ديفيد كرو
أول شيء يخبرك به الناس عن تشارلي إيرغن، صاحب المليارات في التلفزيون الفضائي الأمريكي، هو أنه اعتاد أن يكون لاعب بوكر محترفا. ويقول زميل له عمل معه لمدة 20 عاما: “إنه يعرف متى يقوم بالرهانات، ومتى يضاعفها، ومتى يستحوذ عليها، ومتى يخادع”.
ويأمل المساهمون الآن في أن رهان إيرغن، الذي طال أجله لسبع سنوات على موجات الأثير التي اعتادت ربط 336 مليونا من الهواتف النقالة والأجهزة اللوحية في أمريكا، على وشك أن يؤتي ثماره. قفزت أسهم شركة دش، مجموعة تلفزيون الأقمار الصناعية، أكثر من الثلث في العام الماضي، حتى في الوقت الذي حذر فيه من أن أيام المجد قد ولت لصناعة فضائيات التلفزيون المدفوع في الولايات المتحدة.
السبب في ذلك هو أن “دش” تسيطر على كثير من الطيف الترددي الأمريكي، والكثير منه اكتسبته بأسعار رخيصة. الشركة ليس لديها استخدام فوري لذلك – إنها لا تملك شبكة اتصالات لاسلكية، كما أنها لا تعمل على بناء واحدة. لكن كما هو الحال مع عديد من السلع الأخرى، هناك كمية محدودة – وهناك مخاوف من أنها سوف تصبح نادرة. وإيرغن قد لا يحتاج إلى ذلك، لكن شخصا ما سوف يحتاج إليها.
إذا كان النفط والصلب هما الموردين اللذين حددا القرن العشرين، فإن الطيف الترددي هو السلعة التي ستكون هناك حاجة إليها لتوصيل الاقتصاد الرقمي. ومن المقرر أن يشكل تزايد استهلاك الفيديو من مجموعات المحتوى، مثل نت فليكس ويوتيوب، ضغطا هائلا على شبكات الجوال في السنوات الخمس المقبلة، ما يدفع كمية البيانات التي تصل إلى الأجهزة الجوالة من 4.2 مليار جيجابايت هذا العام إلى 24.3 مليار جيجابايت بحلول عام 2019، بحسب شركة سيسكو.
ويقول جوناثان شابلن، المحلل في معهد أبحاث نيو ستريت: “نحن على مسار حيث الطلب في الولايات المتحدة يتغلب على العرض، ربما سيكون ذلك بحلول عام 2018 أو عام 2019، على الرغم من أن ذلك يمكن أن يكون بسهولة أقرب من ذلك”.
وكان “التدافع نحو طيف الترددات” واضحا في الشهر الماضي، عندما جمعت مؤسسة تنظيم الاتصالات الأمريكية 44.9 مليار دولار في مزاد ضرب رقما قياسيا على موجات الأثير المملوكة للحكومة. نجاح عملية البيع أخذ الجميع في الصناعة على حين غرة – بما في ذلك وزارة الخزانة الأمريكية، التي ستحصل على 20 مليار دولار تساعدها على تخفيض العجز.
وتوقع كثير من المحللين أن تجمع عملية البيع مبلغا قليلا يبلغ نحو 15 مليار دولار، على الرغم من أن المتفائلين منهم سجلوا توقعات بأن المزاد سيحقق 25 مليار دولار. وكان الجميع مصدومين عندما ارتفع المجموع، الذي تم نشره في الوقت الحقيقي على موقع لجنة الاتصالات الاتحادية، متجاوزا 30 مليار دولار.
كانت الحكمة السائدة هي أن شركات الاتصالات الأمريكية لن تستخدم كامل قوتها هذه المرة، وتوفر قوة نيرانها لمزاد أكبر من المقرر عقده في عام 2016 أو عام 2017، عندما يتم بيع القطع الأخيرة من الطيف المفيد تجاريا. في هذا الحدث، لم يكونوا على استعداد للانتظار.
ويقول روبرت ماكدويل، وهو مفوض لجنة الاتصالات الفيدرالية السابق، الذي يعمل الآن محاميا في وايلي رين: “بالطبع كنت مندهشا”. ويضيف: “أي شخص يقول إنه لم يكن مندهشا فإنه كاذب”.
يأتي هذا المزاد الضخم وسط منافسة شديدة في قطاع الاتصالات في الولايات المتحدة. وتقوم الشركتان الأصغر، سبرينت وتي – موبايل، بشن حرب أسعار شرسة للفوز بحصة السوق، ما يضطر أكبر المجموعات، فيرايزون وAT&T، لخفض أسعارها حتى في الوقت الذي تقوم فيه بتنفيذ استثمارات ضخمة في البنية التحتية لمواكبة الطلب.
وكانت – AT&T ثاني أكبر مجموعة لاسلكية أمريكية – أكبر منفق في الجولة الأخيرة، وفازت بطيف ترددات قيمته 18.2 مليار دولار. وكالة موديز للتصنيف الائتماني استجابت بخفض المستوى الائتماني لسندات الشركة، محذرة من أن توزيع مبلغ 47 سنتا على شكل أرباح أسهم فصلية – واحد من أعلى المعدلات في مؤشر داو جونز الصناعي – يمكن أن “يتبين أنه غير مستدام على المدى الطويل”.
وكانت المفاجأة الكبرى الأخرى أن إيرغن، رئيس مجلس إدارة دش، كان قد ظهر في المزاد بوصفه ثاني أعلى مزايد، حين اشترى ما قيمته 13.3 مليار دولار من طيف الترددات. وباعتبار فيرايزون أكبر مجموعة اتصالات أمريكية، كان من المتوقع أن تكون المشارك الأكثر نشاطا، لكنها حصلت على مقتنيات تزيد قليلا على عشرة مليارات دولار.
وبدأ إيرغن أول عمل له في موجات الأثير في عام 2007، عندما اشترى الأسهم والسندات في اثنتين من شركات الاتصالات المضطربة. فبعد أن سقطت الشركتان في مصاعب خطيرة، اشتراهما بأسعار ضئيلة للغاية، مستحوذا بذلك على مقتنياتهما الطيفية. كما شارك في اثنين من المزادات الأصغر لطيف الحكومة، في عام 2009 وبداية 2014.
وكان متوسط السعر الذي دفعه إيرغن لطيفه قبل المزاد الأخير نحو 30 سنتا للميجاهرتز – بوب (القياس المعياري للصناعة) – وهو جزء يسير من مبلغ 2.71 دولار لكل ميجاهيرتز – بوب تم دفعه في عملية بيع من الحكومة أخيرا. وإذا كان بإمكانه تسييل حيازاته في أي مستوى بالقرب من هذا المبلغ، فإن الثروة غير المتوقعة قد تكون أعلى من 50 مليار دولار.
الانغماس في شراء الطيف من قبل شركة دش يعتبر تحوطا ضد مستقبل صناعة التلفزيون المدفوع في الولايات المتحدة التي تعاني تراجعا. وقد ألغى أكثر من 50 ألف شخص من العملاء اشتراكهم لدى دش منذ نيسان (أبريل) الماضي – وقد أبدى إيرغن تفاؤلا قليلا في أن الأمور ستتحسن. وقال للمستثمرين في نهاية العام الماضي: “هناك أمر يستمر في مفاجأتنا بطريقة ما، وهو أن [الأعمال] ستسير على نحو جيد على النحو الذي كانت عليه”.
ويقول إن سوق التلفزيون المدفوع هي إما في نقطة التشبع وإما بالقرب منها، في حين أن أعدادا كبيرة من المستهلكين الشباب إما “قطعوا اشتراكهم”، وإما “لم يسجلوا للاشتراك”.
الآن وبما أن دش تسيطر على نحو 15 في المائة من قدرة طيف الصناعة، تقول جنيفر فريتزشي، المحللة في ويلز فارجو: “السؤال على ألسن الجميع هو: ما الشيء الذي ينوي تشارلي القيام به بعد ذلك؟”. ذلك هو السؤال الذي تعد الإجابة عنه أكثر صعوبة، نظرا لسمعة إيرغن باعتباره صانع صفقات لا يمكن التنبؤ به.
ويقول معظم مساعديه إنه لا توجد لديه حتى الآن نهاية للعبة. وكما تقول ماجي وايلدروتر، الرئيسة التنفيذية لشركة فرونتير للاتصالات، التي لديها شراكة تجارية مع دش: “لديه الكثير من الممتلكات على شاطئ البحر، وهناك فقط أعداد محدودة منها”. وتضيف: “لا تهم نوعية البطاقة التي يلعب بها، لأن الأمر سينتهي بفوزه”.
لكن اللعبة لم تنته بعد. هناك كثير من الناس يجادلون بأن تحقيق قيمة جميع تلك الموجات الهوائية يمكن أن يكون أمرا صعبا للغاية. ويقول مسؤول تنظيمي سابق للاتصالات الأمريكية: “أنا لم أر قط مجالا فقد فيه المستثمرون المزيد من أموالهم أكثر من الطيف”، مشيرا إلى مزاد لطيف الجيل الثالث من الهواتف المحمولة في المملكة المتحدة في عام 2000، الأمر الذي جمع 22.5 مليار جنيه استرليني للحكومة لكنه ترك الناقلين يكافحون من أجل كسب عائد.
أحد الخيارات وهو بيع دش، أو طيفها، إلى الشركة التي تحتاج إليها أكثر. الرسملة السوقية للشركة تبلغ 36 مليار دولار، رغم أن بعض المحللين يعتقدون أن هذا يبخس موجات الأثير لديها. ويجادل شابلن بأن السعر الأكثر عدلا قد يكون بحدود 60 مليار دولار.
المجموعة التي تحتاج إليها على الأغلب هي فيرايزون التي تمثل نحو 40 في المائة من عائدات الصناعة، لكن تسيطر فقط على 17 في المائة من قدرة طيف الصناعة. ومع ذلك، ليس من الواضح أن فيرايزون، المثقلة أصلا بالديون، يمكن أن تتحمل تكاليف مثل هذا الشراء الكبير. ففي عام 2013 تحملت الشركة 49 مليار دولار من الديون، كانت أكبر بيع لسندات الشركات في التاريخ، للمساعدة في إخراج مجموعة الاتصالات في المملكة المتحدة، فودافون، من مشروعهما الأمريكي المشترك. وباعت في الآونة الأخيرة 15 مليار دولار من الأصول لتمويل عطاءات مزادها.
ويقول مصرفيون إن فيرايزون حاولت شراء الطيف من إيرغن العام الماضي، لكنه رفض بيعها مقابل 1.50 دولار لكل ميجاهيرتز ـ بوب. ويقول شخص مطلع على الصفقة: “اعتقدوا بشكل يبعث على السخرية أنها مكلفة وجعلوها تفلت من أيديهم – لكن السعر كان أقل بكثير مما ينبغي أن يدفعوه في الجولة التالية”.
وليس هناك أي يقين بأن الجهاز المنظم يمكن أن يسمح لشركة دش بأن تبيع الترددات لفيرايزون. وقد شجعت لجنة الاتصالات الفيدرالية إيرغن لتقديم عطاءات من أجل الطيف، حتى أنها غيرت القواعد لمصلحته، لأنها تريد منه أن يهز صناعة الاتصالات اللاسلكية – تماما كما تحدى تلفزيون الكابل في الثمانينيات من خلال إطلاق إيكوستار، وهي شركة للأقمار الصناعية.
كريغ موفيت، المحلل في موفيت ناثانسون، يعتقد أن الجهاز التنظيمي يمكن أن يحاول منع دش من بيع حيازاتها الطيفية لفيرايزون أو AT&T. ويقول: “من الخطأ النظر إلى الطيف على أنه سلعة مثل النفط – لا تتبع قيمته القواعد البسيطة للعرض والطلب”. ويضيف: “إنه مورد نادر، لكن هناك خمسة مشترين جدد فقط، جميعهم يخضعون لقوانين تنظيمية ذات تعقيد شديد”. ويضيف: “الحكومة تحاول دائما التأثير على النتائج لمصلحتها على الموازين”.
ويمكن لإيرغن بدلا من ذلك محاولة العثور على مشتر قد يجد الجهاز التنظيمي أنه أكثر قبولا. ويقول والتر بيسك، المحلل في BTIG، إن جوجل “ترى أن هناك حاجة إلى الدخول في أعمال اللاسلكي”. وتجري الشركة محادثات حول إطلاق خدمة الهاتف الجوال الذي يحمل العلامة التجارية لجوجل، التي يمكن أن تحمل على ظهر شبكتي سبرينت وتي – موبايل. وفسير بعضهم المحادثات باعتبارها تمهيدا لخطوة أعمق في النطاق العريض، وأقرب إلى “ألياف جوجل”، خدمة الإنترنت بالألياف الضوئية فائقة السرعة التي تقدمها في 34 مدينة.
ويمكن لدش أيضا محاولة إدخال الأعمال اللاسلكية، إما عن طريق بناء شبكة خاصة بها – وهو مسعى ضخم – أو عن طريق شراء واحد من أصغر اللاعبين. وعرضت الحصول على سبرينت مقابل 25.5 مليار دولار في عام 2013 لكنها انسحبت من السباق الذي فازت به في نهاية المطاف سوفتبانك، الشركة التي أسسها ويديرها صاحب المليارات في مجال الاتصالات، الياباني ماسايوشي سون.
ولم يقدم قرار إيرغن الابتعاد عن هذه الصفقة شيئا يذكر لتودده لصناعة الاتصالات اللاسلكية، التي كانت تنظر إليه دائما بدرجة من الشك.
ويقول شخص شارك في صفقة شراء سبرينت: “بذل تشارلي غاية جهده ولم يكشف أبدا عن أي عرض حقيقي”. ويضيف: “ليس لديه الكثير من الأصدقاء. ويدس نفسه دائما في قطاع الاتصالات”.
وبحسب أحد المشاركين في الأعمال، التغيرات الذهنية لإيرغن أغضبت الشركاء المحتملين. “كانت هناك أوقات يفكر تشارلي أن يفعل شيئا فيها ثم يغير رأيه. الناس لا يحبون ذلك ويشعرون بالقلق حول ما إذا كان نهجه جديا”.
ينبع جزء من العداء من تصور وول ستريت بأنه بخيل، وعلى استعداد لنسف عروض بسبب مبالغ يراها المصرفيون تافهة. الحكاية التي كثيرا ما تتكرر هي أن إيرغن يشارك زملاءه التنفيذيين غرفة الفندق عندما يكونون في جولة خاصة بالأعمال.
يقول أحد المصرفيين المختصين في قطاع الاتصالات: “شارلي بحاجة إلى أن يبيع أو يتم استهلاكه”. لكن يعتقد كثيرون أن إيرغن سيأتي بحل أقرب إلى كونه غير عادي. يقترح تشابلن أن تقسم دش نفسها إلى شركتين، شركة لتلفزيون الأقمار الصناعية على الطراز المعهود، وشركة للمتاجرة في ترددات الطيف بالجملة تقوم بتأجير موجات الأثير إلى أطراف أخرى.
ويستطيع إيرغن أن يتمسك بالأمور التي يتقنها جيدا، ويستخدم الطيف لإطلاق “خدمة تلفزيونية تكون أول خدمة على الجوال، موجهة نحو الذين ألغوا اشتراكاتهم على التلفزيون العادي”. وهو يقوم منذ الآن بالتجريب في هذا المجال، حيث أطلق شركة سلينج Sling، وهي خدمة لتلفزيون الإنترنت مقابل 20 دولارا في الشهر، يتم بثها فوق شركات تلفزيون الكابل والأقمار الصناعية.
الذين يعرفون إيرغن يقولون إن هذا الرجل البالغ من العمر 61 عاما لا نية لديه للبيع والتقاعد، ويعود ذلك جزئيا إلى أنه لا يعلم ما يفعل بقية حياته. تقول وايلدروتر: “لا يزال شابا. لن يتقاعد أو يرتاح في الغد. هذا ليس جزءا من الخطة”.
ويضيف تشابلن: “أعمال اللاسلكي ستكون صناعة السكك الحديدية للعقود القليلة المقبلة. وهو يتمتع بالفرصة في أي يكون أحد بارونات السكة الحديدية”.