التأكيد أن الدائنين الأوروبيين لليونان لهم اليد العليا على قادتها اليساريين المتطرفين لا يبشر بأي حال، بحل لأزمة الديون. غياب الثقة المتبادلة يتخلل الاتفاق المؤقت الذي تم بين أثينا وشركائها الأسبوع الماضي. الاقتصاد والنظام المالي في اليونان في وضع غير مستقر أكثر مما كانا عليه قبل الانتخابات في 25 كانون الثاني (يناير) التي قذفت بحزب سيريزا، من يسار الوسط، إلى السلطة.
لكن الاتفاق يعطي فسحة وفترة زمنية بالنسبة لأوروبا للبناء على التطورات الإيجابية المختلفة التي، إذا جاز التعبير، كانت تُبث على قنوات أخرى أثناء مشاهدة الجميع آخر حلقة من الدراما اليونانية. لن يعمل أي من هذا على تغيير وجهة النظر بأن الكثير لا يزال بحاجة إلى الإصلاح في منطقة اليورو، لكنها تشير بالتأكيد إلى أن هناك بصيص أمل يخترق المشكلات.
لنأخذ ألمانيا التي تتعرض للضغط من شركائها الأوروبيين – ناهيك عن الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي – لتعزيز الطلب المحلي من أجل إعادة توازن اقتصاد منطقة اليورو وتجنّب الانجراف إلى الانكماش. يوم الثلاثاء الماضي عقد أصحاب العمل صفقة مع اتحاد التجارة “آي جي ميتول” مُنِح بموجبه العاملون في ولاية بادين فورتمبيرج زيادة بنسبة 3.4 في المائة في الأجور، إضافة إلى دفعة لمرة واحدة تبلغ 150 يورو.
هذه الزيادة هي الأعلى من نوعها منذ عام 2007، وهي أعلى بكثير من معدل التضخم السنوي في ألمانيا – في الواقع انخفضت الأسعار في كانون الثاني (يناير) بنسبة 0.4 في المائة. وستكون بمثابة أنموذج لصفقات الأجور الوطنية، التي لا تُغطي فقط باقي الموظفين البالغ عددهم 3.7 مليون الذين يمثلهم اتحاد “آي جي ميتول”، لكنها أيضاً تمثل العاملين في صناعة الكيماويات وغيرها من القطاعات المهمة.
الأجور الأعلى في ألمانيا لن تُنقذ منطقة اليورو من مشكلاتها. لكن صفقات الأجور ينبغي أن تقدم بعض المساهمة لمنع الانكماش وزيادة الطلب في منطقة اليورو، لأن ألمانيا تُشكّل أكثر من ربع الناتج الاقتصادي في المنطقة.
ألمانيا مشهورة بكونها دولة مُدّخرين، لكن وفقاً لدراسة أصدرتها مجموعة أبحاث السوق “جي إف كي”، استعداد الألمان للقيام بعمليات شراء وصل الآن إلى أعلى مستوياته منذ كانون الأول (ديسمبر) 2006. وعلى العكس من ذلك، استعداهم للادخار وصل إلى مستوى قياسي منخفض.
من حيث المبدأ سيتم تعزيز الأثر الإيجابي لهذه الاتجاهات من خلال تراجع اليورو في أسواق الصرف الأجنبية، وهو أمر ينبغي أن يعمل على تعزيز الصادرات من خلال أسعار النفط المنخفضة ومن خلال برنامج شراء الأصول الواسع الذي يوشك البنك المركزي على إطلاقه، الذي يشتمل على السندات الحكومية في منطقة اليورو ويصل إلى 60 مليار يورو شهرياً. في إسبانيا التي توسع اقتصادها في الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2014 بنسبة 0.7 في المائة، وهو أسرع معدل على أساس ربع سنوي منذ سبع سنوات، فإن التحسّن يجري الآن بصورة نشطة. في الوقت نفسه، تُظهر الأرقام الأخيرة أن القروض المصرفية للقطاع الخاص في منطقة اليورو، المكونة من 19 دولة، ارتفعت في كانون الثاني (يناير) للشهر الثاني على التوالي.
إضافة إلى اليونان، فإن أكثر ما يُثير قلق منطقة اليورو في الآونة الأخيرة كان عدم رغبة فرنسا وإيطاليا، ثاني وثالث أكبر اقتصاد في المنطقة، أو عدم قدرتهما على تنفيذ إصلاحات فورية عن طريق مواجهة أصحاب المصالح المكتسبة في الشركات، ونقابات العاملين، والنقابات المهنية، والبيروقراطية. لكن حتى هنا تم تسجيل بعض التقدّم.
لقد أظهر ماتيو رينزي، رئيس وزراء إيطاليا، المنتمي إلى يسار الوسط، سيطرته على المشهد السياسي في كانون الثاني (يناير)، من خلال الهندسة الذكية لانتخاب سيرجيو ماتاريلا، المرشح الذي يدعمه، رئيساً للدولة. فوز سيرجيو سيعمل على تعزيز سيطرته، مع استعداده لإدخال إصلاحات طال انتظارها في أسواق العمل والنظام الانتخابي.
وبالمثل، فرانسوا هولاند ومانويل فالس، رئيس فرنسا ورئيس وزرائها، يستحقان الثناء تحييدهما تمردا في حزبهما الاشتراكي هذا الشهر وتعزيز مجموعة من الإصلاحات الصديقة للأعمال من خلال البرلمان. لقد كان عرضاً من العزم لم يكُن له مثيل منذ فوز الاشتراكيين بالانتخابات الرئاسية والتشريعية في عام 2012. ويتعهد فالس الآن بتقديم مشاريع قوانين أكثر طموحاً لإعادة تنظيم العلاقات الصناعية ومنح الشركات الصغيرة حافزاً لتوسيع قواها العاملة.
جميع هذه الاتجاهات يجب أن يُنظَر إليها في السياق المناسب. الإصلاحات الفرنسية متواضعة في حجمها، وحزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف يستعد لإلحاق ضربة قاسية بالحكومة – والمؤسسة السياسية بشكل عام – في الانتخابات الإقليمية المقرر عقدها بين 22 و29 آذار (مارس). توقعات الاستقرار السياسي والإصلاح الاقتصادي في إسبانيا، بعد الانتخابات العامة المقررة بحلول كانون الأول (ديسمبر)، غير مؤكدة بسبب ظهور أحزاب غير تقليدية، مثل بوديموس على اليسار، وإلى درجة أقل، كيودادانوس في الوسط.
خارج منطقة اليورو، هناك تحدّيان – لن يفسح أي منهما المجال لإجابات سهلة – بانتظارنا. الأول، مستقبل المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي الذي قد يحتاج إلى اهتمام عاجل بعد الانتخابات البريطانية في السابع من أيار (مايو). والآخر، النزعة الانفصالية التي تدعمها روسيا في أوكرانيا وتهديدات الأمن الأوروبي التي تتكشف.
نمو القوى السياسية المناهضة للمؤسسة القائمة، ومشكلة المملكة المتحدة، وأكرانيا، كل ذلك يُذكرنا بأن إصلاح أوروبا لا يدور حول الاقتصاد فقط. لكن، على الأقل على الجبهة الاقتصادية، بدأ العام مع دلائل مُشجّعة.