ماجد منيمنة
يكثُر الحديث عن التنمية المستدامة، والتي يزعم المسؤولون أنها جاءت لإنقاذ لبنان من السكتة القلبية، فجندت كل الوسائل لإنجاحها. وبعد سنوات من هذه التنمية يبقى السؤال: إلى أي حد حصلت حقاً تنمية في البلاد؟ وهل تم التغيير، فإلى أي حد يمكن اعتبارها تنمية للحجر والبشر؟ ليبقى التساؤل الكبير على ماهية التنمية الحقيقية وإلى أي حد نحن مؤهلون ونسير في طريقها الصحيح؟
التنمية هي عبارة عن رفع النمو، علاوة على التغيير الذي لا يقتصر على البعد الاقتصادي والكمي فحسب، إنما يمتد ليشمل الأبعاد الاجتماعية والثقافية والحضارية أيضا. كما أن معايير التنمية تقاس حسب قيمة الدخل القومي الإجمالي، مستوى التعليم، نسبة الأشغال، نسبة الأمل في الحياة، توزيع الدخل، عدد الأطباء، عدد المستشفيات، مستوى الخدمات الصحية، إمكانية الحصول على مياه الشرب الصحية، تطبيق الديمقراطية… إلخ، وبذلك فإن مدى تحقيق التنمية في بلد ما، أو عدمه، يمكن معرفته من خلال هذه المعايير، إضافة إلى ما تقدم فإن عملية التنمية من الممكن أن تتلكأ في بلد ما بسبب وجود مجموعة من المعوقات، تقسم إلى قسمين هما:
* معوقات خارجية: متمثلة باحتلال الأراضي، والحروب، والأعمال العسكرية، والنزاعات المسلحة، والحصارات الاقتصادية… إلخ.
* معوّقات داخلية: منها الفقر، الفساد الإداري، وغياب الحريات، غياب الديمقراطية، تهميش دور المرأة، انخفاض مستوى التعليم والثقافة، تفشي ظاهرة الأميّة، تجاهل حقوق الأقليات وعدم الاعتراف بها، غياب الأمن وزيادة الهجرة… إلخ.
لو تأملنا في وضع لبنان فإن سيادته منقوصة وتمارس عليه، بشكل أو بآخر، ضغوطات من قبل القوى السياسية بما يتلاءم مع المصالح الخاصة، وبالتالي فإن مشاريع التنمية وعلى كافة الصُعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية مرتبطة إلى حد ما بمدى رغبة القوى السياسية والحزبية بتحقيق هذه المشاريع. هذا من جانب، ومن جانب آخر، فلبنان بلد مثقل بالديون وما يحصل عليه من إيرادات في الوقت الحاضر، لا يغطي المشاريع المطلوبة، لذلك فإن تكاليف المشاريع مالياً معتمدة اعتماداً كلياً على الأموال المخصصة من قبل الدول المانحة، وهذه الدول لحد الآن، وعلى الرغم من المؤتمرات العديدة التي عقدت، لم تفِ بالتزاماتها حيال لبنان، وبذلك شكل هذا الأمر المعوّق الثاني نحو تحقيق التنمية الوطنية.
أما المعوّق الثالث للتنمية فهو الأمن، والآخر يعد حاجة أساسية هامة في سلم أولويات الفرد والمجتمع، لأنه يمثل الوعاء الذي يحتوي جميع المكونات الأخرى، والأمن هنا هو عدم تعرّض الفرد إلى أي عمل من الممكن أن يعرّض حياته إلى الخطر إلى جانب الأعمال العسكرية، والمثال على ذلك تأمين وصول الغذاء والماء والدواء والخدمات الأخرى الضرورية لبقاء الإنسان على قيد الحياة. لو قسمنا ما تعنيه هذه المفردة على وضع لبنان لوجدنا أن الأمن، وبأشكاله كافة، يعاني من حالة تذبذب مستمرة مما انعكس سلباً على التنمية في لبنان.
المعوق الرابع للتنمية في لبنان هو الفساد الإداري والمالي، هذه الظاهرة نابعة من ضعف القوانين والتشريعات الرادعة، وغياب الرقابة والمساءلة، الناتجة عن الإرباك وعدم الاستقرار الذي تعاني منه المؤسسات السياسية الموجودة في البلد، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى تأجيج الصراعات بين الفئات الاجتماعية المختلفة، ويحد من عملية الحراك السياسي العادل، ويحول دون بلوغ عملية التنمية التي تتوخاها الدولة لأنه يعمل على هدر وتبذير الأموال العامة والطاقات والكفاءات البشرية.
المعوق الخامس للتنمية في لبنان هو انخفاض مستوى التعليم والثقافة لدى المجتمع، إذ نجد أن ظاهرة الأميّة أصبحت سمة متميزة وبارزة داخل المجتمع اللبناني، ويزيد عليها الكم الهائل من النازحين السوريين وأولادهم الذين لا يرتادون المدارس مما سوف يخلق جيلاً أميّاً غير مثقف، مما سوف يزيد من عامل الجريمة، وهذه الظاهرة لها مردودات سلبية كبيرة جداً على المجتمع برمته. باختصار فإن هذه التنمية قد أغفلت قطب الرحى في أي تنمية ألا وهو المواطن، الذي فقد الثقة في هؤلاء المسؤولين الذين نهبوا الاعتمادات المخصصة لهذا الإنماء.
لقد ذكرنا آنفاً، أن التنمية هي ليست اقتصادية فقط بل هي تنمية سياسية واجتماعية وثقافية… إلخ، وبذلك فإن عملية تحقيق الأجزاء الأخرى من التنمية سياسياً، اجتماعياً، وثقافياً تحتاج إلى دور الفرد اللبناني وإلى رؤيته وإلى رأيه وإلى وجوده. وإذا كانت المعلومات التي يمتلكها الفرد قليلة وهو يعاني من الجهل وضعف في الثقافة العامة، فبالتأكيد لن يعطي رأيه الصحيح حول موضوع ما، وإنما سيصبح أداة بيد جهات أخرى توجهه يميناً أو شمالاً من دون أن يعرف ما هو الخطأ والصواب مما يؤدي إلى خلق تنمية غير حقيقة داخل المجتمع، ويجعل من المواطن تبعية لأهواء السياسيين. ومن أجل تحقيق تنمية متكاملة في البلد وبكافة جوانبها، ينبغي الاهتمام بالأمور التالية:
1 – السعي الجاد من قبل قوى الأمن والقوات العسكرية والقوات متعددة الجنسيات للسيطرة على الوضع الأمني وإنهاء حالة التذبذب التي يعانيها الوطن.
2 – العمل على تأمين إيصال الاحتياجات الضرورية للفرد من غذاء وخدمات اجتماعية وتحسين مستويات الرعاية الصحية.
3 – رفع المهارات الفنية والإدارية وتطوير الخبرات والكفاءات اللبنانية من خلال إرسالهم إلى دورات تدريبية وتأهيلهم إلى الدول الأجنبية لغرض التعرّف على أحدث التطورات العلمية التي وصلت لها تلك الدول والعمل على نقلها إلى لبنان.
4 – العمل وبكل إخلاص على تسوية الخلافات الداخلية بالشكل الذي يحقق المصلحة للجميع.
5 – تشجيع التعليم في البلد عن طريق المحفزات المادية والمعنوية للطلبة والحدّ من هجرة العقول.
6 – تشجيع المؤسسات الثقافية والتربوية على توعية المواطنين وتثبيت مفهوم التربية المدنية الصحيحة، وبالمقابل على الحكومة اللبنانية تقديم الدعم المادي لهذه المؤسسات للقيام بمهامها الموكلة إليها.
7 – حث وسائل الإعلام على تبني برامج من شأنها أن تنمّي شخصية الفرد تنمية حضارية متطورة.
8 – اعتماد الحوكمة في المؤسسات للحد من الفساد وتثبيت مفهوم الشفافية في جميع مشاريع الأعمال في البلاد كما استخدام التقنية وتوطينها واعتماد أسلوب التخطيط.
9 – الضغط على الدول المانحة، وبالوسائل كافة، لحثها على الإيفاء بالتزاماتها حيال لبنان.
10 – تشديد الرقابة، لا سيما الرقابة المالية والإدارية والقضائية، على أعمال المؤسسات الخاصة والعامة.
11 – تحسين الوضع المعيشي للأفراد من خلال رفع أجور العمل، إنشاء صناديق التكافل الاجتماعي، إعطاء منح لبعض المعوزين… إلخ. وتثبيت مبدأ ثقافة العمل والإنجاز.
12 – فتح قنوات الاتصال المباشر بين المواطن والحكومة للوقوف على أدق التفاصيل، ومن خلال اعتماد مفهوم الحكومة الألكترونية.
13 – ترسيخ قيم المحبة والتسامح والأخوّة بين أبناء الوطن من أجل القضاء على التفرقة والخلافات البينية والدينية والمذهبية التي تؤخر أي تقدم وتجعل من المواطن أسير التطرّف والتخلف.
باتت الآلية التي تُدار بها البلاد من خلال الإدارة العامة ومؤسسات الدولة تعمل على استنزاف المليارات التي ضخت في ميزانيات الدولة، والتي يتم استثمارها لمصلحة شخصية، وبمعزل عن تنمية الموارد البشرية والإنماء المتوازن التي ترهق كاهل الوطن والمواطن, والشواهد كثيرة وهي التي تؤكد مدى التهاون بالبرامج والقرارات الحكومية للوزارات والمؤسسات الحكومية، الأمر الذي عطل فرص تحفيز التنمية وتطوّر الوطن، وفي كل الأحوال فإن ترك أولئك المسؤولين المتسببين فيما آلت إليه الأمور من دون محاسبة يجعل عقارب ساعة التنمية متوقفة دون حراك ولن تبشر البلاد والعباد بمستقبل واعد!