الأرقام القياسية تتحقق ليتم تجاوزها. كان هناك كثير من العناوين الرئيسية تتعلق بمستويات مرتفعة جديدة للأسهم الأسبوع الماضي، خاصة الرقم القياسي الجديد الأول للإغلاق منذ 15 عاماً لمؤشر فاينانشيال تايمز 100 في المملكة المتحدة.
لكن تحقيق ارتفاع بعد 15 عاماً ليس بالضرورة أن يكون سبباً لإثارة كثير من المخاوف. حتى إلَّم يكُن هذا وقتاً واضحاً لشراء الأسهم البريطانية، فمن الصعب الاقتناع بأن الأمر مبالغ فيه.
لكن بعد ذلك تأتي سوق السندات. هنا، يُشير التاريخ إلى أن الأسعار دخلت إلى مجال جديد وغير مُكتشف. ولأن ذلك المجال جديد للغاية، فإن التاريخ لا يملك سوابق تُذكر للمساعدة على توقّع ما يمكن أن يحدث في المستقبل.
أظهرت دراسة باركليز السنوية للأسهم والسندات التي نُشرت الأسبوع الماضي أن السندات البريطانية تفوّقت على الأسهم خلال الأعوام الـ 25 الماضية – وهي نتائج رائعة تنطوي ضمنا على أن تفوّق السندات لا يمكن أن يستمر. على المدى الطويل، كما يبين نيل كولينز بالتفصل في مقال آخر في “فاينانشيال تايمز”، الأسهم تفوّقت بشكل مريح. لكن بحسب معايير السندات الحكومية، السندات البريطانية ليست مثيرة للإعجاب لهذه الدرجة. العائدات السلبية التي تعني أن المساهمين في الواقع يدفعون للحكومة مقابل امتياز العناية بأموالهم، هي الآن متوافرة على السندات من ألمانيا وسويسرا. وهذا يبدو جنونياً. لماذا يمكن أن يقدم أي شخص على فعل ذلك؟ يُمكن تفسير العائدات السلبية من خلال عدد من العوامل. أولاً، هناك الخوف من الانكماش. إذا كنت تعتقد أن قوة الأموال الشرائية ستنخفض، فإن شراء سندات ستنخفض قيمتها أيضاً يبدو معقولاً.
ثانياً، هناك محاولة استباق تفكير المصارف المركزية. إذا كانت ستشتري بأيّ سعر كان، إذن عليك شراء السندات، حتى بعائدات سلبية، ومن ثم بيعها لاحقاً. البنك المركزي الأوروبي على وشك إطلاق برنامج لشراء السندات لأجل غير مسمى، وبنك اليابان في خِضم حملة لشراء السندات. وبإمكانهما طباعة الأموال، بالتالي يمكن الاعتماد عليهما من أجل الشراء.
ثالثاً، هناك التركيبات السكانية. بما أن السكان يتقدمون في السن، يبدو منطقياً أن مزيدا من الناس سيُقبلون على شراء السندات التي توفّر دخلاً في فترة التقاعد، وأن مزيدا من صناديق التقاعد تقوم بشرائها حتى تتمكن من تقديم ضمانات من أجل المستقبل. هذا صحيح بشكل خاص عندما تغير الحكومات القواعد لإجبارها على القيام بذلك، بالتالي يمكن القول إنها ستعمل على إجبارها على إقراض الدولة بسعر رخيص. رابعاً، هناك العرض. يوجد عدد أقل من الأصول الآمنة مما كان في السابق. السندات المدعومة بالقروض العقارية في الولايات المتحدة، بطبيعة الحال، لم تعُد تعتبر من تلك الفئة المأمونة؛ كذلك عدد الشركات ذات التصنيف الائتماني الممتاز AAA لا يكاد يُذكر الآن؛ والسندات الحكومية التي تُصدرها البلدان الطرفية في منطقة اليورو تعتبر الآن محفوفة جداً بالمخاطر. بالتالي، كما هو متوقع بما فيه الكفاية، فإن العدد القليل الباقي من الأصول الآمنة حقاً يصبح ذا قيمة أكبر، لدرجة أن المساهمين سيقبلون حتى العائدات السلبية.
أخيراً، هناك الطلب. كان مديرو احتياطي الصرف الأجنبي يشترون السندات بشكل متواصل، خاصة سندات الخزانة الأمريكية، كتأمين ضد الأزمات. وقبل مدة طويلة تصل إلى عقد من الزمن، عمليات شراء الصين لسندات الخزانة الأمريكية بكميات ضخمة، التي يمكن القول إنها أبقت أسعار الفائدة منخفضة بشكل اصطناعي، كان يُطلق عليها اسم “تخمة الادخار”. الآن، نمو الفائض التجاري في منطقة اليورو ينبغي أن يؤدي إلى تعميق تُخمة الادخار هذه، وتخفيض عائدات السندات.
على المدى القصير من الممكن تماماً أن يستمر ارتفاع أسعار السندات، على الرغم من أنها وصلت إلى حد تاريخي متطرف. وتجربة العام الماضي، عندما لم يكُن أحد تقريبا مستعد للانخفاضات المحورية في عائدات السندات مرة أخرى، تجعل ذلك واضحاً.
وبحسب ريتشارد باتلي، مختص الاقتصاد في شركة لومبارد ستريت للأبحاث، الأموال التي تأتي من البنك المركزي الأوروبي وبنك اليابان ستكون أكثر من كافية لمواجهة أي انخفاض في الميزانية العمومية للاحتياطي الفيدرالي، وذلك وفقاً للخطط المُعلنة.
لكن المساهمين ربما يكونون قد تعلّموا الدرس من خطأ عام 2014. نعم، عائدات السندات يمكن أن تستمر في الانخفاض، ويمكن حتى أن تصبح سلبية. لكن هذا لا يعني أنها لا يمكن أن تنعكس أبداً. وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية ساعدت التركيبات السكانية السندات (والأسهم)، وهي بصدد أن تنعكس في العالم الغربي حتى في الصين. وفي مرحلة ما، ستتوقف البنوك المركزية عن تقديم الدعم. الألم عندما تفعل ذلك يمكن أن يكون كبيراً. لقد أصبح المساهمون معتادون على أسعار الفائدة المنخفضة أو حتى السلبية، وطوروا مجموعة من الأوراق المالية لتكون بمثابة مقياس لمنتجي الدخل الآمن الذي اعتادت أن تكونه السندات الحكومية.
وجميع الأصول ستتأثر في حال تغيرت سوق السندات في نهاية المطاف. كذلك الخروج المتواصل للمصارف من أسواق الدخل الثابت، بسبب الضغط من المنظمين، يعني أنها لن تكون موجودة لتسهيل العملية عندما تتحوّل السندات في النهاية. وكان هناك قليل من المؤشرات في العامين الماضيين على أن سوق السندات مُعرّضة لتحوّلات قصيرة وحادّة – مثل “نوبة الغضب الناتجة عن الانسحاب التدريجي” في ربيع عام 2014، عندما ارتفعت العائدات، أو “الانهيار الخاطف” في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، عندما انخفضت.
التحذير الرئيسي من دراسة “باركليز” هو أن سوق السندات لا بد لها أن تتحول عند مرحلة معينة، وأنها عندما تفعل، فإن التحول يمكن أن يكون عنيفا.