بعد ما يجري اليوم في لبنان أقل ما يُقال فيه إنه يستوجب إعلان “وطن الأرز” دولة فاشلة بكل ما للكلمة من معنى.
فراغ رئاسي منذ أكثر من 9 أشهر وسط عجز تام عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية. مؤسسات دستورية مشلولة من مجلس النواب مرورا بمجلس الوزراء وصولا الى السلطة القضائية العاجزة عن محاكمة ميشال سماحة المضبوط بالجرم المشهود في نقل متفجرات وعبوات من سوريا الى لبنان لخلق فتنة وقتل أبرياء.
دويلة أقوى من الدولة بسلاحها وتنفذ أجندات إقليمية على حساب المصلحة الوطنية. حدود سائبة ومتفلتة من أي حسيب أو رقيب، ومسؤولون عاجزون عن القيام بأبسط واجباتهم.
في اختصار يجمع لبنان اليوم كل مواصفات الدولة الفاشلة بدرجة امتياز وتفوّق. والأسوأ أن المسؤولين على مختلف المستويات في الدولة والإدارة اللبنانية مستسلمون لعجزهم التام. فلا رئيس مجلس النواب يقوم بأي مبادرة لتأمين انتخاب رئيس جديد للجمهورية لإعادة انتظام عمل المؤسسات، وقسم من النواب يصرون على تعطيل جلسات انتخاب رئيس جديد للجمهورية ويضربون عرض الحائط بالدستور، ويمددون لأنفسهم في استسلام تام للعجز العام. الوزراء يتصرفون وكأنهم باقون أبداً في مواقعهم بفعل العجز عن انتخاب الرئيس، ويستطيبون الإقامة في وزاراتهم.
أما الأجهزة الأمنية والعسكرية فخاضعة لمنطق عجز الطبقة السياسية عن مواجهة مشروع الدويلة التي تنخرط في حروب من سوريا والعراق مرورا باليمن والبحرين وصولا الى بلغاريا والأرجنتين وغيرها.
والأفشل من كل ذلك أن الشعب اللبناني لا يحاسب المسؤولين، لا بل يعيد إنتاج الطبقة السياسية إياها في ظل تبعية عشائرية ومذهبية من دون أفق كنتيجة حتمية لعدم تأسيس دولة حقيقة منذ الاستقلال وحتى اليوم، باستثناء بعض المحاولات التي لم يُكتب لها النجاح لأسباب لا مجال لتعدادها.
ماذا بعد؟ هل من أمل يلوح في الأفق؟ للأسف لا شيء يبشّر بانفراج قريب. فلا انتخابات رئاسية في الأفق قبل جلاء الصورة الإقليمية بالكامل. ومخطئ من يراهن على انتهاء المفاوضات النووية الإيرانية- الأميركية في الأشهر القليلة المقبلة. هكذا يبدو من المستحيل جلاء الصورة لبنانياً في ظل غرق البعض في تنفيذ الأجندة الإيرانية في لبنان، ومن لبنان الى البحرين مرورا بسوريا والعراق واليمن. وكل هذا الواقع يجعل من المستحيل الرهان على أي تطوّر إيجابي في الملفات العالقة من انتخاب رئيس جديد للجمهورية مرورا بإقرار قانون جديد للانتخابات النيابية وإجراء الانتخابات وصولاً الى إعادة تشكيل السلطات الدستورية بالكامل والعودة الى الحياة السياسية الديمقراطية.
وإذا كانت فئات كثيرة لبنانية، من قوى 14 لآذار و8 آذار على حد سواء، متضررة من الواقع القائم، فإن “حزب الله” يبدو وحده المستفيد من انهيار الواقع الدستوري في لبنان وضرب صيغة “الطائف”، وذلك في رهان واضح منه بالسعي الى تغيير النظام اللبناني وتحقيق مكاسب مذهبية في مرحلة مفصلية تمرّ بها منطقة الشرق الأوسط قد تحدث تغييرات جذرية في شكل بعض الدول وأنظمة الحكم فيها.
هل يعني كل ذلك أن علينا الاستسلام؟ طبعاً لا. فلبنان عالق في منطقة متحركة منذ فجر التاريخ، لكنه صامد رغم كل الهزات. مرّت احتلالات عدة على هذا الوطن الصغير في الجغرافيا، ولكن الغارق في جذور التاريخ، ورحل المحتلون وبقي لبنان.
واليوم لن يكون استثناءً عمّا سبق. فلبنان لن يكون جزءًا من ولاية فقيه ولا يمكن أن يكون جزءًا من إمارة دينية. سيبقى لبنان فريداً من نوعه بتعدده وإصرار أبنائه على الحفاظ على حرياتهم مهما بلغت التضحيات. المهم بعض النضوج السياسي والابتعاد عن الشخصانية حتى نحاول أن نوفر على أنفسنا دفع المزيد من الأثمان.
في عصر التكنولوجيا، قد يكون ما يحتاجه البعض في لبنان هو عملية Formattage لنزع التبعية من نفوسهم وإعادة تنزيل مبدأ الولاء للبنان أولاً وأخيراً!