جون جابر
تفسير ستيوارت جاليفر الهش هذا الأسبوع، في بيان السبب في أنه كان يودع علاواته السنوية، في حساب خاص في أحد المصارف السويسرية عن طريق شركة بنمية، كان معقولا.
على أن الأمر المحيّر إلى حد ما أكثر مما لو كان قد تهرب من الضرائب، هو قول الرئيس التنفيذي في مصرف HSBC: “وجودي في سويسرا يحميني من موظفي هونج كونج. ووجودي في بنما يحميني من موظفي سويسرا”.
لا شك في ذلك، ولكن هذا يعد مصرفاً جرت العادة فيه، ألا يكون هناك هدف من إخفاء مكافأة أو تجنب الضرائب. حتى التسعينيات، منح HSBC مكافأة ثابتة عبارة عن أجر شهر واحد في السنة للمديرين. لا يزال هذا المبلغ يغطي ضريبة الدخل على الراتب الأساسي لكادره المكون من 350 مديراً. وبالنسبة لمعظم كبار قادة العمل لديه، فإن التحويل البنمي/السويسري هو عبارة عن مضيعة للوقت.
ثم هناك فكرة أن تكون “محميّا” من الموظفين التابعين لك. أكثر من أي مصرف آخر، كان يتم إدارة فرعي هونج كونج وشنغهاي (مثلما لا أزال أرى) على مستوى رفيع شبيه بفيلق الجيش.
“الموظفون الدوليون” لديه تدربوا في ناد يدعى Cloud Lands on the Peak في هونج كونج وشكلوا قوة بناء إمبراطورية. كما أن تربيتهم كانت بالدرجة الأولى على أساس الثقة ببعضهم البعض.
مصرف HSBC الآن في ورطة. وصف جاليفر الكشف عن كيفية اعتياد فرعه السويسري الخاص على تسهيل التهرب الضريبي بأنه “مصدر للعار”، الذي جاء بعد عامين من دفعه غرامة قدرها 1.9 مليار دولار للسلطات الأمريكية، لفشله في وقف عمليات غسل أموال المخدرات، من خلال فرعه في المكسيك.
بالنسبة لأي شخص شهد ازدهار HSBC خلال عقدين من الزمن، ليصبح واحدا من المصارف العالمية، يعد محيراً برمّته. من بين جميع المؤسسات المالية، يبدو أقلها احتمالا للسماح لإمبراطوريته أن تندفع بجنون، فهل الأمر ببساطة، مجرد توسع بسرعة كبيرة، وفقد للسيطرة؟ كما أشار جاليفر؟ أم أنه لم يكن جيدا أبدا كما كان معروفا عنه؟
الجواب مهم لأن جاليفر يحاول تقليص HSBC وإعادته إلى جذوره، حيث كان مصرفاً لتمويل التجارة أسسه في هونج كونج في عام 1865، تجار بريطانيون ولدوا أو عاشوا في الهند. ومن هذا المنظور، لا يوجد أي غبار على HSBC، من حيث إن إعادة تأكيد الضوابط التقليدية ستكون قادرة على أن تصلح الأمر.
تولى المصرف بشكل واضح ما هو أكثر مما يمكنه التعامل معه تحت إدارة السير جون بوند، الذي كان رئيساً لمجلس الإدارة بين عامي 1998 و2006، كما وسّع عدد موظفيه من 136 ألف موظف إلى 330 ألف موظف.
لقد دفع جون به في كل ركن من أركان العالم، مغامرا باقتحام أمريكا الوسطى وجارتها اللاتينية والاستحواذ على كل من “هاوس هولد فاينانس” وكالة أعمال التمويل الاستهلاكي الأمريكية، التي انفجرت تماما قبيل أزمة عام 2008، كما استحوذ على المصرف السويسري.
وجد جون نفسه مع مجموعة كبيرة من الأنشطة الجديدة، وعدم كفاية عدد المديرين المجربين والموثوق بهم لإصلاح كل ذلك ــ كما حدث حين أصلح السير جون والسير كيث ويتسن، الرئيس التنفيذي السابق بنك مارين ميدلاند (أول انطلاقة له نحو المصرفية الأمريكية) وبنك ميدلاند (المصرف البريطاني الذي اشتراه في عام 1992). ثم تعرض للتشتت بسبب الأزمة، وسبقته الأحداث بحملة تنظيمية حول سوء السلوك المصرفي.
هل كان هذا هو مجمل الحكاية؟ أحد أسباب الشك في ذلك هو كتاب بعنوان “صحوة الأسد”، وهو كتاب سيتم نشره قريبا حول نمو HSBC بقلم ريتشارد روبرتس وديفيد كيناستون، اللذين يسجلان كيفية إبرام كل هذه الصفقات.
في حين كتب كيث بشكل خاص في عام 1992 أن HSBC بحاجة إلى “فرض إرادتنا الآن” على بنك ميدلاند، كان جون حذرا من التدخل بعد أن اشترى البنك “هاوس هولد فاينانس” وبنك ريبابلك التابع لإدموند صفرا، الذي شمل البنك الخاص السويسري.
كتب جون إلى زملائه المديرين التنفيذيين في عام 1999: “إننا نستحوذ على فريق موهوب جدا. في كثير من المجالات، موظفو “ريبابلك” سيكونون أكثر موهبة من موظفينا”.
وفي عام 2004، أكد أن وليام آلدنجر رئيس “هاوس هولد فاينانس” أنه كان يُعدّ “أفضل لاعب في العالم في هذا المجال، لذلك سيكون من الجنون ألا يكون لدينا قيادة من بنك هاوس هولد لجهودنا في جميع أنحاء العالم في… أفضل فرصة للنمو لدينا”.
حين ننظر إلى الأمور الآن بعد وقوعها، نعرف أنه كان هناك سوء تقدير على نطاق هائل، ولكن ربما كان جون على حق جزئيا. لقد كان ضليعا في ثقافة HSBC الإدارية، حيث إنه حين كان شاباً شق طريقه إلى هونج كونج من خلال العمل على متن سفينة للبضائع. إذاً كان يعتقد أن المصرفيين المتمرسين في المصرف لم تكن لديهم تلك الخبرة في التعامل مع الأمور، ربما كانوا كذلك.
التقليد القيادي في المصرف أساسه مجموعة متماسكة من المغتربين (كلهم من الذكور حتى عام 1989)، يحددون أوقات الاجتماعات لتثبيط الإسهاب، وتنظيف مكاتبهم بحلول نهاية اليوم، ويثمنون الاعتماد الذاتي والانضباط، كما يتجسد في سلوك جاليفر ودوغلاس فلينت، رئيس مجلس إدارة HSBC. وعلى الرغم من أن المصرف أصبح أكثر تنوعا، إلا أن قيمه ظلت عالقة.
أعطى المصرف الأولوية إلى “الرجل الموجود في القمة” ــ رئيس العمليات في كل بلد أأ وأخذ من الإمبراطورية البريطانية ما أسماه روبرتس وكيناستون “رفع مستوى الموظف العمومي، والالتزام بعدم الثقة في الاختصاصي”. كان من الممكن بسهولة إرسال الموظفين العموميين لديه لإعادة تشكيل عمليات في مصارف مثل ميدلاند، ولكن في الوقت الذي كان يتوسع فيه إلى ما وراء جوهره المصرفي التجاري، لم يستطع موظفوه التعامل مع الأمور.
بالتالي كانت مهمة جاليفر أكثر تحدياً من إعادة المصرف إلى القواعد الأساسية. كانت المهمة هي إنشاء مؤسسة مالية لديها ضوابط قوية ومهارات عميقة ــ وهي مهمة لا تعتمد كثيرا على الحس الفطري، لرجل طيب القلب في القمة.
أحد اللقاءات المفضلة لدي مع حرس HSBC القديم كان التحدث إلى الليدي ريبيكا بيرفس، زوجة السير وليام بيرفس، الرئيس السابق الفظ للمصرف، في حفل كوكتيل. بينما كنا نتحدث، ظهرت يد من وراء الحشد وأمسكت بذراعها. السيدة بيرفس أهملت ذلك متعمدة، واستمرت في الكلام. وأخيراً بعد مضي خمس دقائق قالت: “هل تسمح لي؟ أعتقد أن زوجي يريدني”، ثم ذهبت مبتعدة. لم تكن قبضة HSBC أبداً حازمة كما كان يحب أن يظن.