Site icon IMLebanon

من يلوي ذراع من في الأزمة اليونانية؟

GreeceEU2
عصام الجردي
الكتابة عن اليونان كمن يسابق الساعة . نكتب (الاثنين 23-2-2015) ساعات قبل إبلاغ الحكومة اليونانية موقفها النهائي من الشروط التي طلبتها “الترويكا” الدائنة من دول منطقة اليورو والمصرف المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي، ليدخل الاتفاق الذي توصل إليه الفريقان الجمعة الماضي موضع التنفيذ . وإلا فالاتفاق في حكم الملغى . وعلى اليونان مواجهة مصيرها بنفسها . بموجب الاتفاق لن تقدم “الترويكا” أي أموال جديدة . سقفه تمديد أربعة أشهر بدءاً من مارس/آذار المقبل، آجال ديون قديمة باستحقاقات داهمة، سيكون أبرزها واحداً للمصرف المركزي الأوروبي بواقع 7 .6 مليار يورو عليها سداده في أغسطس/آب 2015 . وتعهدت اليونان تقديم لائحة إصلاحات تلتزم فيها عدم المساس بخفض العجز، أو التصرف بالأموال المخصصة لإعادة رسملة المصارف اليونانية البالغة 11 مليار يورو، أو تخصيص اعتمادات استثنائية للبرامج الاجتماعية من نفقات الموازنة . بصرف الاعتبار عن لائحة الإصلاحات التي ستقدمها حكومة اليونان، فاجتماع وزراء المال الأوروبيين وممثلي الحكومة الجمعة الماضي الذي اتسم بالصرامة تجاه تقديم أي تنازلات لليابان، ترك الباب موارباً لهامش مناورة ضيقة لكل من الفريقين . كلاهما يقر ضمناً بأن البديل خروج اليونان من منطقة اليورو بتبعات باهظة عليهما .
الجانب الأوروبي يدرك فداحة الضرر المعنوي والمالي لخروج عضو من الاتحاد النقدي . والجانب اليوناني كان متمسكاً بالحفاظ على ماء الوجه بأي ثمن في اختبار الصدقية الأولى للحكومة الراديكالية للوفاء بتعهدات رفض برنامج التقشف . فكان الاتفاق الهش . وقد اتاح لرئيس الحكومة اليونانية أليكس تسيبراس القول: “ربحنا معركة ولم نكسب الحرب . فالطريق شاقة وطويلة . وقد أدرنا ظهرنا لقوى محافظة في الداخل والخارج كانت تنوي خنق بلادنا” .
السياسيون يراوغون . في الاقتصاد تكمن الحقائق لحظة افتراقها عن الاعتبارات السياسية . اليونان معزولة سياسياً الآن ولن تصمد أيا تكن لائحة الاصلاحات .
نتلمس مراوغة الساسة الأوروبيين، وكأنهم يحاولون تدرجاً استدراك خروج اليونان من منطقة اليورو، واستيعاب نتائجه سلفاً على الأعضاء الثمانية عشر الآخرين في المنطقة . ويمكن للمراقب الاستنتاج، بأن أكثر من دولة منها بدأ منذ فترة يستعد لهذه المرحلة . بعض الاقتصاديين يرى أن الخوف من سيناريو الدومينو وانتقال العدوى إلى دول أخرى في المنطقة قد تراجع بدرجة كبيرة . في هذه الرؤية بعض يقين، يتخفى وراء غلالة شفافة من الشك، طالما أن دولاً أخرى وازنة حجماً اقتصادياً ونفوذاً سياسياً في منطقة اليورو، لا تزال تواجه مديونية هائلة مثل فرنسا وإيطاليا .
ملاذ الدولتين، تحقيق نمو ملموس وخفض البطالة في 2015 لتقتربا من معايير اليورو . فرنسا لم توف عهدها من فترة سماح سنتين (2013-2015) لخفض العجز إلى 3 في المئة من الناتج المحلي . ولا نشك في أنها ستحصل على فترة سماح ثانية طلبتها حتى 2017 . والأسباب هنا ليست اقتصادية بل سياسية . هذا ما تفتقر إليه اليونان وحكومتها الراديكالية، افتقار حكوماتها السابقة اليمينية ومن يسار الوسط إلى سياسات اقتصادية ومالية ناجعة . لو صحّت رؤية استبعاد سيناريو الدومينو في حال خروج اليونان من منطقة اليورو، أو غلبت وجهة النظر التي تقول إن تكلفة بقائها بهذه الأحمال أفدح من تكلفة خروجها، فلا نرى منطقة اليورو ولا الاتحاد الأوروبي ومعهما صندوق النقد الدولي في وارد جوائز ترضية لحكومة راديكالية، بدعوى صيانة الوحدة، وروح اتفاقي ماستريخت وبرشلونة وما تفرع .
ربما يتم تجاهل اعتبار آخر مهماً في الكباش الحاصل بين اليونان وبين “الترويكا” .
حكومة اليونان بزعامة حزب سيريزا توقفت عن استخصاص مؤسسات القطاع العام، والكثير من توجهات الحكومات السابقة في اقتصاد السوق وقوانينه . الحزب الحاكم على رأس ائتلاف بميوله اليسارية لم يصل نظره إلى السلطة في الاتحاد الأوروبي بعد . وهو مناقض تماماً لما يعرف بالاشتراكية الأوروبية من أحزاب يسار الوسط التي تداولت السلطة عقوداً في القارة وما زالت في بعضها وفي مقدمتها فرنسا . في اليونان لم يجنح الشعب المترنح تحت وطأة التقشف القاسي نحو اليمين العنصري كما في فرنسا وغيرها . ذهب يسارا، وأنتج أغلبية برلمانية بانتخابات ديمقراطية، تحاول الآن الالتزام بما تعهدت لناخبيها تحقيقه . في المقام الثاني تأتي تعهدات الحكومات التي سبقتها تجاه أوروبا . أكان لناحية برنامج التقشف وتوازن المالية العامة، أم لناحية التوجه الاقتصادي والسياسات الاجتماعية والموقف من اقتصاد السوق والقطاع العام .
أخال الاتحاد الأوروبي في سياق صراعه مع حكومة اليونان متنبهاً لهذا التحول السياسي في اليونان . لو نجحت الحكومة في لي ذراع الدائنين لأنقلب سيناريو الدومينو على الطريقة اليونانية، وأحدث تحولاً في الشارع الأوروبي المثقل بخطط التقشف، وتردي المؤشرات الاجتماعية والمعيشية وترهل ما سمي عقوداً دول الرعاية والرفاه .
البطالة اليونانية فوق 25 في المئة . تم خفض الأجور منذ 2010 وزيادة ساعات العمل بلا مقابل . رفعت سن التقاعد إلى 65 من 61 . وخفضت تعويضات المتقاعدين . قوة الأجر الشرائية تراجعت أكثر من 13 في المئة وارتفع معدل الفقر . من يلوي ذراع من في هذه الأزمة؟ وأين سيستقر الحجر الأوروبي؟