أثناء مراقبة الأزمة اليونانية وهي تتكشف، وجدت نفسي حائرا بين فكرتين متساويتين ومتعارضتين. الأولى، أن اليورو لا يمكن أن ينجو. والثانية، يجب القيام بكل شيء لإنقاذ اليورو.
بالتالي أرى أن الاتفاقية التي تم التوصل إليها بين اليونان ودائنيها في منطقة اليورو هي أمر جيد لأنها أزالت التهديد الفوري بحدوث أزمة سياسية واقتصادية. لكن التجربة تُشير إلى أن صفقة الديون مع اليونان قد تكون فقط دائمة بشكل هامشي أكثر مما هو حال وقف إطلاق النار في أوكرانيا. في كلتا الحالتين هناك توترات ومشكلات كامنة لا يمكن حلّها عن طريق وثيقة تمت صياغتها بذكاء.
منذ أن تم طرح العملة الأوروبية الموحدة أول مرة، كنت أعتقد أنها في نهاية المطاف ستنهار. ويستند هذا الاعتقاد إلى ثلاث قضايا بسيطة. أولاً، أي اتحاد عملة لا يمكن أن ينجو في النهاية ما لم يتم دعمه باتحاد سياسي. ثانياً، لن يكون هناك أي اتحاد سياسي في أوروبا لأنه لا توجد هوية سياسية مشتركة لترسيخها. وبالتالي، وهذه ثالثاً، اليورو سوف ينهار.
حاول كثيرون إقناعي، على مر السنين، أن كل واحدة من هذه القضايا الثلاث سخيفة وخاطئة. لكن الأحداث تستمر بإعادتي إلى فكرة أن اليورو يفتقر إلى الدعم السياسي والاقتصادي الذي يحتاج إليه من أجل البقاء.
الأزمة اليونانية مثال على ذلك. المؤيدون للاتحاد الأوروبي، الأكثر حماساً، مُحقّون في أن التخفيف طويل الأمد الوحيد لمشكلات الاقتصادات الأضعف في منطقة اليورو سيكون من خلال إقامة اتحاد تحويل حقيقي، بحيث تتدفق إيرادات الضرائب تلقائياً من المناطق الغنية، مثل ألمانيا، إلى المناطق الفقيرة، مثل اليونان. لكن هذا لن يحدث أبداً لأن الألمان واليونانيين لا يثقون ببعضهم ولا يحب بعضهم بعضا بما فيه الكفاية بحيث يدمجون مصائرهم في اتحاد سياسي حقيقي.
ستمدد دول شمالي أوروبا القروض المشروطة على مضض لدول الجنوب، لكنها لن تتوافق مع هذا النوع من التحويلات المالية التلقائية التي تحدث في دولة قومية لأنها تشك، بشكل صحيح، أن الثقافة السياسية لبلدان مثل اليونان وإيطاليا مختلفة تمام الاختلاف عن ثقافة السويد أو ألمانيا.
المشكلات التي يمكن التنبؤ بها مع اتحاد العملة تمتد أيضاً إلى الاقتصاد. دائماً ما يتوقع مناهضو الاتحاد الأوروبي أن البلدان مثل إيطاليا سوف تكافح لتتكيّف في منطقة اليورو، كونها لا تستطيع تخفيض قيمة عملتها ولا استخدام التضخم للحد من عبء الديون. وهكذا تبيّن – نتيجة لذلك، أن الأمم مثل اليونان وإيطاليا والبرتغال تخاطر بأن يتم سحقها ببطء تحت وطأة البطالة والديون.
لكن هناك جانب واحد من أزمة اليورو بدأت فيه قناعاتي بإفساح المجال للشكوك. لقد كان اعتقادي الأولي أنه بما أن اليورو كان فكرة سيئة، فإن انهياره قد يكون أمراً جيداً بالفعل. الآن لست متأكداً جداً.
الجوانب الاقتصادية المتعلقة بانهيار العملة الموحدة تبدو مثيرة للقلق على نحو متزايد. لو أن اليونان أقدمت على ما يُسمى “الخروج القذر” من اليورو، لكانت على أقل تقدير ستثير أزمة مالية في اليونان نفسها.
كذلك ستكون منطقة اليورو الأوسع معرضة للخطر. لقد قال الألمان وآخرون مراراً وتكراراً إن اليورو الآن قوي بما فيه الكفاية لتحمّل خروج اليونان. لكن إذا خرجت اليونان من منطقة العملة الموحدة، فإن المضاربين سيبدأون حتماً بالتطلع إلى الدولة المعزولة الضعيفة التالية بين دول اليورو. وبما أن الشكوك تنمو بشأن مصير البرتغال أو إيطاليا، فإن التهاون في الأسواق المالية يمكن أن يتحول بسرعة إلى ذعر.
الانفصال بشكل غير منظم عن اليورو من شأنه أيضاً إثارة تساؤلات سياسية عميقة، منها بقاء الاتحاد الأوروبي نفسه. في حال غادرت اليونان أو غيرها من البلدان المثقلة بالديون منطقة اليورو، بالتأكيد سيكون عليها الامتناع عن ديونها؛ خلافاً لذلك فإن تلك الالتزامات قد تصبح مُحْدِثة للشلل أكثر أثناء محاولة سدادها من خلال عملة جديدة تغرق بسرعة. مع ذلك، من الصعب معرفة كيف يمكن أن تستمر بلدان شمال أوروبا في العمل بهدوء في اتحاد أوروبي يحكمه القانون، إلى جانب دول أخرى عجزت للتو عن سداد ديونها لها. أوروبا لا تستطيع تحمّل الفوضى السياسية التي يمكن أن تنتج عن انهيار اليورو. في الواقع، نادراً ما كانت هناك فترة عمل الأوروبيين فيها معاً أكثر إلحاحاً من هذه الفترة. فالحرب في أوكرانيا تعني أن البلدان الأوروبية تواجه مرة أخرى تهديداً أمنياً حقيقياً من روسيا.
صحيح أن وظيفة حلف الناتو هي توفير الاستجابة الأمنية المباشرة. لكن الاتحاد الأوروبي كان حاسماً في تنظيم رد أوروبي موحد ـ والحفاظ عليه ـ على العدوان الروسي، من خلال العقوبات. ولهذا السبب موسكو عازمة جداً على تعطيل وحدة الاتحاد الأوروبي.
تحدّي روسيا ليس المشكلة الوحيدة التي تجعل تضامن الاتحاد الأوروبي ذا أهمية خاصة في الوقت الراهن. سيكون هناك مزيد من اللاجئين الذي يتوجهون نحو أوروبا من شمال إفريقيا والشرق الأوسط في المستقبل القريب، والاتحاد الأوروبي يحتاج بشدة إلى تنظيم استجابة جماعية.
بالدرجة الأولى، في الوقت الذي يكسب فيه المتطرفون السياسيون من اليمين واليسار أرضية في أوروبا، يعتبر الاتحاد الأوروبي مثل منفّذ مهم للقيم الليبرالية الأساسية. في بعض الأوقات، التصحيح السياسي من بروكسل يمكن أن يكون مزعجاً ومتعجرفاً، لكنه يظل مفضلاً بما لا يقاس على الأخطاء السياسية من العنصريين والقوميين، مثل حزب الجبهة الوطنية في فرنسا أو الديمقراطيين في السويد.
إذن، الأنباء التي تفيد بأن اليونان ومنطقة اليورو توصلتا إلى اتفاقية على مضض تعتبر أمراً مريحاً. لكن في حين أن موضوع اليورو قد تم إرجاؤه إلى فترة من الوقت، لا أزال أخشى أنه لا يمكن إصلاحه في النهاية.