IMLebanon

بريطانيا على مشارف الحدود السياسية للتقشف

UKBritishSalary1
مارتن وولف

الانتخابات العامة المقرر عقدها في السابع من أيار (مايو) 2015 لحظة مهمة في تاريخ بريطانيا. هناك شك كبير بشأن حصص الأحزاب في مجلس العموم المقبل. إحدى النتائج المحتملة هي استفتاء على مستقبل بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، الذي سيؤدي إلى خروج بريطانيا من الاتحاد ومن ثم خروج اسكتلندا من المملكة المتحدة. وهذا ليس كل شيء. فمن بين التساؤلات سؤال يقول: ماذا يريد الجمهور من الدولة أن تفعل، وما إذا كان على استعداد لدفع الثمن؟

كما هي الحال دائماً “الميزانية الخضراء” التي نشرها معهد الدراسات المالية تقدّم عرضاً ممتازاً. إنها تظهر نقطتين كبيرتين. الأولى، أن الاختلافات بين الأحزاب كبيرة. والأخرى، أن الضغط من أجل زيادة الضرائب سيكون قوياً.

يذكر معهد الدراسات المالية أن الخطط التي تم الإعلان عنها في بيان الخريف في كانون الأول (ديسمبر) الماضي تنطوي على تخفيض حقيقي آخر بنسبة 14 في المائة في الإنفاق الإداري بين العامين الماليين 2015 /2016 و2019 /2020. وهذا الرقم أكبر بكثير من التخفيض الحقيقي بنسبة 9 في المائة المتوقع تحقيقه بين 2010 / 2011 و2015 /2016. لكن هذا أمر مبالغ فيه. حتى في ظل القواعد المالية لحزب المحافظين، التي تدعو إلى وجود فائض عام، فإن التخفيض الإضافي يحتاج إلى 8.3 في المائة فقط. وفي ظل قواعد حزب العمال والحزب الديمقراطي الليبرالي (التي تدعو لفائض في الميزانيات الحالية الفعلية أو المُعدّلة دوريا)، فإن التخفيضات الحقيقية لا تحتاج لأن تكون أعلى من 2 في المائة. والاختلافات بين أهداف الأحزاب لها آثار كبيرة بالنسبة للتقشف المطلوب. وهي تُظهر أيضاً أن حزب العمال والحزب الديمقراطي الليبرالي أقرب بكثير لبعضهما بعضا مما هما لحزب المحافظين.

وكلما زادت قناعة الحزب بشأن الحاجة لتحقيق فائض مالي عام، فمن المرجح أن تكون الزيادات الضريبة لازمة أكثر. وتجارب الضغوط على الإنفاق العام تُعزز هذه النقطة. لقد أصبحت الدولة تُركّز بشكل متزايد على توفير خدمات الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي، التي تشكّل تقريباً نصف جميع الإنفاق العام في العام المالي 2013 / 2014. وكلاهما مدفوع بالإنفاق على كبار السن الذين من المقرر أن يزيد عددهم ضمن السكان بشكل كبير.

ويُلاحظ معهد الدراسات المالية أنه ضمن ميزانية الضمان الاجتماعي “فإن الإنفاق على المتقاعدين من المتوقع فعلاً أن يكون 6.2 في المائة أعلى من حيث القيمة الحقيقية في عام 2015 / 2016 مما كان عليه في عام 2010 / 2011، في حين إن الإنفاق على غير المتقاعدين من المتوقع أن يكون أقل بنسبة 6.5 في المائة”. باختصار، كبار السن يكسبون على حساب أولئك الذين في سن العمل (وعلى حساب أطفالهم). علاوة على ذلك، بين 2007 / 2008 و2013 / 2014، ارتفعت نسبة إنفاق الخدمة العامة على الرعاية الصحية من 24.5 في المائة إلى 27.4 في المائة، في حين إن الإنفاق على التعليم بقي عند 19.1 في المائة. في الوقت نفسه، انخفض الإنفاق على الدفاع من 8.2 في المائة إلى 7.7 في المائة، وعلى النظام والسلامة العامة من 7.7 في المائة إلى 6.4 في المائة.

النتيجة الواضحة هي أن مجالات الإنفاق الأكثر حساسية سياسياً، وبالتالي أكثر حماية، كانت تشكل نسبة متنامية من المجموع. في النهاية، هذا يعني أن التخفيضات في مجالات أخرى تحتاج إلى أن تكون حادة جداً، حتى ضمن ميزانية حزب العمال والحزب الديمقراطي الليبرالي الأكثر سخاءً. وهذا الأمر يُثير تساؤلات بشأن الجدوى والرغبة. أحد المجالات البارزة هي الدفاع. وفقاً لمعهد الدراسات المالية، ينطوي بيان الخريف على تخفيض هائل بنسبة 36 في المائة في الإنفاق الحقيقي على الدفاع بين عامي 2015 / 2016 و2019 / 2020. وهذا بالتأكيد سيعمل على تقليص مكانة المملكة المتحدة بحيث تكون مجرد متفرج. والجدير بالملاحظة أن حزب المحافظين على استعداد لقبول هذا الأمر. مع ذلك، حتى في ظل حزب العمال، من المرجح أن تكون هناك تخفيضات.

ثمة تحدّ أكبر في مجال المالية العامة هو الرعاية الصحية، وكذلك غيرها من مجالات الإنفاق التي تتعلق أساسا بالعمر. يبدو من غير المعقول أن الجمهور سيكون راضياً عن الإنفاق الحقيقي القريب شبه الثابت على الرعاية الصحية خلال برلمان آخر. لكن كلما زاد الإنفاق الحقيقي أكثر على الرعاية الصحية، زاد الضغط الضمني في أماكن أخرى، ليس فقط على المجالات الأصغر مثل الدفاع، لكن حتى في الإنفاق على التعليم والضمان الاجتماعي. في مرحلة ما – من المرجح أن تكون أثناء البرلمان المقبل – سيتم الوصول إلى الحدود السياسية للتقشف. عندئذ، ستنشأ الخيارات المؤلمة: البدء بفرض رسوم استخدام كبيرة؛ أو زيادة الضرائب؛ أو توفير الخدمات بمعايير أقل بكثير مما يتوقعه الناس الآن. وراء هذا سيكون صراع بين الشباب وكبار السن وبين الناجحين والأقل نجاحاً.

إذن، ما الذي نحتاج إلى فهمه؟ أولاً، نتيجة الانتخابات ستُحدِث فرقاً كبيراً بالنسبة للتقشف. ثانياً، أن فرض التخفيضات على الإنفاق سيكون أكثر صرامة بكثير، جزئياً بسبب الضغوط المتزايدة من أجل الإنفاق الإضافي على الرعاية الصحية وغيرها من الفئات المتعلقة بالعمر. في الواقع، سيكون من الصعب حتى الحفاظ على الإنفاق في هذه المجالات كنسبة ثابتة من الناتج المحلي الإجمالي. ثالثاً، التخفيضات المقررة تضع دور المملكة المتحدة في العالم موضع تساؤل. وأخيراً، كلما زادت أهمية تقديم تخفيضات مستدامة في الدين العام، مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي، من المرجح أن تكون زيادة الضرائب ضرورية أكثر.

الاختيارات المقبلة صعبة. لذلك يجب ألا نجعل السياسيين يدّعون أن الحال بخلاف ذلك.