يستمر تعطيل مجلس الوزراء، للاسبوع الثاني، بفعل الخلاف العبثي على آلية عمل الحكومة، مع ما يرتّبه ذلك من أثر سلبي على مصالح الناس والدولة.
والاكيد، أن قلائل في هذه السلطة المتآكلة والمشلولة لا يزالون يتنبّهون وسط غبار المماحكات الداخلية، الى ملف النفط القابع في جرود الوقت الضائع، بعدما تلاشى سريعاً مفعول الهبّة السياسية والإعلامية لهذا الملف، قبل اشهر قليلة.
يومها، دبّت الحماسة في عروق المعنيين، وتحركت هيئة قطاع البترول على أكثر من خط للضغط في اتجاه إقرار مرسومي إطلاق العمل، الى أن كادت الأحلام تستحوذ على البعض ممن تهيأ له في حينه، أن الشركات ستبدأ بالتنقيب ومدّ الأنابيب خلال وقت قصير.
حتى إسرائيل صدّقت لبنان، واستشعرت الخطر بعد إعادة تفعيل الملف النفطي، وراحت تدرس خياراتها لقطع الطريق على أي محاولة لبنانية تهدف الى فرض أمر واقع على الآبار المتاخمة للحدود مع فلسطين المحتلة، او تلك المتقاربة جغرافياً، كما هي حال حقل «غاريش» الذي لا يبعد سوى كيلومترات قليلة عن الحدود الجنوبية البحرية.
لكن المشكلة أن لبنان لم يصدّق نفسه، وعاد هذا الملف الحيوي الى دائرة المراوحة، لنكتشف بسرعة، أننا كنا امام زوبعة نفطية في.. فنجان.
ببساطة مؤلمة.. لقد غيّمت في لبنان، وأمطرت في إسرائيل!
تحرّك ملف النفط نظريا هنا، فيما راح العدو يتخذ إجراءات عملية سعياً الى تطويق الاندفاعة اللبنانية الافتراضية.
بعد عيدي الميلاد ورأس السنة الماضيين، وتحت وطأة الصحوة اللبنانية المستجدة، كلّفت الإدارة الإسرائيلية وسطاء بالتواصل مع شركات أوروبية كبرى، سبق لها أن تأهلت في لبنان للمشاركة في المزايدة التي يفترض أن تحصل لاحقاً للتنقيب عن النفط واستخراجه.
وتعتبر اسرائيل ان الشركات الاوروبية صاحبة خبرة واسعة في المياه العميقة، وأن السوق الأوروبية هي السوق الطبيعية لبيع الغاز الإسرائيلي.
وعليه، سعى العدو من خلال التواصل مع الشركات الأوروبية الى اقناع أي منها بالعمل في نطاق الحقول النفطية الإسرائيلية القريبة من لبنان، لتطويرها واستخراج الطاقة منها، وأحدها هو حقل «غاريش» الذي تُقدّر القيمة الاجمالية لمخزونه بما بين 30 و40 مليار دولار.
بدا واضحاً، أن إسرائيل تخوض فصلا جديدا من فصول «الحرب النفطية الاستباقية» ضد لبنان، لتطويقه وإبعاد الشركات عنه، عبر بذل كل جهد ممكن لإقناعها بالعمل في آبار اسرائيل، على قاعدة انها تحوي «كميات نفطية ضخمة ومؤكدة، بينما لا تزال الكميات غير محددة بشكل نهائي وقاطع في لبنان».
ترددت الشركات في التجاوب مع الطرح الذي حمله الوسطاء، منطلقة من ان لها مصالح واسعة في العالم العربي وفي لبنان الواعد نفطيا، قد تتضرر إذا وضعت أوراقها في سلة العرض الاسرائيلي.
وعلم ان رجال أعمال تربطهم صلة مشتركة مع الشركات وبعض الجهات اللبنانية المختصة بالقطاع النفطي، تواصلوا مع هذه الجهات لسؤالها عن مضمون قانون مقاطعة اسرائيل، وكيفية انعكاسه على العلاقة بالشركات، إذا قررت التعاون مع الكيان الاسرائيلي، فأتاها جواب واضح بأن لبنان سيطبق عليها في هذه الحال قانون المقاطعة، وبالتالي فهي ستكون مهددة بخسارة فرصتها فيه.
وفي المعلومات، ان اسرائيل غيّرت بعد ذلك وجهة سيرها، وتوجهت نحو الشركات الصغرى من أصحاب الحقوق والمؤهلة لبنانياً، علما أنها اقل أهمية من الشركات الكبرى المشغلة، وأنها تحتاج الى وقت أطول وكلفة أكبر لانتاج النفط، لكن أهميتها بالنسبة الى الكيان الاسرائيلي تكمن في انها تفتح الطريق امامها الى السوق الاوروبية.
وتواصلت اسرائيل في هذا السياق مع شركة إيطالية صغرى تأهلت في لبنان، وكانت قد اشترتها شركة فرنسية ضخمة تعمل في مجال الطاقة، لكن الرد الايطالي أتى رماديا، بينما تستمر الاتصالات الاسرائيلية مع شركات اخرى، من دون ان تتضح حتى الآن نتائجها النهائية.
وتحذر مصادر مطلعة على خفايا الملف النفطي من احتمال ان يعلن العدو الاسرائيلي خلال فترة تمتد من خمسة الى ستة أشهر، عن اكتشاف حقل نفطي جديد، بالقرب من الحدود البحرية مع لبنان، الامر الذي قد يشكل خطرا كبيرا على ثروة لبنان النفطية، إذا كان هذا الحقل عابرا للحدود او ملاصقا لها.
وامام هذه الوقائع، تشدد المصادر على وجوب الاسراع في إقرار مرسومي «إبريق النفط» لإطلاق ورشة التنقيب، منبهة الى مخاطر خيبة الامل الجديدة التي قد تصاب بها الشركات، بعد الانتعاش الذي شعرت به قبل اشهر قليلة في أعقاب إعادة تفعيل الملف النفطي، وهو ما دفعها الى تجديد اهتمامها بلبنان وتكليف فرق عمل بالتفرغ له.