IMLebanon

حاكم المصرف المركزي ليس موظفاً !

riad-salame
ابراهيم اسامة العرب

إن المادة 49 من الدستور تنصّ على أنه “لا يجوز انتخاب القضاة وموظفي الفئة الأولى وما يعادلها في جميع الادارات العامة والمؤسسات العامة وسائر الاشخاص المعنويين في القانون العام مدة قيامهم بوظيفتهم وخلال السنتين اللتين تليان تاريخ استقالتهم وانقطاعهم فعلياً عن وظيفتهم أو تاريخ احالتهم على التقاعد”. ومن هنا فإننا نتساءل عن وضع حاكم مصرف لبنان. وهل يعتبره القانون موظفاً عمومياً من الفئة الأولى أو ما يعادلها؟

بادئ ذي بدئ لا بد من الاشارة الى أن تحديد مفهوم للموظف العام اجتهاد له آثار قانونية بعيدة المدى وشديدة الخطر في كافة مجالات القانون، سواء أكان ذلك في نطاق القانون العام أم في نطاق القانون الخاص، بل وفي كافة فروع هذين القسمين من أقسام القانون. ولأهمية فكرة الموظف العام فقد تصدى لها القضاء الاداري في الدول التي انبثق فيها هذا القضاء واثبت قدرته على استنباط وتحديد عدة مفاهيم ادارية.

تجدر الاشارة الى أن المشرع اللبناني سار على نهج المشرع الفرنسي، فلم يضع تعريفا شاملا لفكرة الموظف العام، كذلك فلم يرد في التشريعات الفرنسية تعريف شامل للموظف العام، فالقانون الصادر في عهد حكومة فيشي في 14/9/1941 أورد تعدادا لطوائف مختلفة من الموظفين من دون ايراد تعريف جامع مانع للموظف العام، وقد ردد المشرع الفرنسي شرط ثبوت صفة الدوام للوظيفة التي يشغلها الشخص لكي يوصف بأنه موظف عام في قوانين التوظيف المختلفة التي صدرت في الاعوام 1946، 1959، 1983. وقد اقر المشرّع الفرنسي في قانون سنة 1946 هذا القضاء السابق، فقد عرف القضاء الفرنسي الموظف العمومي بأنه كل شخص تم تكليفه بعمل مستمر ودائم في خدمة مرفق عام. كما تواترت احكام القضاء الفرنسي على تأكيده، وتبين من ذلك ان المشرع الفرنسي يطبق احكامه على من تتوافر فيهم الشروط التالية:
1. الوظيفة الدائـمة.
2. الخدمة في مرفق اداري عام.

وللوقوف على وضع تعريف شامل ونهائي للموظف العام، ساهم الفقه بدوره في تقديم بعض التعاريف التي تختلف باختلاف المدارس والنظريات الفكرية، فالفقه الإداري الفرنسي ساهم في إعطاء تعريفات للموظف العمومي وإن كانت متباينة في مضامينها فإنها تعد بحق محاولة جادة لتأصيل المفهوم، ففي الوقت الذي تبنى فيه الفقيه “ألان بلانتي’ تعريفا واسعا وغير دقيق للموظف العمومي من خلال تأكيده بأنه هو كل شخص يساعد وبشكل مستمر على القيام بمهمة تعمل على تنفيذ خدمة إدارية عامة، قدم الفقيه “أوندري هوريو” تعريفا مهما يتضمن مختلف العناصر والشروط المكونة لصفة موظف عمومي يماثل ما جاء به قانون سنة 1946 الفرنسي، حيث يعرفه بأنه كل شخص تم تعيينه من طرف السلطة العامة المختصة داخل الإطارات الدائمة لمرفق تديره الدولة أو الإدارات التابعة لها. وفي تعريف مشابه يمكن أخذه هو كذلك بعين الاعتبار يرى الفقيه “لويس رولوند” بأن الموظف العمومي هو كل شخص تم تعيينه من طرف السلطة المختصة من أجل عمل مستمر أو يتميز ببعض خصائص الاستمرارية وذلك داخل الإطارات الإدارية المنظمة من أجل سير المرافق العامة. في حين يعرّف الفقيه “أوندري دولوبادير” الموظف العمومي بأنه مبدئيا هو العون العمومي الذي تم تكليفه بعمل عمومي دائم وموجود في إطار سلم إداري لمرفق عام تشرف عليه هيئة عامة، وأخيرا نورد تعريف الموظف العمومي لدى “مارسيل فالين” الذي يرى بأنه هو كل شخص ساهم بطريقة عادية في تدبير مرفق عام ويشغل منصبا دائما داخل الإطارات الإدارية. وفي الحقيقة هناك عدة نظريات تناولت تعريف الموظف العام اهمها نظرية المرفق العام، ونظرية القانون العام.

الا أنه يتضح من مضامين جميع التعاريف ان غالبية الفقه تشترط لاعتبار الشخص موظفا عاما توافر شرطين اساسيين هما:
1. شغل وظيفة دائمة.
2. المساهمة في ادارة مرفق عام.
واضاف جانب من الفقه الفرنسي شرطا آخر هو: ان تكون للموظف درجة من درجات السلم الاداري.
ومجلس شورى الدولة ما زال يسير على نهج مجلس الدولة الفرنسي في تحديد مفهوم الموظف العمومي، فيشترط توافر شرطي شغل الوظيفة الدائمة والمساهمة في خدمة ادارة مرفق عام. مع الأخذ بعين الاعتبار أن من يعملون في مجال المرافق الاقتصادية أو المرافق العامة التجارية والصناعية وتجتمع فيهم الشروط السالفة الذكر، قد يُعتبرون موظفين عاديين يخضعون لأحكام القانون الخاص ويخرجون بذلك عن نطاق الوظيفة العامة وأحكام القانون الإداري، إذا كانوا لا يخضعون للمراقبة والمساءلة التي يخضع لها الموظف العمومي، ولا لأحكام قوانين الموظفين العموميين العامة أو الخاصة. وهذا القضاء ينسجم مع القواعد القانونية التي تحكم المرافق الاقتصادية فهي تخضع لمزيج من قواعد القانون العام والخاص وقد مد القضاء ذلك الى نطاق عمال تلك المرافق ، فأخضع بعضهم للقانون العام وبعضهم الاخر للقانون الخاص.

وبناء على ما تقدم، فكل شخص يعمل لفترة زمنية محددة ثم ينتهي عقده بعد ذلك، يستحيل القول بأنه موظف عمومي لأنه لا يشغل وظيفة دائمة، ولذلك يخرج حاكم مصرف لبنان من نطاق الموظفين ولا يطاله المنع الوارد في المادة 49 من الدستور اللبناني. وهذا هو الاجتهاد المستقر الذي يعتمده مجلس الدولة الفرنسي والذي يسير على نهجه مجلس الشورى اللبناني لانطباقه على ذات الأساس القانوني في تفسير مفهوم عبارة موظفي الدولة، وبالتالي لتفسير الأشخاص المقصودين بعبارة الموظف العمومي من الفئة الأولى والوارد بشأنهم المنع من الترشح لرئاسة الجمهورية في الفقرة الاخيرة من المادة 49 من الدستور اللبناني.