مروان أبو خالد
تناقلت مختلف وسائل الإعلام اللبنانية خلال الأيام الماضية، أخباراً عن فقدان المازوت وشحه في بعض المناطق اللبنانية بسبب ازدياد عمليات تصديره إلى الداخل السوري، مما دفع بوزير الاقتصاد اللبناني آلان حكيم، إلى منع تصدير المازوت الى سوريا.
هذه الأنباء استقبلها المواطنون السوريون في الداخل بإستغراب شديد، فمحطات المحروقات “النظامية” تكاد تكون شبه خالية من المازوت، ولو كانت كميات المازوت المهربة من لبنان الى سوريا تبلغ 400 ألف ليتر، بحسب مصادر لبنانية، فإن هذه الكميات كفيلة بإيجاد حل جزئي لنقص توافر المادة في الأسواق السورية. وهنا المفارقة، فمن جهة تنقص مادة المازوت في الأسواق اللبنانية نتيجة تصديرها إلى سوريا، وفي الوقت نفسه لا يلمس السوريون أي تحسن في كميات المازوت المتدفقة إلى أسواقهم. فأين تذهب هذه الكميات المهربة من المازوت ولصالح من؟
من الواضح أنّ إعلان الحكومة اللبنانية عن وقف تصدير المازوت إلى سوريا، أمر سيترتب عليه عملياً زيادة تهريب المازوت وبمعدلات كبيرة من لبنان إلى سوريا. فالحاجة الحيوية للنظام وتجاره للمازوت، وسعي بعض التجار اللبنانيين لتحقيق مزيد من الأرباح، سيدفعان إلى زيادة التهريب، عبر المنافذ البرية والبحرية لاسيما في ظل الفلتان الذي تشهده حدود البلدين، وهذا ما قد يضيّع على لبنان ملايين الدولارات كعوائد لعمليات التصدير الرسمي، بالتالي كان حرياً بالحكومة اللبنانية إيجاد آلية أخرى، لوقف التهريب وضبط التصدير النظامي.
ولم يشهد سعر المازوت أي ارتفاع يذكر في السوق السوداء السورية بعد القرار اللبناني المذكور. فما زال سعر الليتر بحدود 250 ليرة (1 دولار تقريباً)، وبالتالي لو كان للقرار اللبناني أثر ما على نقص تدفق المازوت الى سوريا لكانت ارتفعت الأسعار في الداخل السوري. هذا يعني أن التجار اللبنانيين لن يلتزموا بقرار حكومتهم، وسيستمرون بتغذية السوق السورية بالمازوت لأسباب عديدة. فبينما يبيع التاجر اللبناني طن المازوت في لبنان بحدود 500 دولار، يمكنه بيعه للحكومة السورية أو تجارها، عبر القنوات الرسمية أو التهريب، بـنحو 750 دولار، لتقوم الحكومة بعدها وعبر أذرعها في السوق السوداء ببيع الطن ضمن سعر يتراوح ما بين 950 و1100 دولار. كما أن معظم عمليات الاستيراد السوري تتم عبر لبنان في ظل العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على سوريا، ما يعني ان هناك احتمالاً أن يكون بعض التجار اللبنانيين يستوردون المازوت بالوكالة عن الحكومة السورية ولصالحها، وذلك تهرباً من العقوبات الدولية.
والحكومة السورية تحقق من خلال ذلك فوائد عديدة، فمن جهة توفر حاجة الآليات العسكرية للمازوت، والتي تفوق 80% من إجمالي استهلاك المازوت في البلاد، (علماً أن استهلاك المازوت في سوريا تراجع إلى 1.7 مليار ليتر في العام 2014 بنسبة انخفاض تقارب 74% عما كانت عليه مستويات الاستهلاك قبل الحرب، إذ بلغت 6.6 مليار ليتر سنويا في العام 2010)، ومن جهة ثانية تحقق الحكومة السورية وتجارها أرباحاً هائلة من المازوت الآتي من لبنان، من خلال بيع المهرب منه في السوق السوداء وبسعر وسطي يصل إلى دولار واحد لكل ليتر. فإذا كانت الحكومة تشتري الليتر من التاجر اللبناني بسعر 0.75 سنت، فإنها تحقق ربحاً بمقدار 0.25 سنت في كل ليتر. وإذا صحت الأرقام اللبنانية التي تتحدث عن 400 ألف ليتر مهربة يومياً، فهذا يعني ربحاً للحكومة وتجارها بمقدار 100 ألف دولار يومياً. وهذا ما يعني عملياً أن المازوت اللبناني المهرب يساعد الحكومة على تطبيق سياسة إلغاء الدعم على المحروقات. فبدلاً من أن تدعم المازوت المستورد لتوفره بالداخل بسعر مقبول، تقوم ببيع المازوت المستورد من الخارج في السوق السوداء وبأسعار مرتفعة للغاية يخضع لها الصناعيون وأصحاب وسائل النقل المحتاجون لشراء المازوت بأي سعر لضمان استمرار أعمالهم، ما يجعل كلام الحكومة عن أن دعم حوامل الطاقة سيكلفها في موازنة العام 2015 ما قيمته 656 مليار ليرة (2.7 مليار دولار) كلاماً زائفاً.
تهريب المازوت من لبنان نقمة وليس نعمة على المواطن السوري، فعمليات تهريب المازوت أو استيراده لا تلبيان حاجة المواطن السوري بل لا تستهدفانه أساساً، إنما تعودان عليه بالسوء نظراً لارتفاع أسعار السلع المرتبط إنتاجها بالمازوت. وعلى الرغم من تصريح رئيس نقابة عمال النفط في دمشق علي مرعي بأن مخصصات القطاع الخاص وموزعيه ومعتمديه البالغة 74 مليون ليتر، قد هربت بكاملها إلى السوق السوداء، ولم تبع بأسواق نظامية، فإن الحكومة لم تحرك ساكناً في هذا الشأن، في دلالة واضحة على إشرافها وقبولها التام لهذا الأمر. كما أن بائعي المازوت غير الشرعيين ينتشرون على الأرصفة في دمشق، من دون أن يردعهم أحد. ولدى سؤال “المدن” لأحدهم (رفض الكشف عن اسمه) حول مصدر المازوت الذي يبيعه، أجاب: “لا نحصل عليه من المهربين بل عبر “الكازيات” (المحطات) المرخصة، ولا ندري أصلاً هل المازوت الذي نبيعه هو لبناني أو إيراني أو روسي. نحن نحصل عليه لنبيعه من دون معرفة مصدره”. وحول عدم الخوف من البيع بشكل مكشوف، اكتفى الرجل بالصمت. وفي هذا الصمت يكمن الجواب كله!