IMLebanon

حرب الاستنزاف النفطية تكتب شهادة وفاة حوض بحر الشمال

OIlSea3
كريستوفر آدمز ومايكل كافانا وكريس تيج
جني الأموال من نفط بحر الشمال كان صعباً في الأصل، حتى قبل أن تنخفض أسعار النفط الخام إلى النصف. الآن، فإن الصناعة البريطانية تخشى من أن تخفيضات الاستثمار والانسحاب من بعض الشركات، قد يؤدي إلى ضربة قاضية.

إن من اليسير سرد أسمائها من الذاكرة بطلاقة: ثيسيل، دانلين، ومورشيسون، وألوين، وكورمورانت، ودنبار. كل منها هيكل عملاق من الصُلب، على ارتفاع مماثل لبرج إيفل، وتستهلك من الكهرباء ما يكفي لإضاءة مدينة صغيرة، مُثبتة بأرجل من الأسمنت بنحو 200 متر في قاع البحر. ما وراء الحجم والنطاق، فإن الشخص الذي يدعى هوب (أمل) بشكل مناسب، يرى فرصة أيضاً.

من موقعه للمراقبة في منصة برينت ديلتا التابع لمجموعة رويال داتش شل، وهي واحدة من المنصات العديدة التي سيتم إلغاؤها، فإن الرجل الذي يتولى تفكيك الحفارات والمنصات في واحد من أكبر حقول النفط في بريطانيا، ينظر إلى ما وراء انهيار أسعار النفط، إلى طفرة تفكيك المعدات وحِفْظ المواقع التي تبلغ قيمتها مليارات الجنيهات.

على العكس من ذلك، وعلى بعُد مئات الأميال في لندن، في مقهى مايفير، فإن الرئيس التنفيذي لواحدة من شركات التصدير البريطانية الصغيرة، والمتمرس في ارتفاعات وانخفاضات سوق النفط الماضية، هو أقل تفاؤلاً.

يقول توني كرافين ووكر، الرئيس التنفيذي لشركة سيريكا للطاقة “الصناعة في حالة أزمة. الشركات الأصغر مثل شركاتنا تخسر قدرتها على جمع التمويل ومكافأة المساهمين. إنه موت بطيء عن طريق الاستنزاف”.

يُخشى من أن نهاية حوض بحر الشمال قد تأتي في وقت أبكر مما كان متوقعاً في السابق. التراجع في الأسعار، والنظام الضريبي الذي يقول إنه يردع الاستثمار، وإخفاق شركات الإنتاج في التعاون، كل ذلك يمكن أن يؤدي إلى موجة من إغلاقات الحقول المبكرة، وتسريع الإجراءات لإغلاق وحفظ المواقع.

كريس ويتون، المحلل ومدير صندوق في “أليانتز جلوبال إنفيستورز” يقول إن المنطقة – بين المملكة المتحدة والنرويج – “متوازنة على نقطة حرجة”.

التداعيات المترتبة على تراجع النفط من أكثر من 115 دولارا للبرميل في الصيف الماضي إلى نحو 60 دولارا الآن، تمتد لتشمل جميع أنحاء العالم. بالنسبة للمستهلكين، خاصة سائقي السيارات، فإن النفط الخام الأرخص يعتبر نعمة.

كما أن التضخم الأدنى قد يؤجل قرارات رفع أسعار الفائدة في الاقتصادات المتقدّمة. على أن البلدان التي تعتمد على إيرادات النفط لتمويل الإنفاق تشكو من التضرر. كذلك، فإن شركات إنتاج النفط الصخري في أمريكا، التي ضخت الإمدادات الجديدة التي أسهمت في انهيار السوق، تعاني أيضاً.

حقول بحر الشمال القديمة، كانت في الأصل تعتبر بمثابة رهان هامشي تتراجع شركات النفط الكبيرة عنه، تبدو الآن معرّضة للغاية إلى خطر الإغلاق. منظمة النفط والغاز البريطانية، التي تمثّل المُشغلين في المناطق المغمورة، تقول إن خُمس عمليات الإنتاج أو ثُلث الحقول، أصبح الآن غير مربح. الخسارات النقدية، أو العجز بعد طرح التكاليف من الإيرادات، وصلت إلى خمسة مليارات جنيه العام الماضي، وهذا أكبر عجز منذ السبعينيات.

هذه الخسارة تتبع انخفاضاً طويل الأجل في الإنتاج. حيث كان الإنتاج في الجُرف القاري للمملكة المتحدة، على الرغم من الاستثمار بمستويات قياسية في الأعوام الأخيرة، يتراجع منذ عام 2000.

ثم انخفض بنسبة 1 في المائة أخرى العام الماضي إلى 1.42 مليون برميل من معادِل النفط يومياً، مقابل ذروة بلغت 4.5 مليون برميل يومياً قبل 15 عاماً. وأعمال الاستكشاف والتنقيب شبه متوقفة الآن.

الأسباب وراء ذلك تسبق هبوط الأسعار، التي كان لها صداها، بعد أن اختارت منظمة أوبك، وهي اتحاد لمُنتجي النفط، عدم تخفيض الإنتاج في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي.

المشاكل طويلة الأجل

أصبح العثور على النفط أكثر صعوبة. تقول منظمة النفط والغاز البريطانية “إن هناك كثيرا من البراميل التي يمكن استخراجها – هناك احتياطات ثابتة في حدود عشرة مليارات برميل، لكنها تكمن تحت البحر في الجُرف القاري للمملكة المتحدة، كما أن ما يصل إلى 24 مليار برميل قد تكون متاحة للاستخراج.

إلا أنه يتم العثور عليها على دفعات أصغر، الأمر الذي يجعلها أقل جاذبية بالنسبة لشركات كبرى مثل بريتش بتروليوم، وشل، وتوتال الفرنسية وكونوكو-فيليبس الأمريكية، التي تملك ميزانيات استكشاف ضخمة، وتحتاج إلى اكتشافات كبيرة لتبرير الإنفاق الجديد.

الوضع أكثر تعقيداً بالنسبة للشركات الأصغر التي على شاكلة شركة سيريكا. في حالتها، فإن تطوير حقل واحد قد يبدو منطقياً، لكنها لا تزال تحتاج إلى الوصول إلى المنصات وخطوط الأنابيب التي تباشر بتشغيلها الشركات الأكبر. صيانة البنية التحتية تتطلب إنفاقاً مُستمرّاً والخلاف بشأن الرسوم أمر شائع، ما يعني أنه حتى لو عثرت على النفط، فقد يكون من الصعب إيصاله إلى السوق.

كما تشتكي شركات الإنتاج أيضاً من أن النظام الضريبي في المملكة المتحدة أصبح معقداً للغاية. توجد ضريبة تكميلية على الصناعة، فُرِضت على رأس ضريبة الشركات في عام 2002، وهي التي تضخمت لتصبح نحو 32 في المائة بحلول عام 2011. حتى بعد تخفيض متواضع في كانون الثاني (يناير) الماضي، فإن المعدل الهامشي على بعض الحقول لا يزال مرتفعاً إلى نحو 80 في المائة.

في المقابل، فإن النرويج التي تعاني من ضرائب إنتاج عالية بالمثل، تستطيع الشركات فيها المطالبة بنحو 78 في المائة من إنفاقها على الاستكشاف. وهذا ما أسهم في إثارة طفرة، أدت إلى اكتشاف حقول مثل يوهان سفيردروب. إنتاج هذا الحقل وحده من المتوقع أن يتفوق على إنتاج المملكة المتحدة بالكامل، بحلول عام 2025.

كما أن حزمة من بدلات تطوير الحقول والإعفاءات الضريبية مقابل مليارات الدولارات التي تتدفق إلى المنصات والبنية التحية كل عام، تخفّض متوسط معدلات الضريبة، لكن هذه الأنظمة المعقدة تترك بعض التنفيذيين في حيرة.

يقول لورد بروان، الرئيس التنفيذي السابق في شركة بريتش بتروليوم، الذي يجادل بأنه ينبغي على وزير المالية جورج أوزبورن إلغاء الضريبة التكميلية في ميزانية المملكة المتحدة، المُقرر فرضها الشهر المقبل “كل شيء يحتاج لأن يكون مبسّطاً. أنا لا أعرف أي مكان في العالم يفعل ذلك بهذه الطريقة”.

صناعة النفط والغاز في المملكة المتحدة تُقدّم مساهمة كبيرة للاقتصاد البريطاني، حيث توفّر نحو 450 ألف فرصة عمل، وفي عام 2013، قدّمت إيرادات ضريبية بلغت خمسة مليارات جنيه.

لم تُقدم للشركات شيئاً يذكر لمصلحتها، ما سمح بارتفاع تضخم التكاليف، في الوقت الذي كان فيه سعر برميل النفط عند 100 دولار. معدلات الإيجار لمعدات الحفر شبه الغاطسة سجلت ذروة هي الأعلى منذ عدة أعوام، إذ بلغت متوسط 400 ألف دولار يومياً العام الماضي، قبل أن تتراجع بنسبة 25 في المائة، في حين إن متوسط الراتب للعاملين في مجال النفط يتكون من نحو ستة أرقام. بالتالي، يقول كرافين ووكر “إن التراجع في النفط الخام هو العامل المساعد الذي قد يؤدي إلى “كارثة”، إذا لم يتم استحداث تبسيط جذري للنظام الضريبي”.

الشركات المتكاملة الكبيرة – بما لديها من شركات المصافي تعتبر بمثابة “تحوّط” ضد أسعار النفط المنخفضة – ستكون قادرة على الصمود في وجه العاصفة. إلا أن الاحتمالات بالنسبة للمجموعات الصغيرة، التي تتعامل بشكل كبير في أعمال التنقيب والإنتاج، قاتمة.

تقول هيئة مراقبة صحة الشركات، كومباني واتش، “إن شركات النفط والغاز الصغيرة المُدرجة في لندن، المُهتمة بدعم المشاريع في بحر الشمال، توشك أن تكون بائسةً مالياً”.

التأثير الأوسع

يُقدّر إيوان ميتشل، رئيس قسم التحليلات في الشركة، “إن 70 في المائة من مجموعات التنقيب وإنتاج النفط الـ 126، التي يتم تداول أسهمها في بورصة لندن – وكثير منها لديه عمليات في بحر الشمال – تتراجع إذ سجلت خسائر إجمالية متراكمة تبلغ 1.8 مليار جنيه”.

ويضيف “نتوقع موجة من عمليات الاندماج، وعمليات طرح الأسهم من خلال الوسطاء الماليين هي منخفضة للغاية، وللأسف، سيكون هناك عدد لا بأس به من حالات الانهيار في الشركات، في حال لم تنتعش أسعار النفط قريباً”.

حتى الآن لم تشعر أبردين، مركز صناعة النفط البريطانية، بتأثير فقدان مئات الوظائف الذي أعلنت عنها مجموعات مثل بريتش بتروليوم وكونوكو في الأسابيع الأخيرة.

عدم الارتياح ينمو بين الموردين. جيم ماكول، رئيس مجلس إدارة المجموعة الهندسية كلايد بلاورز، يقول “إن بحر الشمال لا يزال مصدرا غنياً للطاقة، مع مستقبل من المحتمل أن يكون مشرقاً”، لكنه يشعر باستياء كبير فيما يتعلق بسجل الحكومة البريطانية، “لقد تم تمزيق بحر الشمال منذ أعوام، ولهذا السبب لا ترى أي نشاط هناك” حسب قوله.

لقد كان موسم النتائج السنوية مليئا بالإعلانات عن التخفيضات في الإنفاق الرأسمالي واتخاذ الإجراءات العاجلة للحد من تكاليف التشغيل.

وتتوقع وكالة وود ماكينزي أن ينخفض الاستثمار في جزء المملكة المتحدة من بحر الشمال من 19.2 مليار دولار في عام 2014 إلى 10.8 مليار دولار العام المقبل.

يقول مالكوم ديكسون، كبير المحلين في الوكالة “إن الإبحار عكس التيار يتطلب شركة شجاعة، وسيتم إجراء مزيد من التخفيضات مع مرور الوقت، فسعر النفط سيبقى منخفضاً”. وقد أكد رئيس العمليات البريطانية في إحدى مجموعات النفط الكبيرة أنه سيتم تقليص برنامجها للحفر في بحر الشمال هذا العام. وأشار إلى أن معدات الحفر غير المستخدمة، قد يُنظر إليها قريباً على أنها “خردة مكومة” في كرومارتي فيرث، شمال شرقي إنفيرنيس، المكان الذي يُعادل وقوف الطائرات غير المستخدمة، في مقبرة الطائرات في صحراء أريزونا بالنسبة للصناعة.

سيتم العثور على مجالات التوفير. في المنصات البعيدة، غالباً ما يكون من الصعب الحصول على الأشخاص والتصاريح وتركيب المعدات المناسبة في نفس اليوم،
ما يعني أن مناوبة لمدة 12 ساعة قد تُحقق ست ساعات عمل حقيقية فقط. عند زيادة ساعات العمل، ينبغي أن تكون هناك مكاسب في الإنتاجية. كثير من المشغلين، بعد تخفيض أجور المتعاقدين الذين يعملون لحسابهم الخاص بنسبة تصل إلى 15 في المائة هذا العام، يطالبون الآن بأن يوافق العمال على أنماط مناوبات جديدة، تتطلب منهم الانتقال إلى لائحة “العمل لمدة ثلاثة أسابيع، ثم أخذ عطلة لمدة ثلاثة أسابيع”. هذا يعني أن عدد العاملين سينخفض، وأولئك الذين لا يزالون يعملون سيقضون مزيدا من الأيام في أماكن عملهم. من جهتها فإن نقابات العمال تُهدد بإجراء تصويت لاتخاذ إجراء نقابي.

بالنسبة للبعض، فإن الانسحاب هو أحد الخيارات. يقول أحد التنفيذيين في شركة للأسهم الخاصة “إن الشركات التي تكافح لبيع الأصول، تبحث عن صفقات قد تعمل بموجبها الأدوات ذات الأغراض الخاصة، على شراء الحقول مقابل مبالغ رمزية وتحاول استخراج القيمة الباقية فيها، ما يجعل مسؤولية وقف التشغيل على عاتق البائع”.

سيتم الشعور بهذه الآثار القاسية لتخفيض التكاليف والأسعار المنخفضة إلى ما هو أبعد من أبردين. شركات التوريد مثل أو جي إن في شمال شرقي إنجلترا، التي تصنع منصات النفط والغاز، تخشى من أن فقدان الوظائف سيكون الخطوة التالية. الشركة لديها عمل خلال العام المقبل، لكن ليس لها سوى قليل بعد ذلك.

يقول ألكسندر تيميركو، نائب رئيس مجلس الإدارة “نحن قلقون للغاية”. ويُضيف أن “الاستثمار الذي كان موجهاً لبحر الشمال، قد ينتقل إلى مناطق ذات تكلفة أقل مثل الخليج وآسيا”.

ليس الجميع متشائماً. جورج رافرتي، الرئيس التنفيذي لمنظمة إن أو إف للطاقة، هيئة الصناعة القائمة في ديرهام، يقول “إن هذه التحدّيات كانت موجودة قبل انهيار أسعار النفط. لقد كان السعر مرتفعاً للغاية، بحيث كان هناك نوع من التهاون من جانب الصناعة”.

شركة سنتريكا، المالكة لشركة الغاز البريطانية، التي خفّضت الأسبوع الماضي إنفاقها الرأسمالي بنسبة 40 في المائة على مدى عامين، هي بين تلك الشركات التي تضغط على المورّدين لتخفيض تكاليفهم، بما يصل إلى الخُمس.

غير أن إيان كون، رئيسها التنفيذي، يستخدم مشرطاً وليس فأساً “نحن لا نرغب في أن ينتهي الأمر إلى سلسلة توريد مُفككة. هذا توازن دقيق، وسنبحث في كل شيء”. من رأيه كذلك أن على أوزبورن، على أقل تقدير، التراجع عن ارتفاع الضريبة التكميلية لعام 2011.