IMLebanon

نظام العدالة الجنائية يعيق النمو الأمريكي

AmericanIndustry2

إدوارد لوس

عندما نفكّر في سجون الولايات المتحدة المزدحمة، لا نلجأ في العادة إلى خبراء الاقتصاد – وبالتأكيد ليس إلى مسؤولي البنك المركزي. لكن المعدل الحاد للحبس في أمريكا يجب أن يكون على رأس القائمة التي تجعل جانيت ييلين لا تنام ليلاً.

الأسواق ستكون في انتظار الانقضاض على أدنى تغيير من قبل رئيسة الاحتياطي الفيدرالي في بيانها الرسمي أمام الكونجرس هذا الأسبوع. هل يرفع البنك المركزي أسعار الفائدة في حزيران (يونيو) أم في أيلول (سبتمبر)؟ مفتاح تفكيرها يكمُن في معدل مشاركة القوة العاملة في الولايات المتحدة. إذا تحسنت، بإمكان الاحتياطي الفيدرالي إبقاء أسعار الفائدة عند معدل صفر دون الخوف من تضخم الأجور. لكن إذا بقيت كما هي، قد تضطر ييلين إلى إنهاء الحفلة في وقت أقرب بكثير.

كانت هناك تحليلات كثيرة بخصوص الانخفاض الحاد في معدل البطالة في الولايات المتحدة خلال الأشهر القليلة الماضية ـ يبلغ الآن 5.7 في المائة فقط. لكن إذا كان نفس عدد الأمريكيين الفعّالين في القوة العاملة اليوم كما كانوا في بداية الركود في عام 2007، فإن معدل البطالة سيكون 10 في المائة تقريباً. وانخفض معدل مشاركة القوة العاملة – الأساس لحساب معدل البطالة – إلى 62.8 في المائة من البالغين اليوم عن ذروة بلغت 67.3 في المائة في عام 2000.

بعض هذا الانخفاض نتيجة لتغيير التركيبة السكانية، بعدما بدأ جيل مواليد ما بعد الحرب العالمية الثانية بالتقاعد. وبعض من هذا يأتي من التوسّع في مزايا الإقعاد في الولايات المتحدة، الذي يدفع لملايين الناس للبقاء خارج العمل أكثر مما كان في السابق.

لكن الأمر الذي يتم تجاهله غالباً هو دور البطولة لنظام العدالة الجنائية في الولايات المتحدة. يعتقد منتقدو استعداد أمريكا لتحقيق أرقام قياسية في القضايا الجنائية أن ذلك يعد آفة اجتماعية وجريمة بحق الاقتصاد. فالأرقام مذهلة. 2.3 مليون نزيل في السجون الأمريكية هو الرقم الأعلى في العالم – وهو رقم قريب من أعداد السجناء لدى الصين وروسيا مجتمعتين، وأكثر عشر مرات من أولئك الموجودين في سجون فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة معاً. لنعتبرها معسكرات اعتقال ديمقراطية. فهي تقريباً ضعف ما كانت عليه في عام 1991. وهذا يعني أن الولايات المتحدة فيها ملايين المدانين السابقين أكثر مما كان لديها في السابق. ويتم مراقبة الأغلبية العظمى منهم من قِبل أرباب العمل.

لكن عار الماضي الجنائي يؤثر في مجموعة من الناس أكبر بكثير من المحكومين بقضايا جنائية، الذين يبلغ عددهم 13 مليون شخص. ونحو واحد من كل ثلاثة أمريكيين بالغين، أي نحو 75 مليون نسمة، ترد أسماؤهم في قاعدة البيانات الجنائية التابعة لمكتب التحقيقات الفيدرالي. وتفاصيل ما يُقارب نصف تلك الأسماء غير مكتملة. وحتى يدخل الشخص قائمة مكتب التحقيقات الفيدرالي، لا يحتاج أن تتم إدانته في إحدى المحاكم – بل مجرد الاعتقال في مناسبة أو أخرى يكفي.

ويجري معظم أصحاب العمل عمليات بحث عن خلفية المتقدمين للوظائف وتصنيف أولئك الذين لديهم سجلات جنائية. ومن بين أولئك الذين يمكن أن يتم شطب طلباتهم على الفور، بيل جيتس، مؤسس مايكروسوفت، بسبب عملية اعتقال في عام 1977 ناتجة عن مخالفة مرورية. كذلك سيتم شطب طلب جورج كلوني، الذي تم اعتقاله في عام 2012 للتظاهر خارج السفارة السودانية في واشنطن.

خلال التسعينيات، اقتربت الولايات المتحدة من تحقيق التوظيف الكامل. وتزامن هذا مع التحوّل إلى عدم المسامحة مطلقاً فيما يتعلق بالنظام. ونحو نصف الولايات الأمريكية لا يزال لديها حكم الحبس التلقائي بعد تطبيق قاعدة “أمامك ثلاث فرص، وبعدها ينتهي أمرك”. لكن بالنسبة لمعظم أصحاب العمل مخالفة واحدة تكفي – وهناك فرصة جيدة إذا كان الاعتقال نتيجة بلاغ غير دقيق. وإقناع مكتب التحقيقات الفيدرالية بتصحيح سجلك، أو تعديله، مستحيل عملياً. ذلك الشيك المرتجع الذي كتبته لمالك عقارك في عام 1997 ربما سيظهر باعتباره “جُنحة” حتى اليوم الذي تموت فيه. الأسماء تبقى في قاعدة بيانات مكتب التحقيقات لمدة 110 أعوام. من بين الملايين المعرّفين من قِبل الإحصاءات العمالية بأنهم “محبطين”، أو الذين توقفوا عن البحث عن عمل تماماً، نسبة عالية منهم وجدت أن إحباطهم ارتد عليهم.

ماذا يمكن أن تفعل ييلين حيال ذلك؟ ليس الكثير بشكل مباشر. لقد حاولت قبل عام تسليط الضوء على وصمة عار معدل البطالة طويل الأجل – عزوف أصحاب العمل عن تعيين الموظفين الذين كانوا خارج القوة العاملة لفترة طويلة. اثنان من أولئك الذين استشهدت بهما لديهما سجلات جنائية. وقد سُخر منها لعدم الكشف عن ذلك التفصيل – لكن مثاليها كانا عن الأموال. وكان بإمكانها أيضاً المطالبة بأن يتم تضمين تلك الأسئلة عن السجلات الجنائية في دراسة القوة العاملة الشهرية، وفي الدراسات عن مواقف أصحاب العمل. وتقوم الحكومة الأمريكية بجمع الكثير من التفاصيل عن الأُسر. وينبغي لها إضافة السجلات الجنائية على استبياناتها. وينبغي لها أيضاً الثناء على حركة “إلغاء المربع” Ban the Box، التي تعمل على إقناع أصحاب العمل بإزالة “مربع” الأسئلة عن السجلات الجنائية عند تصنيف الطلبات. ويتم الكشف عن المعلومة في مرحلة لاحقة من عملية المقابلة، وفي ذلك الوقت تكون الشركات على الأرجح أكثر قدرة على رؤية نقاطك الأخرى. لقد تم اعتماد حركة “إلغاء المربع” من قِبل عدد قليل من الشركات الكبرى، منها وال مارت، متجر التجزئة الذي أعلن الأسبوع الماضي أنه سيرفع أجر ساعة العمل. كذلك ينبغي أن تثني ييلين على قانون الإعفاء – وهو مشروع قانون برعاية كوري بوكر، عضو مجلس الشيوخ الديمقراطي، وراند بول، عضو مجلس الشيوخ الجمهوري. وسيسمح القانون للأمريكيين بإزالة الجرائم غير العنيفة من السجلات.

لن تتوسع أية خطوة من هذه الخطوات لتصل إلى سوق العمل الأمريكية في الوقت المناسبن بحيث تعمل على تغيير حسابات الاحتياطي الفيدرالي. لكنها معا من شأنها أن تساعد في تخفيض حاجز هيكلي كبير أمام النمو الأمريكي. وإنهاء قاعدة الفرص الثلاث من شأنه أن يحدث أثرا أكثر دواما. ومن شأنه أيضا أن يجعل أمريكا أكثر عدلا. تتمتع ييلين بأكبر منصة اقتصادية في العالم ويجدر بها أن تكشف عن التكاليف الخفية المترتبة على ميل أمريكا لتجريم الناس.