عدنان كريمة
مع بدء تدهور أسعار النفط، وبالتحديد في آب (اغسطس) 2014، أعلنت الحكومة الجزائرية انها ستطلق خطة استثمارية جديدة مدتها خمس سنوات تمتد بين عامي 2015 و2019 قيمتها 260 بليون دولار لتعزيز الانتاج المحلي وتنويع مصادر الدخل بهدف خفض اعتماد الاقتصاد على النفط والغاز والذي تصل نسبته الى 97 في المئة.
وعلى رغم أهمية هذه الخطة التي لم تر النور حتى الآن، وربما تعرقل تنفيذها في المدى المنظور بسبب صعوبة تمويلها مع تراجع ايرادات النفط، فقد جاءت متأخرة كثيراً، على الأقل مدة تزيد على 28 سنة، عندما بدأ التفكير بها بعد اخطر صدمة نفطية بانهيار الأسعار عام 1986، وما نتج منها من تداعيات على الاقتصاد الجزائري، خصوصاً في تدهور المستوى المعيشي وارتفاع نسبة البطالة. حتى ان تلك الصدمة كشفت عن هشاشة وضعف المنظومة الاقتصادية التي اصابتها اختلالات هيكلية سواء في الميزان التجاري او في ميزان المدفوعات، ووصل معدل التضخم الى 42 في المئة، وكذلك انخفض معدل النمو الاقتصادي في الفترة 1986 – 1987 الى واحد في المئة، بعدما كان 3.5 في المئة عام 1985. وانهارت عائدات الصادرات أكثر من 42 في المئة الى 7.4 بليون دولار عام 1986، وساهم كل ذلك بارتفاع حجم الدَين العام بحيث قفزت خدمته من 8.27 في المئة من الناتج المحلي عام 1986 الى 21.7 في المئة في 1991، واضطرت الجزائر في ذلك الوقت الى طلب قروض ومساعدات خارجية وتبني خيار الاصلاحات من المؤسسات الدولية والتي كانت تعتبر ورقة ضغط خارجية عليها.
وبعد الإهمال الكبير طوال السنوات الماضية، تواجه الحكومة الجزائرية أزمة اقتصادية جديدة وصفها خبراء جزائريون بأنها أخطر من صدمة الثمانينات. واذا كان وزير المال محمد جلاب قد حاول التخفيف من أثر انهيار أسعار النفط على الاقتصاد الوطني بإعلانه ان موازنة عام 2015 مبنية على سعر مرجعي هو 37 دولاراً للبرميل، فإن تقديرات صندوق النقد الدولي تشير الى ان سعر برميل النفط المطلوب لإحداث تعادل في موازنة الدولة العامة هو 131 دولاراً. ويتضح من ذلك ان تراجع السعر دون 50 دولاراً، من شأنه ان يهدد الاقتصاد الجزائري بأزمة مالية وركود اقتصادي، فضلاً عن أزمات اجتماعية تتجلى بارتفاع نسبة البطالة التي تزيد حالياً على 10 في المئة، وترتفع الى 26 في المئة بين الشباب، كنتيجة طبيعية لتراجع الانفاق الاستثماري وصعوبة تمويل مشاريع التنمية.
سبق للجزائر ان استفادت من ارتفاع أسعار النفط في السنوات اللاحقة لأزمة الثمانينات، وتمكنت من تأمين عائدات مالية، لا سيما عام 2008 عندما ارتفع سعر البرميل الى 140 دولاراً، واستطاعت تسديد معظم ديونها التي كانت عام 2000 نحو 20.4 بليون دولار، وانخفضت تدريجاً حتى أصبحت لا تزيد على 375 دولاراً نهاية عام 2013.
وفي تلك السنوات التي شهدت خلالها ازدهاراً مالياً، قال بعض خبراء الاقتصاد عن الجزائر انها «دولة فقيرة لكنها تتصرف كالأغنياء». وبعدما كانت في التسعينات تسعى الى تسوية ديونها مع دول «نادي باريس»، قامت في 2010 بإلغاء ديون قيمتها نحو 1.6 بليون دولار مستحقة لها في ذمة دول عربية وافريقية، منها العراق واليمن بمبلغ 500 مليون دولار وقبلهما فييتنام بـ 200 مليون. اما الدول الافريقية وعددها 15، فقد استفادت من إلغاء ديون مستحقة عليها للحكومة الجزائرية تبلغ 900 مليون دولار، هي بنين وبوركينا فاسو والكونغو وأثيوبيا وغينيا، وغينيابيساو وموريتانيا ومالي وموزمبيق والنيجر وساوتومي وبرانسيبي، والسنغال والسيشل وتنزانيا. وقد تم تقديم المساعدات المالية لهذه الدول بشطب ديونها، بمناسبة الذكرى الخمسين لانشاء منظمة الوحدة الأفريقية، وأدرجت في اطار التضامن الأفريقي، وهي (وفق إعلان الحكومة الجزائرية)، تجسد الإرادة السياسية للحكومة الجزائرية في الوفاء كلياً بالتزاماتها من أجل تحقيق الترقية الاقتصادية والاجتماعية.
اما موازنة الجزائر للعام الحالي، فهي تفوق 109 بلايين دولار مع عجز بمقدار النصف تقريباً، على أساس تقدير الواردات بنحو 57 بليون دولار. وستضطر الحكومة الى سد هذا العجز من صندوق ضبط الايرادات الذي لديه حالياً أكثر من 55 بليون دولار، وكان يمول من الفارق بين السعر الحقيقي لبرميل النفط والسعر المقدر في موازنات السنوات الماضية، فضلاً عن الاستفادة من احتياط صرف كبير يقدر بـ194 بليون دولار، مع العلم ان الجزائر تحتل المركز الثالث عربياً بعد السعودية ولبنان، بما تملك من احتياط ذهب والذي يقدر بـ 173.6 طن.
نذكر أخيراً ان الجزائر تتطلع الى استغلال الغاز الصخري الذي تمتلك منه احتياطاً يقدر بـ 707 تريليون قدم مكعبة، وهي تأتي في المرتبة الرابعة عالمياً بعد الولايات المتحدة والصين والأرجنتين. لكن المشروع يواجه بموجة احتجاجات شعبية ضد تطوير التنقيب والاستخراج، خوفاً على البيئة والزراعة والمياه الجوفية، فضلاً عن تفشي الأمراض السرطانية بفعل المواد الكيماوية التي تمزج مع المياه المستعملة لتفكيك مسامات الصخور، وتسربها الى المياه الجوفية التي تستعمل للشرب.
وفي محاولة لتهدئة الاحتجاجات الشعبية، اعلن رئيس الوزراء عبد المالك سلال ان استغلال الغاز الصخري في جنوب البلاد لن يتم قبل عام 2020.