مايا نادر
ميركوسور هي منظّمة دوليّة ، إطار لسوق حرّة في القارّة الأميركيّة الجنوبية. وقد تأسست المجموعة عام ،1991 وتضم في عضويتها الكاملة الأرجنتين والبرازيل وباراغواي وأورغواي، بينما تنتظر فنزويلا الموافقة على دخول المنظمة. ومن الأعضاء المنتسبين للمجموعة بوليفيا وتشيلي وكولومبيا وبيرو.
الحاجة الى اسواق نامية
يشير الدكتور فؤاد زمكحل، بداية ، الى ان خطوات ما قبل الوصول الى هذا الاتفاق بدأت منذ حوالي الخمس سنوات انما بوتيرة بطيئة ، وواقع الاقتصاد اللبناني هو الذي فرض هذا التحوّل. فيشير زمكحل الى ان لبنان يمرّ باصعب الاوقات السياسية، الامنية، الاجتماعية والاقتصادية. ويقول ان اكبر سوق للتبادل التجاري مع لبنان هو في الاساس السوق العربية، التي لا يمكن انكار مقاطعتها الامنية والسياسية في السنوات الاربع الاخيرة بعد الازمة السورية .. ما اثر على التبادل التجاري والاستثمارات بطريقة ملحوظة فدفع الاقتصاد اللبناني الثمن الاكبر في هذا المجال.
فضلاً عن ذلك، كانت كلفة “الربيع العربي” كبيرة على لبنان، بسبب توقف التبادل التجاري مع مصر وليبيا واليمن ، والى اليوم لم يصر الى اعادة هيكلة بنى تحتية لعلاقات جديدة تساهم في اعادة عجلة التبادل التجاري الى سابق عهدها .
تجمع رجال الاعمال اللبنانيين لحظ هذه الخطورة، واستدرك ضرورة الانفتاح على اسواق نامية جديدة، فيها جاليات لبنانية باعداد كبيرة . وضمن اطار انتشار العولمة وانعدام قيمة الحدود في ما بين البلدان بسب التطور ، بات السفر الى افريقيا او البرازيل اسهل من ذي قبل بكثير، لذلك تهافت رجال الاعمال من مختلف القطاعات، الفندقية، السياحية، المصرفية والصناعية .. ولحظوا وجود سوقين ناميين كبيرتين : سوق افريقيا ، حيث الجالية اللبنانية كبيرة والطلب كبير على السلع اللبنانية كما ان مردود الاستثمار كبير. وسوق اميركا اللاتينية حيث الجالية اللبنانية الاكبر . الامر الذي اعتبره زمكحل العنصر الاهم في ادارة الدفة، لان التبادل التجاري يتطلب اشخاصاً تفهم لغتنا وتعرلاف مصانعنا واهتماماتنا كما تدرك جيداً حاجات الاسواق “المضيفة” وطرق التعامل معها .
… وكلفة النقل الاكبر
هذه الاسواق نامية وتفوق فيها أعداد أبناء الجالية اللبنانية 3 اضعاف عدد اللبنانيين المقيمين في وطنهم، فيصل عددالمغتربين اللبنانيين هناك الى نحو10 ملايين لبناني الاصل او من جذور لبنانية . فضلاً عن ان هذه السوق تضخّ ما يكفي من الاموال والسلع الى قارة اميركا.
يقول د. زمكحل إنه “وفي دراسة معمّقة”، يتبين ان التبادل التجاري ما بين لبنان ودول اميركا اللاتينية لا يتناسب وواقع الوجود اللبناني هناك ، وبالتالي فتّش عن الاسباب ، فوجد ان السبب الرئيسي هو كلفة النقل والضرائب العالية، اما السبب الثاني فهو حماية دوله المنطقة لاسواقها في تشكيل منظمة “ميركوسور” ، وعلى كل راغب في ادخال سلعه الى تلك الدول ، الانضمام الى المنظمة التي كانت برئاسة الارجنتين .
تبعاً لتلك الوقائع، ارتأى تجمّع رجال الاعمال اللبنانيين التوجه الى اكبر سوق في تلك المنظمة، وهي البرازيل ، ووجد ان اتفاقيات عدة يمكن ان تجمع هذه السوق ، اولى سياسية ، ثانية امنية وأخرى تجارية. واذ وجد التجمّع ان لا مصالح لاي اتفاق سياسي او امني مع تلك البلاد بسبب البعد الجغرافي، رأى ان الاتفاق التجاري امر ضروري خاصة و” ان سلعنا اللبنانية مطلوبة بكثرة بكل جودتها ونوعيتها .” والجدير ذكره ان الطلب كبير على افتتاح الفنادق والمطاعم اللبنانية والتميز بتقديم كل ما هو تراث لبناني. .
في هذه النقطة ، بدأ العمل الجدي ، وكانت العقبات كثيرة، الا ان زمكحل شكر الجهات التي ساعدت في توطيد العلاقات التي اثمرت عن انشاء المجلس الاقتصادي اللبناني – البرازيلي برئاسة عضو من تجمع رجال الاعمال اللبنانيين ربيع افرام .
التحركات تتسارع
تسارعت وتيرة الاتصالات في السنة الاخيرة (2014) . وتفعّلت في دعوة سفراء دول اميركا اللاتينية في لبنان الى مأدبة غذاء حوارية حول هذا الموضوع بمشاركة رجال الاعمال اللبنانيين.
وكان الهدف الاساسي في حينها، تنمية العلاقات في ما بين لبنان وتلك البلدان فضلاً عن تنمية التبادل التجاري مع هذه المنطقة من العالم ودراسة العديد من فرص الاستثمار والشراكة المتبادلة.
الخطوة الاولى ..
تصل البضائع اللبنانية الى سوق “ميركوسور” بكلفة عالية بسبب الضرائب المرتفعة وكلفة الشحن ، واكبر دليل على ذلك ان قارورة النبيذ على سبيل المثال التي تباع في لبنان بقيمة 10 دولارات أميركية لا يمكن بيعها في اسواق اميركا اللاتينية بأقل من 90دولارا!
لهذا السبب، اشار زمكحل الى انه، وخلال هذا الغذاء، تمت مناقشة موضوع فتح السوق وانضمام لبنان الى “ميركوسور” ، فتلقّف السفراء هذه الايجابية من جهتهم، ونقلوها الى رؤساء بلادهم. من جهته، قام تجمّع رجال الاعمال اللبنانيين بعملية ضغط مشددة عبر الجاليات اللبنانية المنتشرة بشكل كبير في تلك البلاد .
واذ تم تحضير الملف وكل حيثياته وتسليمه الى السلطة التنفيذية من وزارة الخارجية الى وزارة الاقتصاد، كان التعاون بين القطاعين العام والخاص لاستكمال الملف.
الخطوة الكبيرة ، كانت بحسب زمكحل، الحوار الاخير مع سفير البرازيل في لبنان الفونسو ماسو قبل مغادرته بمدة شهر تقريباً ، والذي وعد تجمّع رجال الاعمال بمتابعة الملف قبل ان تنتقل رئاسة المنظمة من الارجنتين الى البرازيل في 1/1/2015.
اليوم ، وقد وقّع لبنان اتفاقية الانضمام، بقيت خطوات بسيطة وصفها زمكحل بأنها ” بروتوكلية” ، فالخطوة الاكبر تمّت بموافقة كافة البلدان في المنظمة ،على امل استشفاف النتيجة هذا العام ويصبح لبنان قادراً على تصدير سلعه الى هذه السوق الكبيرة بشكل اوسع وبأسعار افضل .
مصالح مشتركة ؟
سوق “مركوسور ” سوق ضخمة تضم اكثر من 242 مليون شخص وتشكل 44% من اميركا اللاتينية و 59% من اراضيها … فما هي مصالحها بانضمام لبنان اليها؟
سؤال تداوله كثيرون في لبنان لمجرد الحديث عن محاولات لبنان الانضمام الى هذه السوق، والجواب اتى واضحاً. ففي حين اكد زمكحل على هذا الموضوع، تحدّث من منطق آخر اوضح فيه للدول الاعضاء في المنظمة وللبنانيين حقيقة الامر قائلاً: بلدنا صغير نعم، واقتصادنا صغير، انما سوقنا الحقيقية تتجاوز حدودنا وتغطي منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا كله ” لذلك، اكد زمكحل ان سوق المركوسور وان فتحت للبنان باباً من الذهب الا ان لبنان بدوره يفتح لها باباً من الالماس ليدخلوا عبره الى منطقة الشرق الاوسط . فلبنان هو البلد العربي الاول الذي يدخل تلك السوق، وبالتالي فالمصالح متبادلة في ما بين الدول المنضوية تحت لواء تلك المنظمة .
استطراداً، شدد زمكحل على ان “بترول” لبنان هو فوق البحر وليس تحته ، معتبرا ان “نفطنا الحقيقي هو هؤلاء اللبنانيون المنتشرون في بلاد الاغتراب. هم الذين هاجروا الى بلاد منذ عقود ، نجحوا بكل فخر وشاركوا في نموها. فباتوا جزءاً من ثقافة البلد المضيف واقتصاده وحتى من الحياة السياسية” .
التراث اللبناني .. أوّل المطلوبات
في اطار التبادلات المتوقعة، والسلع المنتظر تصديرها، يشير زمكحل الى ان لا دراسة رقمية ورسمية تظهر حاجة سوق “ميركوسور” لانواع السلع اللبنانية، انما واقع السوق هناك ووجود اللبنانيين يظهر بوضوح الحاجات المرغوب فيها مثل زيت الزيتون، الحمص، الحلاوة …. وكل ما يعتبر من تراث اللبناني.
كافة هذه البضائع مطلوبة في بلدان اميركا اللاتينية، الا انها تصل باسعار عالية ما يخفف نسبة استهلاكها . في الاطار، شدد زمكحل على ان انضمام لبنان الى منظمة “ميركوسور” هو ” انجاز كبير” انضم عبره لبنان الى اكبر سوق تجاري في العالم يحوي 250 مليون شخص .
اهمية تجارية
يمكن اختصار اهمية هذا الاتفاق بعدة نقاط ، اولها تسهيل وصول السلع اللبنانية وتخفيف الضرائب ، وتقدّم الشركات اللبنانية نحو تلك الاسواق لفتح مكاتب او مراكز لها وتأمين شراكات معينة او وكالات ، فضلاً عن ان لهذا الاتفاق تأثير على التسهيل باعطاء تأشيرات الدخول .
الباب سيفتح في وجه لبنان ورجال اعماله ومصانعه وشركاته ومعارضه وكافة منتجاته، التي ستكون بالدرجة الاولى متعلقة بالمأكولات التراثية اللبنانية مثل الحمص والحلاوة ، والمشروبات الروحية مثل البيرة والنبيذ .. وتتعدد الانواع تباعاً .
في هذا الاطار ، اشار زمكحل الى ان اقتصاد لبنان صغير انما غير تقليدي ، بل هو اقتصاد المعرفة والجودة والابتكار ، لذلك سندخل سوق منظمة الميركوسور بجودة السلع المطلوبة باحترافية وذوق متميز. وهذا ما هو مطلوب في المرحلة الحالية، بعيداً من محاولة مضاربة سوق البلاد الصناعية بعدد السلع .
انضمام لبنان إلى تلك المنظمة، يفترض أن تسهل قضية حل الخلافات التجارية بشكل اكبر ، وسيكون صوت لبنان في المنظمة تماماً كصوت اي عضو آخر .. واذ يفتح الاتفاق الاقتصادي بين لبنان ودول تلك المنظمة ابواباً وآمالاً للشعب اللبناني .. الا ان زمكحل وعد ببدء السير على السكة الصحيحة ومن منظمة الميركوسور الى سوق افريقيا قريباً صولاً في نهاية المطاف الى الاتحاد الاوروربي والمنظمة العالمية للتجارة …