Site icon IMLebanon

تاريخ ألمانيا الحديث يقتضي قبولها إعفاء ديون اليونان

AngelaMerkelEurop
جيليان تيت

مع اقتراب الانتخابات الحاسمة في اليونان في وقت لاحق من هذا الشهر، كانت الصُحف مليئة بصور المظاهرات في أثينا. لكن هناك صورة أخرى تحوم في ذهني: قاعة طعام أنيقة على ضفاف بحيرة لوسيرن في سويسرا. وجدت نفسي هناك في الصيف الماضي لحضور مؤتمر، وتناول وجبة العشاء مع مجموعة من محافظي البنوك المركزية. كانت مناسبة فخمة، تخلّلتها أحاديث مع عقول راقية. بعد تقديم القهوة، وقف بنجامين فريدمان، المؤرخ الاقتصادي ذو المكانة الرفيعة، لإلقاء خطاب ما بعد العشاء.

استقر كبار المسؤولين في مقاعدهم متوقعين خطاباً فكرياً عن السياسة النقدية، لكن البروفيسور فريدمان ألقى قنبلة يدوية.

بدأ بصوت رتيب ثابت بشكل مُدهش “لقد التقينا في وقت يشهد اضطرابا في المسارين الاقتصادي والسياسي في أجزاء عديدة من العالم، منها أوروبا بالتأكيد”. وأوضح، بعناية، أنه كان ينوي قراءة خطابه المكتوب، حرفياً، لضمان أن كل كلمة ستكون صحيحة.

بعد ذلك، قدم البروفيسور فريدمان استعراضا قصيرا للتاريخ المالي الغربي، من خلال تسليط الضوء على الطبيعة غير المسبوقة لتجربة العملة الموّحدة في أوروبا، ووصف لحالات العجز عن السداد لدى الحكومات المحلية والسيادية في القرن العشرين. ومن ثم، مع إضافة حدّة إلى صوته، أشار إلى أن المستفيد الأكبر من إعفاء الديون كانت ألمانيا: في عدة مناسبات (1924، 1929، 1932، 1953) أعاد الحلفاء هيكلة ديونها.

فلماذا لا يمكن أن تفعل ألمانيا الشيء نفسه للآخرين؟ “هناك سوابق كثيرة في أوروبا عن تخفيف عبء الديون وإعادة هيكلة الديون على حد سواء (…) كما لا يوجد أساس اقتصادي لألمانيا لتكون البلد الأوروبي الوحيد في العصر الحديث الذي يتم منحه إعفاء من الديون الرسمية على نطاق واسع، وبالتأكيد لا يوجد أساس أخلاقي أيضاً”.

ويتابع، مُحذّراً من الاضطرابات السياسية في حال استمر هذا الوضع لأن “القدرة المُفترضة للبلدان الأوروبية المُثقلة بأكبر الديون اليوم على الحد من التزاماتها مع مرور الوقت، حتى نسبة إلى حجم اقتصاداتها، من المرجح أن تكون أيضاً وهما آخر”.

كان هناك صمت واضح يسيطر على القاعة. البروفيسور فريدمان لم يذكر اليونان بالتحديد، لكن الجميع عرف ما الذي يقصده. من وجهة نظر كثير من الحضور الألمان وغيرهم من أوروبا الشمالية، بدا من المُشين – إذا لم يكُن غير أخلاقي – اقتراح أي شخص أن يتم شطب ديون اليونان. كانوا يقولون بصوت خفيض، علينا ألا ننسى أن أثينا كانت غارقة في أعوام من الفساد وعدم الكفاءة البيروقراطية ـ إذا لم يكُن الاحتيال. وقال أحد المسؤولين “كيف يمكنك إعفاء الديون عندما يكون سن التقاعد في بلد معين 50 سنة”؟

آخرون من البلدان الطرفية في أوروبا كانوا أكثر سخطاً بكثير. بالنسبة لهم، واجهت ألمانيا واجباً أخلاقياً لمساعدة بلدان مثل اليونان. على أي حال، مع وصول نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 175 في المائة، بدا من المستحيل أن نرى كيف يمكن أن يسدد البلد ديونه على الإطلاق.

في كلتا الحالتين، ما أصبح واضحاً تلك الليلة هو أن مسألة كيفية التعامل مع اليونان هي قضية عاطفية عميقة، وليست مجرد مسألة تدور حول الاقتصاد. وكما ذكر ديفيد جرايبر في كتابه المؤثر “الديون: أول خمسة آلاف عام”، الائتمان يعد تركيبة اجتماعية وسياسية. وعندما كانت المجتمعات تعمل في الماضي مع قليل من القيود على مقدار الائتمان الذي يمكن أن تستحدثه، دائماً ما كان هذا يتسبب في زيادة الديون حتى تتسبب إما في إثارة انهيارات اجتماعية، وإما أن يستخدم المجتمع الطقوس لإعفاء تلك الديون.

في الماضي، كان هناك عديد مثل صمامات الأمان هذه، سواء كان احتفالات يوبيل الديون المستخدمة في إسرائيل القديمة، أو ممارسة “تبييض القائمة” في بلاد ما بين النهرين القديمة. لكن المشكلة في أوروبا اليوم، هي أن من غير الواضح من يملك السلطة لتبييض القائمة. ففي حين إن الحلفاء الغربيين كان لديهم ما يكفي من السلطة على ألمانيا لإعادة هيكلة ديونها بعد الحرب العالمية الثانية، باتت الصلاحيات تنتشر اليوم بطريقة أكثر تشويشاً. في الوقت نفسه، فكرة إعفاء الديون اكتسبت عديدا من الإيحاءات الأخلاقية بحيث إن الأمريكيين يكافحون في سبيل قبول عمليات شطب القروض العقارية.

لكن كلما عانت اليونان عبء الديون هذا لمدة أطول، تصبح المشاعر أكثر إثارة، حتى داخل القاعات الكئيبة للمصارف المركزية. ربما حان الوقت ليتولى شخص ما توزيع كتاب جرايبر على محافظي المصارف المركزية في أوروبا. لحسن الحظ، أصبح الكتاب الآن مترجما إلى اللغتين الألمانية – واليونانية.