منطقة تجارة حرة مع بلا روسيا وكازاخستان ومصر فى اطار الانضمام لدعاوي عالمية تنادى بالتصدى لهيمنة الدولار وخلخلة موقفه كعملة تجارية اساسية ، وبالتالى عندما تتعامل مصر تجاريا بغير الدولار فإن ذلك سيؤدى الي تخفيف الضغط على العملة الامريكية وسيخفض تكلفة المنتجات والخدمات . ويري أحمد شيحة رئيس الشعبة العامة للمستوردين ان تعامل مصر وروسيا تجاريا دون وساطة الدولار سيحد من المضاربات فى السوق المصرى وسوف تتحقق قيمة مضافة لمصر وتنخفض تكلفة الاستيراد وهو مايذكرنا بالصفقات المتكافئة التي تمت في الستينيات بين مصر وروسيا ، لكنها الآن تتم بشكل عصرى مستحدث ، مشيرا الى ان القيمة الحقيقية للدولار فى مصر لا يجب ان تتعدى 5 جنيهات وليس 8 جنيهات ، كما هو الحال الآن . أضاف شيحة ان حجم التبادل التجارى بين مصر وروسيا يبلغ 3.4 مليار دولار منها 3 مليارات صادرات روسية لمصر و500 مليون دولار صادرات مصرية لروسيا ورغم ان هذه الارقام تظهر ان الميزان التجارى يميل لصالح روسيا الا ان تحويل 90٪ من التعاملات التجارية للسلع والخدمات التى تستوردها مصر لغير الدولار هو امر سيعود بالفائدة على المستورد بعض الشىء ولكن الفائدة الأكبر سوف تتمثل فى جذب - العديد من السياح الروس الي مصر لأنهم سينفقون بالجنيه المصرى . رغم ترحيب الباشا ادريس رئيس شعبة المصدرين بالغرفة التجارية بالقاهرة بأى قرار يعيد التوازن للجنيه ،الا انه ألمح الى ان المصدرين يفضلون ان تكون الحصيلة دولارية ، مشيرا الى ان موقف الروبل متذبذب والدولار له قوته ولكن التعامل بالجنيه سيحقق مصلحة للبلد فى ظل ميل الميزان التجارى بين مصر وروسيا لصالح الأخيرة . فى المقابل أكد الدكتور وائل النحاس الخبير الاقتصادي أن موضوع مبادلة التجارة بين مصر وروسيا بالجنيه والروبل ليس له أى جدوى حيث ان الروبل يعانى من مشاكل اقتصادية كبيرة وانخفض من ٠٤ - ١٥٪ خلال الفترة الماضية علي أثر تأثره بأزمة النفط فلو تم وضعه فى سلة عملات سيضعف هذه السلة بالسلب اما بخصوص استخدام الجنيه والتعاملات مع السائح الروسى فان الجنيه يتم التعامل به بالفعل فى منطقة الخليج لكنه اقل بكثير مما يتعامل به في مصر. وقال النحاس إن العقوبات الاقتصادية والتجارية التى تفرض على روسيا فى المرحلة الحالية والقادمة ستمنع من التعامل الدولى علي الروبل الروسى، مما يجعلها عمله غير قابلة للتحويل مما يضعف الموقف الروسى بالتعامل بعملتها دوليا وسيكتفى بالتعامل به عن طريق المقايضة. وقال إن فكرة المقايضة فى الوقت الحالي لابد من التحضير لها مسبقا لعمل اكتفاء ذاتى للسوق ثم يتم تصدير الفائض حيث إن التصدير الزراعى كان قبل الثورة يحقق ٦.٣ مليار جنيه بالإضافة الى توفير احتياجات السياح الزائرين لمصر من الخضراوات والفاكهة لكن بعد ثورة 25 يناير تدهور الانتاج الزراعي نتيجة لفقدان السائح الأجنبي حيث كان يتم توريد المنتج للفنادق والمنتجعات السياحية وبالتالي لابد من علاج ماتم تدميره بعد ثورة ٥٢ يناير ، وذلك قبل تنفيذ المقايضة بتصدير الخضراوات والفاكهة المصرية. ويؤكد المستشار فؤاد حامد الخبير الاقتصادي أن التعامل مع كل العالم يكون من خلال الدولار الأمريكي فقط وهذا من أكبر نقاط الضعف الاقتصادية لأن الاحتياطي النقدى المصري يحسب أساسا بالدولار الأمريكي على الرغم من وجود عناصر أخرى (3 مليارات ذهب) ولكن السيولة المعدة للتداول كلها بالدولار والذهب نفسه يقيم بالدولار عالميا. وقال إن مايحدث عند التعامل مع اليابان مثلا هو ان نحول الجنيه إلى دولار ثم الدولار إلى ين وبالتالي فنحن نشتري منهم بإنفاق الدولار، ولا يوجد سعر صرف مستقل للجنيه أمام أي عملة إلا من خلال الدولار نتيجة لهذا النظام. وأوضح أنه بالنسبة للقرار الأخير الخاص بالتعامل بين مصر وروسيا الاتحادية بالجنيه والروبل ، فمصر وروسيا قررتا أن يتم التحويل مباشرة، هذا سيجعل لدى مصر احتياطيا من الروبل ولدى روسيا احتياطيا من الجنيه مخصصين للتعامل فيما بينهما وهذا ممكن التطبيق في هذه الحالة حيث توجد معاملات تجارية متزايدة بين الطرفين مع عجز في السيولة الدولارية لكليهما وبالتالي تأتي هذه الخطوة لتشجيع التعامل والتجارة والاستثمار لأن المستثمر أصبح لا يحتاج لاعتماد دولاري. وقال ان الدولتين ستحددان سعر تغيير العملة قياسا على سعر الدولار أيضا ولكن الإضافة هنا هي تخطي خطوة التحويل الدولاري وتخفيف الضغط على السيولة الدولارية في البلدين وهذا سيدفع التجار والمستثمرين للعمل والاستفادة من هذا وننتظر تطبيقه على عدة مستويات بالتعامل الفردي والتجاري والمصرفي. وقال د . عبد المنعم السيد رئيس مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية ان توجه مصروروسيا بالتعامل بالعملات المحلية هو احد الحلول التى تواجه مصر وروسيا ،فروسيا عليها حظر تجارى من الاتحاد الأوروبى وامريكا ، روسيا عملت هذه الخطوة مع الصين والهند وإيران فكانت إيران لديها أزمة اقتصادية نتيجة الحظر الذى فرض عليها واليوم عندما يتم التعامل بالعملة المحلية سيخفف الضغط على الدولار( فى ظل انخفاض قيمة الاحتياطى النقدى لكلتا الدولتين . شركات الصرافة : لانتعامل بالروبل يؤكد بلال الخليل نائب رئس الشعبة العامة لشركات الصرافة بالاتحاد العام للغرف التجارية ان الشركات لا تتعامل فى الروبل ، فلا يوجد طلب عليه وقوائم اسعار الصرف فى الشركات خالية من العملة الروسية ، مشيرا الى ان السائح الروسى يفضل التعامل بالدولارلأن قيمته أعلي مقابل الجنيه من الروبل ، ولكن من المتوقع - أن تبدأ حركة الطلب علي الروبل خاصة من المستوردين الذين سيقومون باستيراد منتجات روسية . يذكر أن الدولار يساوى 65 روبلا حاليا وتبلغ قيمة الروبل الواحد 11 قرشا فقط .