Site icon IMLebanon

جنوب إفريقيا .. خطى متعثرة لمحو 300 سنة من التفرقة الزراعية

SouthAfricaEconomy2

أندرو إنجلاند وتوني هوكينز

بحسب الظاهر، يبدو أن ألفريد ماهلانجو وإخوته كأنهم قصة نجاح في مرحلة ما بعد الفصل العنصري في جنوب إفريقيا. بعد مرور عام على انتهاء حكم البيض في عام 1994 سعى هو وأشقاؤه إلى استرداد الأراضي المأخوذة من أجدادهم بالقوة عام 1920 أو نحو ذلك.

كان “غزوهم البري” جزءا من احتجاج على مستوى المقاطعات، أسفر ذلك عن إلقاء القبض عليهم. ومع ذلك حققوا هدفهم بالاستحواذ على انتباه المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم وانتهى أمرهم مع عقد إيجار لأرض مساحتها 800 هكتار، يديرها ماهلانجو وتسعة من أفراد أسرته الآن على شكل جمعية تعاونية.

لكن في الوقت الذي يقترح فيه الرئيس جاكوب زوما موجة جديدة من الإصلاح الزراعي في البلاد، فإن أمثال أسرة ماهلانجو وكثير من الزراع السود الآخرين لا يعتبرونها قصة نجاح بقدر ما هي حكاية تحذيرية بخصوص التحديات التي ستواجهها الأمة، إذا أرادت أن تحل واحدا من أكثر الموروثات المريرة من الحكم الاستعماري والفصل العنصري.

يقول ماهلانجو وهو جالس في حظيرة، بالقرب من المزرعة المتداعية “معظم الأراضي التي منحتها الحكومة السود من خلال برنامج إصلاح الأراضي ليست منتجة”. ويضيف “ليس ذلك بسبب أن السود يعتبرون أغبياء أو أنهم لا يستطيعون الزراعة، وإنما بسبب عدم وجود دعم من الحكومة”. كان إصلاح الأراضي الزراعية يحتل مرتبة عالية على جدول أعمال المؤتمر الوطني الإفريقي منذ عهد نيلسون مانديلا، بعدما حقق الحزب فوزا تاريخيا في أول انتخابات ديمقراطية في البلاد عام 1994، مع وعود بمعالجة الاختلالات الاجتماعية والاقتصادية الهائلة في البلاد. لكنها قضية يختلط فيها العرق بالسياسة وإرث الاستعمار والفصل العنصري، وكيفما نظرتَ إليها تعتبر العملية فاشلة حتى الآن في تحقيق أهدافها.

لكن الحكومة تعتزم الآن بذل جهود من خلال سلسلة من السياسات المثيرة للجدل، التي في حال تنفيذها يمكن أن تمثل أكبر هزة للزراعة منذ سنوات. والأمر الذي على المحك هو الشكل المستقبلي للزراعة، وليس على جنوب إفريقيا سوى أن تنظر إلى زيمبابوي المجاورة لرؤية عواقب فهم الأمر على نحو خاطئ.

استغل زوما خطاب حالة الأمة السنوي هذا الشهر، ليعلن عن خطط لحظر الأجانب من تملك الأراضي المنتجة. لن يتم تنفيذ هذه السياسة بأثر رجعي وسيكون بمقدور الأجانب إبرام عقود إيجار طويلة الأجل.

والحد الأعلى المسموح لجميع الأفراد بامتلاكه من الأراضي هو 12 ألف هكتار – تقول الحكومة عنها إنها تعادل مساحة مزرعتين – وستستحوذ الدولة على الفائض وتحوله إلى ملكية السود. كذلك عرض زوما الخطوط العريضة لما قال إنها “سياسة 50/50” التي من شأنها أن تجعل العمال الذين عاشوا في المزارع المملوكة للبيض لسنوات عديدة مؤهلين للحصول على حصة من المزرعة تصل إلى 50 في المائة. وقال الرئيس “إن السياسات التي ستعرض على البرلمان هذا العام ضرورية لتأمين أراضينا المحدودة للأمن الغذائي لدينا ومعالجة الظلم في الأراضي الذي دام لأكثر من 300 عام من الاستعمار والفصل العنصري”.

المشكلات الاقتصادية

تأتي المقترحات الجديدة وسط تصاعد الغضب حول بطء وتيرة التحول منذ عام 1994، في وقت يعاني فيه الاقتصاد المتداعي في حين إن البطالة المتفشية والفقر لا يزالان يشكلان آفة في البلاد. ويتعرض زوما وحزب المؤتمر الوطني الإفريقي أيضا إلى انتقادات متزايدة بسبب الفساد والمحسوبية، في الوقت الذي يواجهون فيه تحديا جديدا من “مقاتلي الحرية الاقتصادية” المتشددين والشعبويين.

وكان خطاب زوما قد خيّم عليه العنف عندما استدعيت الشرطة المسلحة لإخراج نواب تابعين لـ “مقاتلي الحرية الاقتصادية” من البرلمان قسرا. وكانت الشرارة التي أثارت المشاهد المروعة هي تدخل أعضاء “مقاتلي الحرية الاقتصادية” أثناء إلقاء زوما خطابه ومقاطعتهم له، لسؤاله عن فضيحة إنفاقه 22 مليون دولار من أموال دافعي الضرائب على منزله الخاص.

ويرى بعضهم في أحدث مقترحات للإصلاح الزراعي أنها دليل على التسييس الشعبوي. وكانت هناك تحذيرات مسبقة تشير إلى أن هذه الإجراءات تهدد الإنتاج والاستثمار في قطاع حيوي على صعيد توفير فرص العمل والأمن الغذائي.

ويقول شارل سينيكال، أكبر منتج للسكر في جنوب إفريقيا، الذي سيكون هدفا للحد الأعلى لملكية الأرض “لا يمكن أن يكون لها سوى تأثير سلبي في إنتاج الغذاء”. ويضيف “الأمور في جنوب إفريقيا تزداد شحا أكثر وأكثر – أصبح الماء أكثر ندرة، وأصبحت الأرض أكثر ندرة”. ويلاحظ أن الإصلاح الزراعي “ضروري مثل الهواء الذي نتنفس”، لكنه يعتقد أن هناك كثيرا من الأمور العاطفية التي تدور حول هذه القضية. ويحث سينيكال على سلوك نهج أكثر حذرا، بحجة أن الحكومة تستطيع أصلا شراء المزارع في السوق والطلب من الشركات المساعدة في بنائها.

ورد زوما على منتقدي المقترحات في البرلمان الأسبوع الماضي – وأشار على وجه التحديد إلى سينيكال – بقوله “نحن نتخذ هذه الإجراءات على وجه التحديد لأن مصير عدد كبير جدا من الناس في أيدي عدد قليل للغاية”.

إلا أن الحكومة يمكن أن تتوقع مقاومة قوية للمقترحات المقدمة من الزراع التجاريين البيض. هانز فان دير ميرفي، المدير التنفيذي لـ “أجريس” التي تمثل المؤسسات التجارية، يرى أن الزراع البيض يعترفون بالحاجة إلى الإصلاح. لكنه يقول “إن المقترحات التي أعلنها زوما تعتبر غير عملية ولا يمكن تحمل تكاليفها”.

ويقول “إنها تخلق كثيرا من عدم اليقين”. ويضيف “سننظر في مدى دستورية ذلك، لكن ذلك فقط بعد أن نستنفد المناقشات مع الحكومة”.

وبعد 20 عاما من التقدم البطيء، يصر حزب المؤتمر الوطني الإفريقي على الحاجة إلى التغيير. ويقول جوجيل نكونتي، وزير الإصلاح الزراعي والتنمية الريفية “جنوب إفريقيا ملك لكل الناس، البيض والسود، لذلك لا يمكن استمرار وضع يكون فيه عدد قليل من مواطنيها ينعمون بحياة تتسم بالامتياز، بينما لا تنعم بذلك الغالبية العظمى”. ويجادل بأن الزراع يبالغون أحيانا في قلقهم ويشير إلى أن الحكومة لن تعدل عن قرارها.

وبعد وصوله إلى السلطة في عام 1994، وضع حزب المؤتمر الوطني الإفريقي هدف إعادة توزيع 30 في المائة من الأراضي الزراعية على الزراع السود بحلول نهاية عام 2014، الأمر الذي يترتب عليه تحويل نحو 24.5 مليون من 82 مليون هكتار من الأراضي التي يسيطر عليها البيض. لكن 4.2 مليون هكتار فقط، أي أكثر من 4800 مزرعة تم نقلها منذ ذلك الحين إلى العمال السود. ولا يزال نحو 35 ألفا من الزراع البيض يهيمنون على القطاع.

رأس المال والموارد

وأنفقت الحكومة مليارات الراندات على شراء الأراضي لنقلها إلى السود، لكن في كثير من الأحيان يجد الزراع الجدد أنفسهم وهم يبدأون من الصفر مع قليل من الموارد ودون التمكن من الحصول على رأس المال. وهذا جعلهم غير قادرين على تحمل تكاليف المدخلات والمعدات اللازمة لجعل الأرض منتجة. وعلى هذه الخلفية، أصبح الإصلاح الزراعي أولوية مركزية لإدارة زوما، الذي يعتقد أنه يمكن إنشاء مليون وظيفة جديدة تقريبا في الزراعة بحلول عام 2030. توفر هذه الصناعة نحو 740 ألف فرصة عمل وتسهم بنحو 2.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. لكن المناطق الريفية هي من بين الأكثر فقرا والأكثر تمسكا بالمعتقدات البالية من الناحية العنصرية، ويعتمد حزب المؤتمر الوطني الإفريقي بشكل متزايد على الناخبين في المناطق الريفية للحصول على الدعم. وينظر إلى الحصول على حق الإصلاح على أنه أمر حاسم لتعزيز الاقتصاد الريفي، مع تسريع التكامل العنصري.

وأوجز زوما في الأصل خططا للاستغناء عن سياسة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي المعلنة منذ فترة طويلة “المعاملات الطوعية بالكامل بين المشتري والبائع”، التي بموجبها يمكن شراء الأراضي التي يملكها البيض فقط في حالة وافق المالك على البيع. بدلا من ذلك، تنظر الحكومة إلى مصادرة الأراضي بأسعار “القيمة العادلة” التي وضعها مكتب جديد للمقيّم العام.

وقد أعادت إدارته أيضا فتح عملية يمكن للمجتمعات أو الأفراد بموجبها رفع دعوى للمطالبة بالأرض التي يقولون إنها سلبت منهم خلال حكم البيض. إنه موضوع مثير للعواطف والانفعالات يعود تاريخه إلى قانون أرض السكان الأصليين لعام 1913 الذي يقصر ملكية الأفارقة للأراضي بما نسبته 7 في المائة فقط من البلاد.

مع ذلك، يصر نكوينتي على أن جنوب إفريقيا لن تتبع خطى زيمبابوي، التي كانت لها ديناميكية مماثلة من الزراع البيض المسيطرين على الغالبية العظمى من الأرض الخصبة. هناك أثارت حالات الاستيلاء العنيف على الأراضي المملوكة للبيض انهيار واحد من أكثر الاقتصادات نموا في القارة. ويقول نكوينتي “لهذا السبب يجب عليك القيام بهذا لتجنب ذلك”. ويضيف “عندما تسيطر الأمور الصغيرة على كل شيء، فإن لديك مشكلة. في زيمبابوي تركوا الإصلاح حتى وقت متأخر بعد فوات الأوان”.

ويصف رؤية مزيد من الشراكات والتعاون بين الزراع التجاريين البيض والزراع السود الجدد. مع حد أعلى من مساحة الأرض مقداره 12 ألف هكتار، مثلا، فكرته هي أنه إذا كان بالإمكان نقل الهكتارات الزائدة إلى ملكية السود، يمكن للزارع الأبيض أن يكون بمثابة مستشار. ويقول “تستطيع تغيير هيكل الملكية، لكن هذا لا يعني بالضرورة أنه يجب أن يترجم إلى تغيير هيكل الإنتاج”. لكن حتى بين الزراع السود هناك تحذيرات حول التسرع في العملية. يقول أجري مهانجانا، المدير الإداري لجمعية الزراع الأفارقة في جنوب إفريقيا، التي تمثل نحو عشرة آلاف مزارع من السود “هناك كثير من الضغط على حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، خصوصا أن هناك أطرافا سياسية أخرى تتدخل وترغب في استخدام الأرض قضية للتسييس”. ويضيف “لكن في نهاية المطاف هذه الأمور لن تكون عملية على أرض الواقع، وأي اختصار لن يكون ذا فائدة لجنوب إفريقيا”.

تهيئة الأرض للعمل

مع ذلك، الضجيج السياسي الشديد لا يعني شيئا يذكر بالنسبة للزراع السود الناشئين الذين يقولون إن أولوية الحكومة يجب أن تكون مساعدة أولئك الذين هم أصلا على الأرض ليصبحوا أكثر إنتاجية.

ويقول ماهلانجو “في كل مرة يكون فيها لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي قيادة جديدة يأتون بسياسات جميلة واهمة، لكن من دون تنسيق وتنفيذ، وهذا هو المجال الذي ينهار عنده كل شيء”.

في راست دي وينتر، وهي بلدة زراعية صغيرة في مقاطعة ليمبوبو، يتحدث السكان عن منطقة غنية وخصبة تنتج الثمار والتبغ والذرة والقطن عندما كانت تحت سيطرة الزراع البيض. اليوم، تعد مزارع البلدة في معظمها في أيدي الزراع السود الذين استأجروا الأرض من الحكومة. لكن استخدامها متعثر.

في عديد من المناطق تبدو الأراضي جرداء، مع رعي الماشية. وفي أماكن أخرى، تجري تغذية محاصيل الذرة الوفيرة بواسطة محاور ري ضخمة، باهظة الثمن. وتجري تنمية الذرة بأفضل موارد الزراع البيض الذين استأجروا الأرض من أصحابها السود بعدما رأوا أنها لا تستخدم بكامل طاقتها.

ويقول ماهلانجو، وهو أيضا الممثل الإقليمي لجمعية الزراع الأفارقة لجنوب إفريقيا “بعض الزراع التجاريين يستغلون بعض الناس لأنهم جاهلون، لكن في أماكن أخرى يجري الأمر على ما يرام”.

وهو يعتقد أن الزراعة لن تزدهر إلا إذا عمل الزراع السود وأصحاب الملكيات الصغيرة والزراع التجاريون البيض والحكومة معا. مثل هذه المشاعر تعتبر موضوعا مشتركا، مع إدراك متزايد بين الزراع التجاريين أن الوضع الراهن غير مستدام.

على بعد مسافة قصيرة من مزرعة ماهلانجو، يقوم ويليم باسون، وهو أفريكاني (أبيض)، بالمساعدة في تدريب الزراع السود المحليين في مزرعته المكشوفة. إنه يرغب في إنشاء مركز تدريب واستحداث مجمع للآلات حتى يتمكن الزراع الفقراء من الحصول على الجرارات والمحاريث وغيرها من المعدات.

وهو مقتنع بأن الإصلاح الزراعي يمكن أن يكون ناجحا، لكن فقط إذا كانت هناك آليات للمساندة. حتى الآن أخفقت جنوب إفريقيا في العثور على برنامج يوافق عليه جميع الأطراف، ويخفف من عوامل القلق حول الإنتاج والاستثمار ويفي بأهداف التحول.

يقول باسون “نحن بحاجة إلى التطبيق السليم من مستوى الصفر. يوجد كثير جدا من الثقافات في هذا البلد، لكن هناك ثقافة مشتركة واحدة هي الزراعة. الزراعة هي الشيء الوحيد الذي يستطيع أن يلم شمل جنوب إفريقيا، وليس الرياضة. لا يوجد شيء آخر يستطيع أن يفعل ما تفعله الزراعة”.