اهتزّت ولم تقع، تلقّت بالاغتيالات ضربات بدت وكأنها “على الرأس” لكنها لم تسقط، تدرّجت في استراتيجيات عملها من الهجوم “الثوري”، الى “الهجوم الدفاعي” فـ “الواقعية” ثم “الصمود” وصولاً الى الحال “الانتظارية”.
هي قوى “14 اذار” التي يختصر مسارها منذ “ولادتها” في لحظة 14 اذار 2005 عقداً من “عمر” لبنان الذي جاء اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط من العام نفسه بمثابة “الضغط على زنادٍ” وضع البلاد على فالق إقليمي كان لا يزال في بدايات “نشاطه الزلزالي” الذي تمدّد في الأعوام العشرة الأخيرة ولا سيما منذ 2011 حين باتت “المعركة الكبرى” على “رقعة الشطرنج” في المنطقة تدور “بلا قفازات” وتتداخل فيها الحساسيات المذهبية مع حسابات النفوذ، راسمةً بالدم ملامح جغرافيا سياسية جديدة “على أنقاض” الحدود وبقياس التناقضات المعتملة على طول الخريطة وعرْضها.
14 اذار 2015 لن يكون هذه السنة ذكرى بل “عِبرة” تستخلصها هذه الحركة السياسية التي بدأت “انتفاضةً” يرى كثيرون انه وُلد في كنفها “استقلال ثانٍ” (بعد 1943) وهذه المرّة ليس على قاعدة “لاءين” (لا للشرق ولا للغرب) بل على اساس “نعَميْن”، واحدة للعروبة التي تَصالح معها المسيحيون وثانية لـ “فكرة لبنان” التي تَصالح معها المسلمون.
ولأن “الشمعة” العاشرة لها رمزية خاصة، ولأن “التوقيت السياسي” للذكرى بالغ الخطورة في لبنان والمنطقة، اختار تحالف “ثورة الأرز” ان يحيي الذكرى بإطلالة مزدوجة على الماضي والحاضر في محاولة لتلمُّس خريطة طريق واضحة للمستقبل وفق خطة عمل تسعى الى الجمْع بين السياسي و”الإداري” في إطار الرغبة في تحويلها حالة حيوية وجامعة أكثر تفاعُلية مع “الرأي العام الاستقلالي”.
التاريخ، اي 14 اذار ، يعيد نفسه ولكن “الزمن” تغيّر في الداخل والمحيط. و”الانتفاضة” التي بدأ “ميلادها” الفعلي مع اغتيال الرئيس الحريري والتي انفجرت في وجه سورية فارضةً “انسحاباً اضطرارياً” لجيشها من لبنان كان القرار 1559 شكّل “الوعاء” الدولي لحصوله، ستطلّ بعد اسبوعين ساعية الى تجديد “روحها” مستلهمةً من روزنامة الأعوام العشرة الفائتة التي “أثقلت” جسم “41 آذار” بندوبِ 12 عملية اغتيال لشخصيات سياسية وإعلامية وأمنية.
هو عقد “بالتمام والكمال” تخلّلته محطات داخلية “صِدامية” أبرزها أحداث 7 ايار 2008 التي “انتزع” معها “حزب الله” الثلث المعطّل في حكومة ما بعد الفراغ الرئاسي ضمن اطار اتفاق الدوحة الذي عاد الحزب و”ارتدّ” عليه بعد نحو عامين ونصف العام حين “انقلب” مع بدايات “الربيع العربي” على حكومة الرئيس سعد الحريري وأخرج فريق “14 آذار” للمرة الاولى من السلطة، قبل ان تحمل تداعيات الثورة في سورية والوقائع الملتهبة التي أفرزتها بوادر “مهادنة” اقليمية أتاحت ولادة حكومة الرئيس تمام سلام التي “تعايشت” فيها “14 آذار” مع “حزب الله” على قاعدة “ربْط نزاع”. ولم يكن حلّ أواخر 2014 حتى انخرط الجناح المسلم (تيار المستقبل) لتحالف “ثورة الأرز” في حوار مع الحزب بدا في إطار تحضير الأرضية لملاقاة اي اختراقات في الأفق الاقليمي في ضوء ترقُّب تفاهم بين ايران والمجتمع الدولي حول الملف النووي يفترض ان ينعكس على الانتخابات الرئاسية التي تدور في “حلقة الفراغ” منذ 25 ايار والتي تشكل بدورها محور حوار بين الجناح المسيحي الأبرز في “14 آذار” اي “القوات اللبنانية” وبين العماد ميشال عون الذي كان أحد أركان “انتفاضة الاستقلال” قبل ان يفترق عنها بعد أشهر قليلة.
وعلى مشارف هذه الذكرى، تطرق باب قوى “14 آذار” مجموعة أسئلة “عما كان”، يراد لها ان تحمل أجوبة عما سيكون، وهو ما صار محور “ورشة” بدأت داخل هذا الفريق بهدف “ترتيب الذاكرة” انطلاقاً من عملية “تأريخ” مفصّلة لما حملته، و”بالأيام”، الأعوام العشرة الاخيرة في لبنان (سياسياً وأمنياً) والمنطقة، وذلك تمهيداً للانتقال الى ترتيب القراءة السياسية حيال التحديات الداخلية والخارجية وصولاً الى محاولة الخروج بخطة عمل وورقة سياسية واضحة تستند الى مقاربة متجددة ترتكز على ثوابت هذه القوى ولا سيما لجهة “العبور الى الدولة”.
والأكيد ان 14 اذار 2015 يريده تحالف “ثورة الأرز” محطة لمراجعة شاملة لـ “التراجعات” التي أصيب بها بفعل “الانتفاضة المضادة” لفريق “8 آذار” وامتداده الاقليمي، وأين أصابت هذه القوى وأين أخطأت، ولكن ليس من باب “جلد الذات” بل انطلاقاً من رغبة في “تصويب البوصلة” لمواكبة التحولات في لبنان والمنطقة، ودائماً انطلاقاً من اهمية المحافظ ةعلى مقومات استمرارية هذه الحركة العابرة للطوائف والتي تعتبر ان الهدف “اللبناني” الذي قامت من أجله لم يتحقق. فهذه الحركة التي استمرّت “على قيد الحياة” على مدى عقدٍ مفتوحٍ على المستقبل، ورغم بقائها “انتفاضة ناقصة”، الا انها نجحت في الحفاظ على “الشعلة” مضاءة وإن وسط “خفوتٍ” لدورها أملاه الصخب الاقليمي وانتقال الصراع الكبير في المنطقة الى ساحات أكبر وأكثر “استراتيجية”.