جزمت مصادر دبلوماسية معنية بالملف الرئاسي لصحيفة “اللواء” بأن العماد ميشال عون اصبح حاليا رئيس “جمهورية لبنان” بانتظار التتويج الرسمي، ولتدعيم هذه المعلومات يمكن التدليل عليه بوضوح من خلال الاتي:
اولاً: ثمة معلومات من داخل اروقة بعض السفارات المهمة العاملة في لبنان تؤكد بأن السفراء أبلغوا دولهم بضرورة انتخاب عون رئيسا للجمهورية لأن الفراغ يخدم قوى 8 آذار وتحديدا حزب الله، وان وضع لبنان برئيس يؤيد الحزب أفضل بكثير من تقديمه مجانا على طبق من ذهب لهذا الفريق..
ثانياً: لا يمكن فصل الضغوطات في الحكومة واستمرار الفراغ الرئاسي عن الملفات المتشابكة في المنطقة لا سيما في اليمن، طبعا من دون تجاهل الغمز المتكرر من امكانية تعديل النظام السياسي في لبنان او لنقل تجميل «الطائف» في حال لم يصل عون الى الرئاسة.
ثالثا: ان «الخربطة»، اذا صح التعبير، في آلية سير عمل الحكومة لا تخدم الا معادلة تكريس الجنرال رئيسا للجمهورية، هنا تؤكد مصادر سياسية مرموقة بأن البعض من حيث لا يدري يخدم هذا التوجه لجهة الضغط على الدول المعنية للسير برئيس للجمهورية حتى لو كان تحت راية حزب الله، فخسارة الحكومة بعد الرئاسة ستعتبر المسمار الاخير في نعش تقليص صلاحيات العديد من الدول المعنية بالملف اللبناني.
رابعاً: لا يبدو فريق 8 آذار بموقع الخاسر من أي فراغ دستوري في البلد سواء في الشق الرئاسي او الحكومي طالما ان الطرف الشيعي في هذا الفريق دخل فيما يشبه مصالحة حقيقية مع تيار المستقبل بما يمثل من ثقل سني في لبنان وسياسي في الخارج لا سيما بالنسبة الى المملكة العربية السعودية.
خامساً: ان الفريق ذاته بشقه المسيحي دخل ايضا في حلقة حوارية جدية مع «القوات اللبنانية»، وهذا بحد ذاته نقطة ايجابية تسجل لهذا الفريق لا عليه، ولا يمكن فصلها عن توجه خارجي مناهض لعون، ولكنه مجبر على دعم هذا التفاهم لضرورات سياسية استراتيجية.
سادساً: من غير المقبول حتى بالنسبة الى كارهي عون وقوى 8 آذار تقبل الخسارة في السلطة السياسية وأيضا في الشارع من خلال الخضوع لابتزاز الجماعات الارهابية وتقديم ارهابها كنموذج بديل عن غياب نفوذ هذه القوى في اكثر من منطقة لبنانية.
على هذا الاساس تجزم جهات فاعلة في لبنان بأن مسالة وصول رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب ميشال عون الى رئاسة الجمهورية ليست الا مسالة وقت فقط ، مؤكدة ايضا بأن هذا الموضوع غير قابل للنقاش أبداً أو التغيير إلا في حالة عدول عون نفسه عن هذا الموضوع.
من جهتها، رأت صحيفة “الأخبار” أن هناك معطيات استراتيجية ومجريات الميدان تجعل من العماد ميشال عون أقرب الى قصر بعبدا من أي وقت مضى.
ومن هذه المعطيات، بحسب شخصيات مقربة من الرابية، الآتي:
ــــ عدم قدرة فريق 14 آذار، وحلفائه الاقليميين، على إحداث أي اختراق في معركة الرئاسة وفي كسر فيتو الطرف المقابل، أو في إخراج عون من تموضعه الحالي. وهو ما تجلّى في إقرار الرئيس سعد الحريري في خطاب 14 شباط بأن “الجماعة مش مستعجلين” في موضوع رئاسة الجمهورية وموقفهم عملياً يعني تأجيل الكلام في الأمر. وهو ما يعني تسليماً باستحالة إنهاء هذا الملف من دون توقيع عون.
ـــ تغيّر الأولويات الدولية في الاقليم من إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد الى محاربة الارهاب الذي بات يدقّ أبواب الغرب، وتقاطع المصالح المرحلي بين حزب الله والأميركيين الذين يدركون أن أي معركة ضد الارهاب لا يمكن أن تخاض عبر الجبهة اللبنانية من دون دور أساسي لحزب الله الذي يسيطر على معظم الغلاف السوري المحيط بلبنان. وفي هذا السياق، تلفت المصادر الى أنه لم يسجل، في الشهور الستة الماضية، أي تصريح غربي ذي وزن يشير الى مشاركة الحزب في القتال في سوريا من باب التنديد والادانة.
ــــ الحاجة الأميركية الى «توريط» المكوّن السنّي المعتدل المتمثّل بالرئيس سعد الحريري في المعركة ضد الارهاب التكفيري، حين تقرّر خوض هذه المعركة فعلاً.
وهذا ما يقتضي عودة الأخير الى السرايا. وعودة كهذه لن تكون ممكنة من دون اتفاق شامل مع الحزب وعون على كل الملفات، ومن بينها رئاسة الجمهورية.
ــــ التفويض المطلق المعطى من حزب الله، وبالتالي من «البلوك» الشيعي، للعماد عون في ملف الرئاسة. وهو تفويض لا يستند فقط الى «الوفاء» و«ردّ الدّين»، أو الى موقف تكتيكي، بل يندرج ضمن رؤية استراتيجية عبّر عنها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه في ذكرى الشهداء القادة، عندما أشار الى الخرائط التي ترسم على «طاولة الكبار». إذ يدرك حزب الله، في ظل المعركة التي تدور رحاها في المنطقة، أن أدوار الطوائف والأوطان تُرسم بحسب حضورها وقوة نفوذها، وبالتالي فإن موقعاً كرئاسة الجمهورية لا يمكن اليوم أن يجري التعاطي معه تكتيكياً، أو أن يعطى لمن هم على شاكلة ميشال سليمان.
وفي رأي المصادر أن “الطائفة الشيعية خاضت خلال عدوان تموز 2006 معركة البقاء في ارضها. وفي المعركة الدائرة اليوم، تخوض معركة تثبيت دورها في المنطقة على المستوى الاستراتيجي. وفي هذا السياق، فإن الجناح المسيحي يعطي هذا الدور بعده الوطني والعالمي، ويستفيد من فائض القوة الشيعي للحفاظ على دوره. وهنا تكمن اهمية عون رئيساً”.
ــــ وصول نظام الطائف الى طريق مسدود في ظل الأزمات المتلاحقة منذ إقراره. وفي ضوء عملية «طبخ» الأدوار في المنطقة، وارتفاع الصوت المسيحي المطالب بالتغيير واستعادة الحقوق خصوصاً في ظل ما يتعرّض له مسيحيو الاقليم، لن يكون أمام «السنّية السياسية» التي يُعتبر هذا الاتفاق أهم مكتسباتها، إلا القبول بتقويم الاعوجاج الذي رافق تطبيقه، ضمن سياسة الحدّ من الخسائر، وتفادياً للمطالبة بمؤتمر تأسيسي جديد يطيح بهذه المكتسبات.
ــــ في مرحلة الغليان المذهبي الذي يسود المنطقة، بات المسيحيون الأقدر على لعب دور «المنطقة العازلة» بين السنة والشيعة. وفي ظل «البلوك» الشيعي المغلق تماماً أمام المرشح الماروني الثاني الأقوى، سمير جعجع، تبدو فرص عون أكبر بما لا يقاس في ظل الدعم الشيعي المطلق له، وتواصله مع كل من السنة والدروز.
ــــ قناعة عونية بأن رئيس حزب القوات اللبنانية هو، ولا أحد غيره، صاحب المصلحة الاولى في وصول عون الى قصر بعبدا. وصول كهذا يوفّر لجعجع: مصالحة مع جزء كبير من الجمهور المسيحي؛ يكسر حدّة التصلّب الشيعي تجاهه؛ يفتح تثبيت سابقة الرئيس القوي باب الرئاسة أمامه مستقبلاً على حساب شخصيات مارونية أخرى تروّج لنفسها كأسماء توافقية؛ ناهيك عن أن أي اتفاق مع الرابية سيلحظ توزعاً للحصص الانتخابية والحكومية بما يعطي معراب استقلالية كبيرة عن وصاية تيار المستقبل. وفي رأي المصادر نفسها، يدرك رئيس القوات ذلك، منذ ما قبل بدء هذا الحوار، بمقدار إدراكه أن ليس لدى عون من يرشّحه… إلا عون نفسه.
ــــ في اعتقاد المقربين من الرابية أن الرياض ليست بعيدة عن كل هذه الأجواء. يُستدلّ على ذلك من حفاوة استقبالها لعون في زيارة التعزية بالملك عبد الله، ومن الحوار العوني ــــ الحريري الذي بدأ منذ عام، لم ينقطع خلاله التواصل أبداً بين الطرفين رغم البرودة الظاهرة أحياناً. كما أن الحوار القواتي ـــ العوني لم يكن لينطلق من دون «قبّة باط» سعودية، شأنه شأن الحوار بين المستقبل وحزب الله.
هل يعني ذلك كله ان جنرال الرابية بدأ يعدّ العدّة للانتقال الى الاقامة في بعبدا؟ ليس ذلك مؤكداً طالما ان الأرض في المنطقة لا تزال تميد تحت أقدام كل اللاعبين. لكن المؤكد أن عون، اليوم، أقرب الى «قصر الشعب» من أي وقت مضى.