موريس متى
مطلع الاسبوع الماضي، كشف وزير المال علي حسن خليل عن أكبر عملية اصدار سندات خزينة بالعملة الأجنبية Eurobonds منذ دخول الدولة الأسواق المالية في التسعينات، والتي بلغت 2200 مليون دولار. انقسم هذا الاصدار الى شطرين: الأول بقيمة 800 مليون دولار استحقاق سنة 2025 بمعدل عائد 6٫2%، والثاني بقيمة 1400 مليون دولار استحقاق 2030 بمعدل عائد 6٫65% . وشهد هذا الاصدار طلباً كبيراً على الاكتتاب فاق التوقعات ووصل الى 4900 مليون دولار. وبلغت الاكتتابات على سندات 10 سنوات نحو 1600 مليون دولار بزيادة 200% والاكتتابات على سندات 15 سنة نحو 3200 مليون دولار بزيادة 236%، كذلك بلغت نسبة مساهمات المؤسسات المالية الأجنبية نحو 15%.
وتعليقاً على هذا الاصدار، يقول الخبير الاقتصادي الدكتور غازي وزني لـ”النهار”: “الاصدار حقق نجاحاً كبيراً في حجمه الذي بلغ حوالى 2٫2 ملياري دولار بدل مليار دولار، مع معدلات فوائــد عند 6٫2 % لـ10 سنوات و 6٫65 % لـ 15 سنة، رغم خفض التصنيف الائتماني للدولة اللبنانية في الاشهر الماضية” . وبحسب وزني، ثمة أسباب تبرّر نجاح الاصدار ومنها، استمرار الثقة بالدولة اللبنانية التي لم تتخلّف يوماً عن تسديد المستحقات المترتبة عليها ان بالعملات الاجنبية او بالليرة اللبنانية، ورغم مرورها ولفترات طويلة في أوضاع اقتصادية ومالية صعبة وغير ملائمة، ووصول الدين العام والعجز في المالية العامة الى مستويات مقلقة. ويلفت الى أن “هذا الاصدار يساعد الدولة في تحقيق عملية استبدال دينها وتمويل ديون جديدة لها بالعملات الاجنبية”. وفي سياق متصل، يشير وزني الى ان معدلات الفوائد على الأوروبوند في لبنان هي أعلى من المُسجلة في الاسواق المالية العالمية اذ لا تتجاوز 2% لاصدارات الـ10 سنوات و 2٫25% لاصدارات الـ15 سنة. ويضيف “الامر المهم الذي يجب الاضاءة عليه، هو حجم السيولة المرتفعة لدى المصارف اللبنانية الذي يتجاوز 40 مليار دولار، ما دفعها للبحث عن توظيفات جديدة، وخصوصا ان الاقتصاد اللبناني يشهد حالة من التباطؤ منذ 2011، بالاضافة الى التوترات التي تمر بها المنطقة والتراجع المستمر لنمو التسليفات مقارنة بنمو مستمر للودائع يفوق نسبة 6% سنويا. أضف الى ذلك انخفاض عائدات المصارف في توظيفاتها الخارجية، ومن خلال هذا الاصدار، تستفيد المصارف لتوظيف الفوائض لديها ولتحقيق ارباح اضافية تفوق 60 مليون دولار سنويا. وكلها عوامل عززت نجاح اصدار سندات خزينة بالعملة الأجنبية الاخيرة”.
ويتابع “بالتأكيد، ان قرار مصرف لبنان بالسماح للمصارف في تسييل شهادات الايداع شرط استبدالها بسندات “أوروبوند”، ساهم في توفير سيولة اضافية لديها ما دفعها الى توظيفها في هذا الاصدار. وأشار الى أن “الاكتتابات الداخلية بلغت حوالى 85% من اجمالي الاصدار اي ما قيمته 1٫87 مليار دولار منها 76% للمصارف و 9% لمصرف لبنان، في وقت تُعتبر فيه الاكتتابات الخارجية التي بلغت 15% من الاصدار (اي ما قيمته نحو 330 مليون دولار) خطوة ايجابية تشكل دليلاً إضافياً على استمرار الثقة بالاقتصاد اللبناني. فاستنادا الى مؤشرات المالية العامة لعام 2014، سُجل بعض التحسّن في اداء الاقتصاد عموماً، اذ حقق العام الماضي فائضا أوليا، كما تراجع مستوى العجز وتقلص الدين العام نسبة للناتج المحلي فضلاً عن الاستقرار في الوضع المالي والنقدي.
والجدير ذكره، أن وزارة المال كانت قد أوكلت ادارة الاصدار الى بنك لبنان والمهجر، بنك سوسيته جنرال، وسيتي بنك. وفي هذا السياق، أشاد المدير العام المساعد في بنك سوسيته جنرال في لبنان جورج صغبيني بنجاح الاصدار، وأوضح لـ”النهار” انّ هذا الاصدار يعزّز الثقة بالاقتصاد اللبناني ويوّفر استمرار المالية العامة وبفوائد مخفّضة، معتبراً انّ لبنان نجح في الافادة منها، على رغم استمرار ارتفاع المخاطر السيادية التي دفعت بعض وكالات الائتمان الى خفض تصنيف لبنان. وتابع “هذا الاصدار يشكل مؤشرا ايجابياً على الثقة بالسندات اللبنانية وقدرة لبنان على التزام واجباته الدولية، وعلى الاستقرار النسبي الذي يتمتّع به حاليا رغم التطورات في المنطقة. كما يؤكد هذا الاصدار على الثقة الكبيرة التي يتمتّع بها القطاع المصرفي وعلى رأسه مصرف لبنان الذي بنى حاكمه رياض سلامة استراتيجية مالية صلبة شكّلت شبكة الامان، ووفّرت كمية السيولة التي يتمتع بها القطاع. أضاف: “هذا النجاح يعود الى الجهود التي بذلها وزير المال علي حسن خليل للقيام باصلاحات في مجالات عدة، لا سيّما استراتيجية ادارة الدين العام المتوسطة الأمد التي اتّسمت بالشفافية والصدقية، الامر الذي ترك اشارات ايجابية تشجّع المستثمرين اللبنانيين وغير اللبنانيين على الاكتتاب في مثل إصدارات مماثلة”.