نعمت أبو الصوف
على الرغم من الضعف الشديد الذي شهدته أسواق الطاقة العالمية في الآونة الأخيرة، إلا أن استمرار النمو الاقتصادي في آسيا وخاصة في الصين والهند، سوف يستمر بدعم نمو الطلب العالمي على الطاقة خلال السنوات الـ20 المقبلة، وفقا للتقرير الجديد لتوقعات الطاقة العالمية لعام 2035 لشركة “بريتش بتروليوم”. حيث يتوقع التقرير أن يرتفع استهلاك الطاقة العالمي بمعدل 37 في المائة بحلول عام 2035، أي بمعدل نمو سنوي 1.4 في المائة.
وأوضحت الشركة في تقريرها عن “آفاق الطاقة حتى عام 2035” أنه بعد ثلاث سنوات من ارتفاع واستقرار أسعار النفط عند مستويات قياسية، الهبوط الحاد الأخير ما هو إلا إشارة إلى أن أسواق الطاقة في تغير مستمر. أضاف المصدر أنه من المهم أن ننظر من خلال التقلبات القصيرة المدى لتحديد اتجاهات العرض والطلب على المدى الطويل التي من المحتمل أن تحدد ملامح قطاع الطاقة على مدى السنوات الـ20 المقبلة. هذا التوجه سوف يسهم في إعطاء فكرة للخيارات الاستراتيجية التي تواجه الصناعة وصناع القرار على حد سواء.
وأظهرت بيانات الشركة أن الطلب على النفط سوف ينمو بمعدل 0.8 في المائة سنويا حتى عام 2035. حيث إن الطلب على النفط والسوائل الأخرى مثل الوقود الحيوي من المتوقع أن يرتفع بنحو 19 مليون برميل في اليوم ليصل إلى 111 مليون برميل في اليوم بحلول عام 2035. ارتفاع الطلب يأتي بشكل كامل من الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (non-OECD). حيث إن استهلاك النفط في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) بلغ ذروته في عام 2005، وبحلول عام 2035 من المتوقع أن ينخفض إلى مستويات لم يشهدها منذ عام 1986. الصين هي المحرك الأول في العالم لنمو الطلب وأكبر مساهم، وسوف تحل محل الولايات المتحدة كأكبر مستهلك للنفط في العالم بحلول عام 2035.
الضعف الحالي في أسواق النفط العالمية، جزء كبير منه يعود إلى النمو القوي في إنتاج الصخر الزيتي في الولايات المتحدة، من المرجح أن يستمر عدة سنوات. في عام 2014، أسهم إنتاج الصخر الزيتي في زيادة إنتاج الولايات المتحدة بنحو 1.5 مليون برميل في اليوم، هذا يمثل أكبر ارتفاع سنوي في تاريخ الولايات المتحدة. من المتوقع أن يرتفع إنتاج الصخر الزيتي بنحو 3 ملايين برميل في اليوم بين عام 2013 و2025. ولكن نمو إنتاج الصخر الزيتي من المرجح أن يتباطأ بعد 2020، عندها سوف يستعيد إنتاج الشرق الأوسط مكانته من جديد.
على المدى القريب، توقعت شركة “بريتش بتروليوم” أن يظل الطلب على نفط “أوبك” تحت الضغط، حيث لا يزال إنتاج الصخر الزيتي في الولايات المتحدة قويا. لكن تباطؤ نمو إنتاج الصخر الزيتي وارتفاع الطلب على النفط سوف يؤديان إلى زيادة الطلب على نفط “أوبك”، الذي من المتوقع أن يتجاوز مستوى عام 2007 القياسي ليصل إلى أكثر من 32 مليون برميل في اليوم بحلول عام 2030. مع ذلك سوف تظل حصة “أوبك” في سوق النفط العالمية بلا تغيير عند 40 في المائة في السنوات حتى عام 2035، وهي الحصة نفسها التي سيطرت عليها خلال السنوات الـ20 الماضية، وأوضحت الشركة أن “أوبك” ستبقى قوة مؤثرة في أسواق النفط العالمية على مدى السنوات الـ20 المقبلة.
على المدى البعيد، أظهرت بيانات الشركة ارتفاع إمدادات النفط العالمية بنحو 20 مليون برميل يوميا بحلول عام 2035، وتوقعت أن يقود إنتاج أمريكا الشمالية نمو إمدادات النفط العالمية حتى عام 2020، حيث سيرتفع بنحو تسعة ملايين برميل في اليوم بحلول عام 2035. إنتاج النفط من منطقة الشرق الأوسط سيقود النمو بعد عام 2020، ليرتفع بنحو خمسة ملايين برميل في اليوم خلال تلك الفترة.
وأظهر تقرير الشركة أن الطلب على الغاز الطبيعي سوف ينمو أسرع من أي وقود أحفوري آخر خلال الفترة إلى عام 2035، حيث سيرتفع بنسبة 1.9 في المائة سنويا، مدعوما بنمو الطلب من منطقة آسيا. سوف يسهم ارتفاع إنتاج الغاز التقليدي، في المقام الأول في روسيا والشرق الأوسط، بتلبية نحو نصف نمو الطلب على الغاز والنصف الآخر عن طريق الغاز الصخري. أمريكا الشمالية، التي تمثل حاليا تقريبا جميع إمدادات الغاز الصخري العالمية، سوف تبقى تنتج نحو ثلاثة أرباع الكمية بحلول عام 2035.
الفحم كان أسرع وقود أحفوري نموا على مدى العقد الماضي، مدفوعا بنمو الطلب من الصين. لكن، على مدى السنوات الـ20 المقبلة يتوقع التقرير أن يكون نمو الطلب على الفحم أبطأ من باقي أنواع الوقود الأحفوري، حيث سيرتفع بنسبة 0.8 في المائة سنويا، هامشيا أبطأ من النفط.
وأوضح التقرير أن الدافع وراء هذا التغيير هو ثلاثة عوامل رئيسية، تراجع نمو الطلب في الصين، تأثير السياسات البيئية والقيود على استخدام الفحم في كل من الولايات المتحدة والصين، وإمدادات الغاز الطبيعي الوفيرة التي ساهمت في إحلال الغاز محل الفحم في محطات توليد الطاقة.
أخيرا أظهرت بيانات شركة بريتش بتروليوم أن العالم سوف يشهد كثيرا من التحولات الجوهرية منها، أن تصبح أمريكا الشمالية مكتفية ذاتيا ومصدرا صافيا للطاقة، زيادة التبادل التجاري للغاز الطبيعي المسال من المتوقع أن تكون لها تأثيرات جوهرية على تجارة الطاقة العالمية. كما أن زيادة إمدادات النفط والغاز في الولايات المتحدة، تراجع الطلب في الولايات المتحدة وأوروبا بسبب تحسين كفاءة الطاقة وتباطؤ النمو، واستمرار النمو الاقتصادي القوي في آسيا سوف تعمل مجتمعة على نحو متزايد على تحويل تدفق الطاقة من الغرب إلى الشرق.