IMLebanon

القرارات الإستثنائية التي يحتاجها الإقتصاد اللبناني المُحاصَر

LebanonEconomy2
شادي مسعد
هذا التراجع الذي اقترب من حدود الانكماش، يعني ان الاقتصاد الوطني يعاني ويحتاج الى معالجة، خصوصا ان مؤشرات المالية العامة وارتفاع العجز وزيادة الدين العام، تترافق مع تراجع لا يقل شأنا في القطاعات الخاصة، الخدماتية منها والانتاجية. وحتى الصناعة التي كانت حتى الامس القريب معفاة من التراجع، سجلت في العام 2014 هبوطا مقلقا وصلت نسبته الى حوالي 9 في المئة.

هذا الوضع الاستثنائي فرضته ظروف متعددة منها ما هو داخلي، ومنها ما يرتبط بالتطورات الاقليمية التي تشهدها دول عدة في المنطقة العربية. وعليه، صار الوضع، والذي قد يطول لأن لا مؤشرات لحلول في الأفق، يحتاج الى معالجات استثنائية، تأخذ في الاعتبار الظروف المستجدة، ويتم تفصيل الحلول على قياسها.

ومن هنا، تبرز الحاجة الى خطة عمل تحاكي الأوضاع القائمة، وتتعاطى مع الحالات الطارئة بمنطوق الواقعية. وفي هذا الاطار، يمكن الركون الى خطة تقضي بمعالجة الأزمات العالقة، ومن أهمها:

اولا – أزمة النازحين السوريين التي تحولت الى أزمة شديدة التعقيد بسبب العشوائية التي اعتمدت منذ البداية في مقاربتها. ورغم غياب الارقام الدقيقة حول الخسائر التي يتكبدها الاقتصاد الوطني بسبب وجود اكثر من مليون ونصف مليون لاجئ على ارضه، الا ان كل الدراسات المتاحة تشير الى ما لا يقل عن حوالي المليار دولار سنويا كخسائر مباشرة.

بالاضافة الى مبالغ اكبر كخسائر غير مباشرة ترتبط بتقليص الثقة بالبلد جراء المخاطر الامنية والوجودية التي يتسبّب بها النزوح السوري. ومن هنا تبدو معالجة هذا الملف اولوية في الانقاذ الاقتصادي.

ولا بد من التنويه بالاجراءات التي اتخذت اخيرا، ويشرف على تنفيذها الامن العام اللبناني، والتي حدّت الى درجة كبيرة من تدفّق المزيد من النازحين الى الداخل اللبناني.

لكن هذه الاجراءات على أهميتها أوقفت تفاقم المشكلة ليس أكثر. وبالتالي، تحتاج الحكومة الى تحرك فاعل باتجاه المجتمع الدولي ودول المنطقة التي شجعت لبنان على استقبال النازحين بلا ضوابط، لتقديم مساعدات سخية تساهم في تقليص اضرار هذا النزوح.

ثانيا – ضرورة التصدّي لأزمة المالية العامة المتفاقمة من خلال خطوات متعددة تبدأ بطبيعة الحال باقرار موازنة العام 2015، ووضع حد للتمادي في الانفاق غير المنضبط. كما ان اقرار الموازنة يرسم خطة مُتقنة للوضع المالي بحيث يصبح معروفا السقف الذي سيبلغه العجز، ويصبح معروفا ايضا الاتجاه الذي سيعتمد لتحفيز الاقتصاد وزيادة النمو.

ثالثا – معالجة ملف النفط والغاز. وقد أهدر البلد حتى الان سنوات ثمينة في خلافات بلا معنى، باستثناء انها خلافات مصالح وابتزاز لا علاقة لها بالحس الوطني الذي ينبغي ان يتمتع به اي سياسي يتبوأ مركز المسؤولية في الخدمة العامة.

وقصة المرسومين العالقين تعبّر بوضوح عن العقم السياسي، وعقلية المزرعة التي تُدار بها مصالح البلد والناس. وقد صار معروفا ان هدر هذه السنوات سمح للاسرائيلي بالافادة من هذا الغياب، لتكثيف سرقة الغاز اللبناني، وعقد اتفاقات بيع اقليمية كان يستطيع لبنان ان يعقدها فيما لو بدأ العمل في اتجاه استخراج الغاز.

وكلما طال الوقت، زادت احتمالات تعقيد عملية استخراج الغاز والنفط، وقد نصل الى مرحلة تصبح معها الافادة من هذه الثروة الطبيعية غير متوفرة لناحية الجدوى الاقتصادية.

وعليه، ينبغي وقف هذا الجمود السلبي، والتحرّك بسرعة نحو بت هذا الملف، خصوصا ان الشركات العالمية المتخصصة بدأت تفقد الثقة بقدرة الدولة اللبنانية على اطلاق المناقصات لتلزيم استخراج النفط. هذا الامر كفيل بتحريك الاقتصاد في الاتجاه المجدي.

رابعا – تحفيز القطاعات المنتجة لأنها القطاعات القادرة على الصمود والتطور في المراحل الاستثنائية كما هي حال الاقتصاد اللبناني في هذه المرحلة المطوّقة بالعواصف والاضطرابات الاقليمية.

هذا التحفيز يحتاج الى ضخ اموال، والى تعديل قوانين، والى اتخاذ اجراءات تشجيعية لدعم هذه القطاعات وفي مقدمها الصناعة والزراعة واقتصاد المعرفة،الذي يبدأ بدعم الجامعات. وهنا، يحضر قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPP)، والذي قد يشكّل قاعدة صلبة لدعم القطاعات الانتاجية، ودعم مالية الدولة وتحسين اداء القطاع العام.

هذا القانون الذي لا يزال ينتظر الاقرار يحتاج الى تسريع. ومن خلال هذا القانون يستطيع البلد الافادة من الاموال المكدسة في المصارف والجاهزة للتشغيل والتي تقدّر بحوالي 15 الى 20 مليار دولار.

أخيرا، لا بد من تفعيل العمل الحكومي والنيابي، باتجاه اغلاق الملفات العالقة والمفتوحة على الاضطرابات الاجتماعية من دون طائل، وفي مقدمة هذه الملفات سلسلة الرتب والرواتب، والتي تحتاج الى حسم في الاتجاه الصحيح والسليم.

هذه الاجراءات كفيلة بتحويل الاقتصاد اللبناني من اقتصاد سلبي ينتظر التداعيات الخطيرة التي تتسبب بها ظروف المنطقة والعقم الداخلي، الى اقتصاد ايجابي يتفاعل مع التطورات ويستنبط المخارج لمواصلة النمو بانتظار تغيير الظروف الخارجية والداخلية نحو الأفضل.