يظهر ان الفراغ يتمدد بسرعة الى خارج المؤسسات السياسية والرئاسية، بما يخدم المزيد من تعطيل المؤسسات، وتعطيل البلاد لحسابات صغيرة او متوسطة الأجل، تتعلق بتقديم الاستحقاقات السياسية والرئاسية على كل اعتبار. واللافت للانتباه ان المشكلات حتى الآن تطاول معظم القطاعات الادارية والاقتصادية، ووصلت إلى اعتاب القضية النقدية والمصرفية، من باب تاخير تعيين لجنة الرقابة على المصارف التابعة لمصرف لبنان، وهي مؤشر يعطي الثقة في حال وجوده، ويخفف منها في حال الفراغ، على الرغم من قدرة حاكمية مصرف لبنان على الحد من الضرر، في تسيير العمل الإداري، لكن هذا الواقع يفترض ان لايدوم طويلا، بما يخدم التمثيل الطائفي أو السياسي لهذا المرجع أو ذاك، او لهذا المسؤول أو ذاك في ظروف بالغة التعقيد، يمر بها البلد والمنطقة بشكل عام، تحتاج الى المزيد من الاستقرار الاقتصادي والمالي والاجتماعي .
فآلية القرار في مجلس الوزراء ستكون عاجزة عن اتخاذ القرار بتعيين لجنة الرقابة على المصارف في غياب الاجماع، وتغليب المصالح الشخصية على المصلحة الوطنية كما يحصل في أكثر الأمور والمشاريع والقضايا الحياتية والادارية. فالبحث الأولي عن مصلحة هذه الفئة أو تلك على حساب المصلحة العامة، وتغليب المكسب الشخصي لهذه المرجعية على حساب المصلحة العامة، واحياناً على حساب المال العام، بما يجير المكاسب لهذه المجوعة أو تلك، والقضايا كثيرة في حال قررنا التعداد والاعلان.
من هذا المنطلق يمكن التوقف عند قضية تعيين لجنة الرقابة على المصارف، المنوط بها مهمة حماية الرقابة على القطاع المصرفي، وهو المعقل الأخير الصامد والمتقدم مع بعض القطاعات الاقتصادية القليلة في لبنان، في ظل الأزمات الاقتصادية والمالية التي تغزو المنطقة والجوار، وصولاً الى بعض مناطق أوروبا، التي تعاني مشكلات مالية ونقدية.
معوقات التعيين والعقد السياسية
في الوضع الراهن هناك ثلاث عقد أو أكثر أمام تشكيل أو تعيين لجنة الرقابة على المصارف.
] أولها العقدة السياسية التي تتعلق بانتخاب رئيس الجمهورية واستمرار الفراغ، حيث يفترض من اللجنة في حال تعيين الاعضاء الجدد ان تقسم اليمين الخاص بالحفاظ على السرية امام رئيس الجمهورية.
من هنا، فان كل مرشح لرئاسة الجمهورية من مصلحته ان يعقّد الامور، وليس تسهيل تسمية الاعضاء، حتى يتم انتخاب رئيس الجمهورية، حتى لا يقال ان استمرارية فراغ الرئاسة لم تعد معضلة امام المؤسسات.
هذا بالاضافة الى عنصر اساسي، وهو صراع الاقطاب على تسمية من يمثلها مارونياً، لاسيما ان العضو الحالي في لجنة الرقابة على المصارف، وهو امين عواد (ماروني) تسمّيه جمعية المصارف، بينما يصر الجنرال ميشال عون على حقه في تسمية العضو الماروني، وهو احدى نقاط الخلاف. كما يصر غيره من الموارنة على اسماء اخرى.
] العقدة الثانية تتعلق بموضوع استقالة رئيس اللجنة اسامة مكداشي، الذي يصر على استقالته وعدم العودة عنها. وهذا عنصر يفترض اعادة تعيين او تسمية رئيس جديد للجنة الرقابة، خلفاً له، حيث تدور الترشيحات حول اسمين هما سمير حمود ومازن سويد (المستقبل)، وهذا التعيين للرئيس يفترض ايضاً اعادة تعيين ومثول اللجنة امام رئيس الجمهورية لقسم اليمين كون التعيينات جديدة.
وهنا تبرز قضية التوافق السياسي، والسؤال عن مدى صلاحية قيام اللجنة، في حال التعيين الجديد، المثول امام مجلس الوزراء مجتمعاً لقسم اليمين. وهذا الواقع يستتبع توافقاً واجماعاً في مجلس الوزراء على التعيينات التي ما زالت غير واضحة. هذا اذا عاد مجلس الوزراء للاجتماعات، خلال وقتٍ قريب، على اساس ان ولاية لجنة الرقابة تنتهي في بداية شهر آذار.
وفي مرحلة الفرز في التسميات، فان الرئيس نبيه بري ما زال موافقاً على تسمية احمد صفا عضو اللجنة الحالي، من دون بروز تسميات اخرى، بينما يستمر الحديث عن تمسك المصارف بالعضو الحالي امين عواد، اضافة الى تداول باسم آخر وهو منصور بطيش (فرنسبنك).
في المقابل، لم تظهر تسميات اخرى في ما خص بدلاء الاعضاء الآخرين، وهم: منير اليان (كاثوليك)، سامي العازار (ارثوذكس). اشارة هنا الى ان لجنة الرقابة على المصارف تتألف عادة من رئيس واربعة اعضاء، يعينها مجلس الوزراء، بناءً لاقتراح وزير المالية، بالتعاون مع حاكم مصرف لبنان.
وكان وزير المالية اعلن في وقت لاحق انه يتعين عليه طرح اقتراح لتعيين لجنة الرقابة على المصارف وانه ملزم بذلك، لكن فتح باب المراجعات والمطالبات السياسية يزيد صعوبة الامر، في خلق الصيغة النهائية التي يوافق عليها كل اعضاء مجلس الوزراء، بعيدا عن المحسوبيات والمطالبات الشخصية.
] العقدة الثالثة والاهم تعود الى تجارب سابقة، وهي عدم الوقوع في فراغ الدور الإداري للجنة الرقابة، وهو الأمر الأقل خطورة، حيث سبق لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة في العام 2010، حيث اضطر الحاكم إلى تولي مهمام لجنة الرقابة نتيجة انتهاء ولايتها والتأخر في تعيين البديل أو التمديد لها. حيث قام بتكليف مديرين تولي المهام الضرورية وتسيير الأعمال، وهو أمر متاح حالياً على اعتبار أن اللجنة تملك مديريات لتسيير الأمور مرحليا في حال الفراغ .
الفراغ الرئاسي وامكانية التمديد
في الخلاصة لابد من التذكير أن لجنة الرقابة تسيير بسرعة نحو التمديد، على الرغم من تمسك رئيسها بتقديم استقالته، حيث يرتقب أن يصار الى الاستمرار في التركيبة القائمة، لعدم وجود رئيس للجمهورية، حيث يشدد البعض على أن الفراغ في لجنة الرقابة ليس أهم من الفراغ الرئاسي، الذي أمامه يفترض أن تقسم اللجنة والاعضاء الجدد اليمين، وليس بالضرورة إذن ان تتأمن حالة التوافق في مجلس الوزراء، وبالتالي الاجماع على الرئيس والاعضاء. فمن مصلحة أي مرشح لرئاسة الجمهورية، له رأي في تعيينات لجنة الرقابة، أن يعطل القضية، لتقديم استحقاق الرئاسة على استحقاق اللجنة، وهذا منطق سياسي يجري تداوله اليوم في الكواليس. وهذا التداول يقدم امكانية التمديد على التعيين في لجنة الرقابة على المصارف.
اخيراً لا بد من اعادة التذكير بان القانون الرقم 28/67 ينص على انشاء لجنة مستقلة للرقابة على المصارف تتألف من خمسة اعضاء ( رئيس و4 عضاء) يعينون بمرسوم في مجلس الوزراء بناء لاقتراح وزارة المالية . جرت العادة التنسيق بين المالية ومصرف لبنان في هذا الصدد، لاسيما ان المصارف مشاركة من خلال اختيار العضو الماروني (أمين عواد حالياً )، إضافة إلى عضو تسميه مؤسسة ضمان الودائع. أما تركيبة اللجنة فتكون برئاسة سني واربعة اعضاء يمثلون الطوائف المارونية والشيعية والكاثوليك والارثوذكس. مع الاشارة إلى أن «القوات اللبنانية» والكتائب يحاولان، من خلال الاتصالات، التوصل إلى تسمية ممثلين لهما في اللجنة، في حال تقرر التعيين، وتم التوافق على اعادة التداول في الاسماء. لكن كل المؤشرات حتى الساعة ترجح امكانية التمديد لمعظم الاعضاء حتى ولو استمر الرئيس مكداشي متمسكاً بخيار الاستقالة. فالتمديد سيكون سيد الموقف، من المجلس النيابي إلى المؤسسات وكذلك التمديد للفراغ الرئاسي . واخيرا فإن هناك من يقول ان عمل لجنة المصارف يقوم على مسالك عمل، من خلال وجود تركيبة إدارية ومديرين يمكن أن تسيّر الأعمال مرحلياً، ولكن غياب الرئيس يعطل أموراً ويعطي إشارات كثيرة حول الوضع الاداري في الرقابة على القطاع المصرفي وهو القطاع الاقتصادي الذي اعطى إشارات كثيرة للأسواق بفعاليته في المساهمة والتعاون مع المؤسسات الدولية في مكافحة تبييض الأموال في ظل فوضى المنطقة.