سعت أحزاب اليسار التقليدي الأوروبي إلى استعادة المبادرة إزاء تنامي اليسار الراديكالي واليمين المتطرف، ونددت بسياسة «التقشف الانتحاري»، لكنها دافعت في الوقت ذاته عن احترام الالتزامات المالية بما في ذلك من جانب اليونان.
وحرص القادة الاشتراكيون والاشتراكيون – الديموقرطيون المجتمعون في مدريد، أيضاً على تأكيد «وحدتهم إزاء الإرهاب»، وشددوا على «الدفاع عن القيم الديموقراطية وتعزيز التعاون بين أجهزة الشرطة والقضاء وفي المجال الأمني»، مع مكافحة «المعاداة للسامية وكره الأجانب والمسلمين».
وأقرّ هؤلاء القادة المقدر عددهم بنحو 40، بينهم رئيسا الوزراء الفرنسي مانويل فالس والسويدي ستيفان لوفن ورئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز، ونائب رئيس المفوضية الأوروبية فرانز تيمرمانز، بأن سياسة «التقشف لم تنجح»، وذلك في قرار حول سياسات النمو وسوق العمل حتى ولو دافعوا عن مبدأ «المسؤولية».
وأكد فالس للصحافيين على هامش هذا اللقاء «ضرورة إدارة مالياتنا العامة بجدية، إذ لا نستطيع السماح بتسجيل عجز عام، ويجب خفضه لأننا مسؤولون تجاه الأجيال المقبلة». ورأى أن «التقشف للتقشف و(فرض) سياسات عقابية على الشعوب، يقود إلى تصاعد النزعات الشعبوية خصوصاً إضعاف إمكانات استعادة النمو والقدرة التنافسية لبلداننا».
وقال شولتــز «لا يمكن خفض الدَيـــن العام من دون نمو وعمل». ووافقت على هذا الموقف غالبية المشاركين الذين جـــــاؤوا للاتفـــاق علــــى استراتيجية اقتصادية، فيما يواجه اليسار التقليدي الأوروبي تنامي اليمين المتطرف، وخيارات اليسار المنــــاهض لليبرالية مثل «حزب سيـــريزا» في اليونان و«حزب بوديموس» في إسبانيا.
وما يميز الاشتراكيين في هذين الحزبين هو «المسؤولية»، كما أوضحت رئيسة الوفد الاشتراكي الإسباني في البرلمان الأوروبي اراتخي غارسيا، مؤكدة «وجود أهداف يجب التمسك بها». واعتبرت أن «القدرة على الاستثمار تتطلب التمكّن من مواجهة تسديد الديون». وهكذا كانت اليونان حاضرة بقوة في النقاشات، ورحب فالس على غرار الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بـ «التسوية الجيدة» بين أثينا ومجموعة اليورو، وقال «نعطي اليونان بعض الوقت لتنفيذ التزاماتها»، مشدداً على وجوب «احترامها».
وأعلن شولتز أن ممثلي اليونان المنتمين إلى «حزب سيريزا»، «وافقوا على التفاوض باسم الحكومة وليس كقادة أحزاب، ولا يمكن إطلاق وعود للناخبين «صوتوا لي وغداً كل شيء سيتغير»، مشيراً إلى «حزب بوديموس» الإسباني المعارض للسياسة الليبرالية، والذي يحتل الطليعة في استطلاعات الرأي قبل أقل من سنة على موعد الانتخابات التشريعية المرتقبة نهاية العام الحالي.
واعتمد المشاركون في نهاية الجلسة قراراً تعهدوا فيه العمل على تعزيز القدرة التنافسية في أوروبا عبر برنامج طموح للاستثمار والدفاع عن اليد العاملة ومكافحة عمل الصغار، لكن ليس من دون مرونة. وأيّدوا فرض ضريبة على المعاملات المالية.
وافتتح رئيس الحكومة الإسبانية السابق الاشتراكي فيليبي غونزاليس الاجتماع، داعياً إلى وقف سياسة «التقشف الانتحاري». وأسف إلى أن الاتحاد الأوروبي «يبدو أقل اتحاداً في كل مرة وأكثر إصابة بمرض النزعة القومية».
وانتهى الاجتماع بتوجيه عدد من القادة بينهم فالس وزعيم الحزب الاشتراكي الإسباني بيدرو سانشيز، تحية تكريم إلى ضحايا الاعتداءات الإسلامية الأكثر دموية التي ضربت أوروبا في 11 آذار (مارس) 2004 في قطارات كانت متوجهة إلى محطة أتوشا (191 قتيلاً)، أمام نصب أُقيم ليس بعيداً من المحطة في حديقة «ريتيرو» العامة.