Site icon IMLebanon

منطقة اليورو هشّة .. والخوف على العملة الموحدة

GreeceEuro2
مايا نادر

أزمة الدين الحكومي اليوناني هي أزمة مالية عصفت بالاقتصاد اليوناني في نيسان 2010 ، حينما طلبت الحكومة اليونانية من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي تفعيل خطة إنقاذ تتضمن قروضا لمساعدة اليونان على تجنب خطر الإفلاس والتخلف عن السداد . وكانت معدلات الفائدة على السندات اليونانية قد ارتفعت إلى معدلات عالية نتيجة مخاوف بين المستثمرين من عدم قدرة اليونان على الوفاء بديونها، ولاسيما مع ارتفاع معدل عجز الموازنة وتصاعد حجم الدين العام. وقد هددت الأزمة اليونانية استقرار منطقة اليوور وطرحت فكرة خروج اليونان من المنطقة الاقتصادية إلا أن أوروبا قررت تقديم المساعدة إلى اليونان مقابل تنفيذها لإصلاحات اقتصادية واجراءات تقشف تهدف إلى خفض العجز بالموازنة العامة.
هذا في العام 2010، أما اليوم وبعد خمس سنوات، فتعود الفكرة لتطرح بقوة من جديد، وتعود قضية خروج اليونان من منطقة اليورو الى التداول بين مخاوف من جهة وسلبيات او ايجابيات من جهة أخرى. فبعد خروج ايرلندا وبلغاريا ، هل تصبح اليونان الدولة الثالثة التي تخرج من برنامج الانقاذ المالي ؟ وما بعد هذا الخروج هل سيكون كما قبله ؟

تاريخ الازمة اليونانية
بدأت الأزمة اليونانية في أواخر عام 2009 مع انتشار المخاوف بين المستثمرين من عدم قدرة اثينا على الوفاء بديونها نتيجة الزيادة الحادة لحجم الدين العام. وقد أدى ذلك إلى أزمة ثقة في الأسواق المالية اتضحت بارتفاع الفائدة وارتفاع قيمة التأمين على السندات اليونانية ضد التخلف عن السداد. ومع تزايد حجم الديون العمومية وارتفاع عجز الموانة، واجه الاقتصاد اليوناني ضعفا في النمو، وهو ما عقّد من وضع اليونان وصعّب من قدرتها على الحصول على قروض جديدة لتسديد ديونها السابقة.
قدمت الحكومة اليونانية طلبا رسميا في 2010 إلى دول منطقة اليورو وصندوق النقد الدولي لتفعيل خطة الإنقاذ المالي التي اتفق عليها قبل 10 أياممن ذلك التاريخ مع المفوضية الأوروبية، وكانت تتضن قروضا من دول الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد بقيمة 45 مليار يورو تحتاجها الحكومة اليونانية للنفقات المالية خلال تلك السنة ، إضافة إلى حاجة اليونان لتسديد 16 مليار يورو لسندات يحل أجل سدادها مع نهاية شهر مايو وبسبب ارتفاع معدلات الفائدة إلى 8.3% فإن اليونان غير قادرة على إعادة تمويل هذه السندات.
في 2 ايار وافقت جميع دول الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى صندوق النقد الدولي على منح اليونان سلسة من القروض المالية بمجموع 110 مليارات يورو على مدى 3 سنوات خلال الفترة من ايار 2010 حتى حزيران 2013، منها 80 مليار يورور مقدمة من دول الاتحاد الأوروبي فيما قدم صندوق النقد الدولي 30 مليارا ، وتبلغ الفائدة على هذه القروض نحو 5.2% لفترة سداد 3 سنوات. وقد خفضت الفائدة في قمة بروكسل لقادة الاتحاد الأوروبي في آذار 2011 بنحو 1% لتصبح 4.2% فيما زيدت فترة السداد لتبلغ 7 سنوات ونصفالسنة، وقد اشترط على اليونان للحصول على القروض القيام باجراءات تقشف تهدف إلى خفض الانفاق.
وبحسب الخطة يتعين على اليونان خفض العجز في ميزانيتها إلى 8.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2010 و7.6 في المئة في عام 2011 و6.5 في المئة عام 2012.
في 21 شباط 2012 أقرت دول منطقة اليورو الحزمة الثانية لإنقاذ اليونان، وتتضمن الحزمة جملة إجراءات خصصت لها 130 مليار يورو، فضلا عن اتفاق لتبادل سندات ديون أثينا مع دائنيها من القطاع الخاص ينص على شطب 107 مليارات يورو، من خلال اتفاق مبادلة مع المؤسسات المالية الخاصة ينص على شطب 53.5% من قيمة سندات الدين اليوناني التي تحوزها تلك المؤسسات أي ما يعادل 107 مليارات يورو عن طريق تبديل السندات القديمة بأخرى جديدة بتاريخ استحقاق يحل بعد بعد ثلاثين سنة وبنسبة فائدة متغيرة، تتراوح بين 2% حتى 2015، و3% حتى 2020، و4.3% في السنوات الموالية، إلى أن تنتهي آجال استحقاق الديون اليونانية في 2042. وأما القروض التي سيقدمها الدائنون الدوليون فتصل في مجموعها إلى 130 مليار يورو، تسدد تدريجيا إلى غاية 2014.
وتهدف خطة الإنقاذ إلى إعادة هيكلة ديون اليونان التي تناهز 350 مليار يورو ، ومن المتوقع أن تقلص إجراءات الحزمة الثانية ديون اليونان من 160% من ناتجها المحلي الإجمالي إلى 120.5% في 2020، وهي النسبة الأقصى للدين التي يمكن أن تتحملها البلاد على المدى البعيد.
الاعباء المالية
تبلغ مديونية اليونان نسبة 180 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، واضطرت بفعل الأزمة المالية والاقتصادية منذ 2010 إلى الاقتراض من صناديق الاستقرار المالي الأوروبية التي أنشأتها دول الاتحاد لمساعدة ايرلندا والبرتغال واسبانيا وايطاليا في إدارة أزمة الديون السيادية.
واستحال على أثينا الاقتراض من أسواق المال لأن الأخيرة فرضت أسعاراً مرتفعة للفائدة وصلت إلى 12 في المئة. وكان لزاماً على أثينا التوجه إلى الشركاء الأوروبيين لتفادي الإفلاس في مقابل القبول بتولي ترويكا اوروبية الإشراف على سير برنامج التقشف الجاري منذ اربع سنوات..
احتمال التخلي عن اليورو !!
اليوم، ومع تخلي الرئاسة اليونانية عن سياسة التقشف… سلسلة اجتماعات متكررة ومتلاحقة يعقدها مسؤولوب مجموعة منطقة اليورو للتوصل إلى اتفاق يسمح بتمديد برنامج المساعدة لليونان لفترة ستة اشهر مع انتهاء مهلته في 28 شباط . و بين الإشاعات والوقائع، تعزّزت المخاوف من احتمال خروج اليونان من منطقة اليورو. وكشفت مجلة “ديرشبيغل” الألمانية أن البنك المركزي الأوروبي “يستعد لخروج اليونان من منطقة اليورو، كما يجهز موظفوه خطط طوارئ حول كيفية الحفاظ على سلامة بقية الكتلة”.
نتائج “الخروج”
سيناريوهات عدة تطرقت الى نتائج توقف اليونان عن الوفاء بالتزاماتها ، اهمها انه سيكون أمام منطقة اليورو والبنك المركزي الأوروبي وسائل فرض الخروج عبر تقليص إمكانيات إعادة تمويل المصارف اليونانية، ما يجبر أثينا على طرح عملة موازية. فضلاً عن ان خيار الخروج من اليورو “بشكل عرضي” سيؤدي إلى سحوبات كثيفة من الأموال وفرض رقابة على الرساميل لمنع حصول نزيف، وأخيرا إلى اصدار عملة موازية.
اما العواقب فعديدة، وتحدث عنها خبراء الاقتصاد بشكل كبير ، فاذا تخلفت اليونان عن سداد ديونها، لن يكون في وسعها الاقتراض من الأسواق المالية.
لكن ماذا سيحدث للوضع الاقتصادي بباقي الدول الأوروبية في حال خروج اليونان من منطقة اليورو، وأيضًا تأثير خروجها على الاقتصاد العالمي ككل ؟ في هذا الاطار نشر موقع ”financial post” المعني بالشؤون الاقتصادية تقريرًا حول نتائج خروج اليونان من المنطقة. وتتعلق هذه النتائج بالوضع في منطقة اليورو.
.. نهاية العملة الموحدة
أكد التقرير أن عملتي الفرنك والليرة سوف تعودان من جديد في حالة خروج اليونان من منطقة اليورو، حيث أن الرئيس السابق لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي آلان غرينسبان يعتقد أن خروج اليونان يعني نهاية العملة الموحدة، علماً انه وبدون انهيار اليورو سيكون المخرج اليوناني مؤلما للغاية، اذ انه سوف يترك “المركزي الاوروبي” مع مليارات الدولارات من الديون اليونانية والقليل من الخيارات، منها فقدان اليورو قيمته كعملة احتياط، وكذلك هروب المستثمرين الاجانب الى شواطئ اكثر امانا، والمدخرين الى سحب مدخراتهم من المصارف الاوروبية وتصفية الأصول الاوروبية بصورة جماعية.
وحتى إن لم ينهر اليورو بشكل كامل، فإن خروج اليونان سوف يترك البنك المركزي الأوروبي حاملًا للمليارات من الدولارات التابعة لديون اليونان بقليل من الاختيارات والحلول المتاحة. وسوف يواجه اليورو خطر تخفيض قيمة العملة ليترك بذلك دول منطقة اليورو عرضة لتراجع إقبال المستثمرين واتجاههم لمناطق أكثر أمانًا. وبينما يرى غرينسبان خروج اليونان كأمر لا مفر منه وهو الاستراتيجية الأنسب في الوقت الحالي، إلا أن آخرين ليسوا متشائمين في ما يخص الفرص المتاحة لمنطقة اليورو.
وقال ديفيد كوتوك رئيس مجلس الإدارة ومدير الاستثمار في شركة كمبرلاند الاستشارية، إن منطقة اليورو ليست قوية بالشكل الكافي لتقاوم خروج اليونان، إلا أنها سوف تكون أفضل حالًا بدون الدولة التي تسحبها لديون أكثر. مضيفًا ” منطقة اليورو سوف تتمكن من مقاومة خسائر خروج اليونان بل وستكون أفضل حالًا بدونها” .
عملة جديدة !
تحدث آخرون عن ان لحظة خروج اليونان من مجموعة اليورو لابدّ أن يتم تعويض اليورو بعملة جديدة، وهي عملية لا تتطلب أكثر من “كبسة زر” بالنسبة للحسابات البنكية، في حين لن يكون ذلك بالسرعة نفسها بالنسبة للأوراق المالية والقطع النقدية، ولكن يمكن أن يتم طبع أوراق اليورو قبل استعمالها في أجهزة الصرف الآلي لتصبح “دراخما” نافذة المفعول على أوراق يورو، بحيث يكون الصرف بقيمة 1 مقابل 1، وطبعًا ستخسر هذه الأوراق من قيمتها مباشرة عند تداولها في السوق، ربما ثلث قيمتها وربما أكثر؛ أما من يملك أوراق يورو غير مطبوعة بطبعة “الدراخما” فيُمكنه بيعها في السوق السوداء وتحقيق بعض الأرباح.
وللإشارة فإن الديون السيادية لليونان تبقى موجودة في حالة خروج هذا البلد من منطقة اليورو؛ ولكن اليونان لن تدفعها، وفي أحسن الحالات ستدفعها بالعملة الجديدة التي يمكنها أن تطبع منها إلى ما لا نهاية، هذه الوضعية تتسبب لألمانيا مثلاً بمجموع خسائر قيمتها 80 مليار دولار.
الاقتصاد الأوروبي
بالنسبة الى الاقتصاد الاوروبي، اشار التقرير الى انه كلما تأخرت جميع الأطراف في التوصل إلى اتفاق، ارتفعت المخاوف من تسبب خروج اليونان في تسرع الأوروبيين في سحب مدخراتهم من البنوك خوفًا من الخسارة المحتملة وأوضح التقرير أن منطقة اليورو التي أصبحت ضعيفة تواجه انخفاض أسعار المستهلكين، كما أن أنباء خروج اليونان قد تؤدي إلى قيام المستثمرين الدوليين بتصفية أصول أموالهم الأوروبية بشكل جماعي، ما قد يتسبب في مشكلة التدفق النقدي ودوامة من الانكماش الاقتصادي.
وأشار التقرير إلى أنه في حالة خروج اليونان من منطقة اليورو، سوف يبدأ المستثمرون في النظر إلى البلدان الأوروبية الضعيفة اقتصاديًا مثل قبرص، وإيرلندا، والبرتغال، وأسبانيا، ومن المحتمل أيضًا إيطاليا على أنها مصدر خطورة.
الاقتصاد العالمي
من المحتمل ألا تقف تداعيات أزمة اليونان التي قد تصل إلى الاتحاد الأوروبي عند هذا الحد اذ يستحوذ الاتحاد الأوروبي على نحو خُمس التجارة العالمية. وقد توقع التقرير أن يتسبب ضعف الاقتصاد الأوروبي في العديد من الصدمات الاقتصادية لسوق الطاقة العالمي والصادرات العالمية.
وبينما أصبحت محركات الاقتصاد العالمي والاقتصاد الأميركي أقوي من وضعها أثناء الأزمة اليونانية الأخيرة في عام 2012، إلا أن المحللين قلقون من أنه مع وصول نسب الفوائد للصفر قد لا يكون الاقتصاد العالمي قويًا بشكل كافٍ لمواجهة خروج اليونان من منطقة اليورو وبالتالي الأزمة الاوروبية التالية لذلك.
منطقة اليورو وافقت على إصلاحات اليونان
قال مسؤول في وزارة المال اليونانية إن وزراء المال في دول منطقة اليورو وافقوا على خطة الإصلاح اليونانية في خطوة تمهد الطريق أمام تمديد برنامج الإنقاذ المالي لليونان أربعة أشهر. وقال المسؤول بعدما عقد الوزراء مؤتمراً عبر الهاتف للبحث في القائمة التفصيلية للإجراءات التي قدمتها اثينا : “انتهى مؤتمر مجموعة اليورو ونالت خطة الإصلاح اليونانية الموافقة”.
وأعلنت المفوضية الأوروبية ان لائحة الإصلاحات المطلوبة من اليونان في مقابل تمديد برنامج القروض وصلت “في الوقت المحدد” وتشكل “نقطة انطلاق صالحة” لتفاهم بين أثينا ودائنيها حول مواصلة تمويل البلاد حتى نهاية حزيران (يونيو). وقال الناطق باسم المفوضية مارغاريتيس شيناس في تغريدة إن “لائحة اجراءات الإصلاح المقدمة من الحكومة اليونانية وصلت في الوقت المحدد”.
الحل .. قمة اوروبية ؟
القمة الاوروبية .. ابغض الحلال !! ففي حين ان اليونان عازمة على طي صفحة التقشف فيما تتمسك المانيا بخطها المتشدد بزعامة وزير ماليتها المحافظ فولفغانغ شويبله، مطالبة أثينا بمواصلة تصحيح ماليتها العامة وإصلاحاتها البنيوية، التي وافقت عليها لقاء برنامج دعم بقيمة 240 بليون يورو. برلين ليست الوحيدة المتمسكة بسياسة التقشف والتشدد المالي، إذ تؤيدها في ذلك فنلندا ودول البلطيق شمالاً، واسبانيا والبرتغال وسلوفاكيا جنوباً. لذلك، تلوح في الافق امكانية حل المشكلة بفضل تدخلات سياسية على أعلى المستويات، ويعني ذلك ” قمة أوروبية” .
… في النهاية، هامش المناورة بين دول منطقة اليورو من جهة واليونان من جهة أخرى على حافة بالغة الحساسية، وسواء تم تمديد مهلة سداد اثينا لديونها او لم يتم، بل ولو تم استنباط اية حلول أخرى ، مهما اختلفت، يبقى الوضع في منطقة اليورو هشاً في ظل الحديث المتكرر عن عدم جهوزية دول تلك المنطقة لتحمل اية ازمات مالية متوقعة . ولا يمكن اختصار الواقع الا بالمثل اللبناني الذي يقول ” لا تهزّو واقف على شوار”، ومعناه أن لا تهز الذي يقف عند حافة الهاوية، وإلاّ وقع !!